مع مواجهته صدمتي تمدد فيروس كورونا الجديد وانهيار أسعار النفط، يدخل الاقتصاد الروسي مرحلة عصيبة تضع السلطات الروسية أمام خيارات صعبة، مثل استنزاف الاحتياطات المالية أو ترك العملة الروسية “الروبل” للتراجع إلى أدنى مستويات تاريخياً أو تعديل الموازنة التي تعتمد سعر النفط بنحو 42 دولاراً للبرميل.
ومنذ نهاية الأسبوع الماضي، تراجع سعر صرف الروبل إلى أدنى مستوى له منذ فبراير/ شباط 2016، وبلغت العملة الأميركية نحو 80 روبلاً، تحت وطأة انهيار أسعار النفط إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل جراء فشل اتفاق “أوبك+”.
وتهاوت أسعار النفط خلال الأسابيع الماضية على وقع الحرب النفطية بين موسكو والرياض وتداعيات فيروس كورونا، وسط توقعات لكثير من البنوك العالمية باستمرار تراجع الأسعار العام الجاري.
وفي هذا الإطار، يشير كبير الاقتصاديين بوكالة “إكسبرت را” للتصنيف أنطون تاباخ، إلى أن تدني أسعار النفط يؤثر على الاقتصاد الروسي بعدة طرق، مرجحاً أن إطالة أمدها ستتطلب إما خفض قيمة الروبل وإما تحويلات من صندوق الرفاه الوطني (الصندوق السيادي) لدعم الموازنة.
ويقول تاباخ في حديث لـ”العربي الجديد”: “تم وضع موازنة عام 2020 انطلاقاً من سعر 2700 روبل لبرميل نفط “أورالز” الروسي، وهو ما كان يعادل 42.4 دولاراً وفقاً لسعر الصرف السائد آنذاك، لإيداع أي فائض فوق هذا الرقم في صندوق الرفاه الوطني. إلا أن تراجع النفط إلى ما دون هذا المستوى لفترة طويلة سيتطلّب إما الإبقاء على الروبل الضعيف أو إجراء تحويلات إضافية من صندوق الرفاه الوطني لدعم الموازنة. أضف إلى ذلك أن مكافحة وباء كورونا تتطلّب نفقات جديدة، ما يزيد من حدة الوضع”.
وحول تأثير الوضع الراهن على شركات النفط والميزانية الروسية، يضيف: “يتم إيداع جزء مهم من إيرادات شركات النفط في ميزانية الدولة، ولكن تراجع أسعار النفط إلى ما دون 25 دولاراً للبرميل يشكّل ضربة قوية لعوائد الشركات، ما يقتضي تقليص الإنفاق”.
ويخلص الخبير الاقتصادي الروسي إلى أنه في حال عدم تعافي أسعار النفط، سيتطلّب تعديل بنود الميزانية بشكل كبير، بما فيها تقليص تمويل المشاريع القومية الكبرى باستثناء مجالي الصحة والسكان.
وكان وزير المالية الروسي، أنطون سيليانوف، قد قال الأربعاء الماضي إن إيرادات ميزانية روسيا من مبيعات النفط والغاز ستقل ثلاثة تريليونات روبل (39 مليار دولار) عن المتوقع لهذا العام بسبب انخفاض أسعار الخام.
من جهتها، حذّرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” في عددها الصادر أمس الثلاثاء من أن السلطات الروسية ربما لا تدرك نطاق الكارثة الاقتصادية المرتقبة جراء الضربة التي يلحقها وباء كورونا بقطاع المشاريع الصغيرة البالغ عدد العاملين فيه ما بين 15 و18 مليون شخص أو نحو 25 في المائة من إجمالي الوظائف في روسيا.
وفي مقال بعنوان “الوباء سيحرم ملايين الروس من مصدر دخل”، اعتبرت الصحيفة أن إجراءات الحكومة الرامية إلى تقديم تسهيلات ضرائبية وائتمانية للشركات الصغيرة كانت ملحة قبل الوباء، حين كان الاقتصاد ينزلق تدريجياً إلى أزمة، ولكن القضايا الأكثر أهمية اليوم تتعلّق بالبدائل المتوفرة للعاملين في حال خروج أربابهم من السوق بسبب انعدام الطلب على خدماتهم ومنتجاتهم في ظروف تفشي كورونا.