يبدو أن عدم اليقين حول وجود وانتشار فيروس كورونا المستجد سيستمر وقد لا ينتهي إلى نتيجة مُقْنِعة وقاطعة، فقد تعددت الروايات، وكثرت التحليلات وتنوعت الآراء وتناقضت الادعاءات حوله. وغاب الجواب الشافي فأرهق الناس وأربك المجتمعات والدول، وتساوى الجميع في القلق والخوف من المجهول، فضلا عن الحيرة والتيه، بغض النظر عن الفهم، ذلك لم يكن ذلك مهما، بعد تورط الجميع وانسياقهم وراء كم مهول من الأخبار والروايات المتناقضة والمتضادة.
وبدت الصحافة وأجهزة الإعلام الروسية أكثر اهتماما، وقَلَّبت أمر ما يبث وينشر على كل الأوجه والزوايا، من خلال جيش جرار من الخبراء والمحللين، وذوي الاختصاص، الذين مثلوا أوساطا وأطرافا معنية بـ«جائحة كوفيد 19»، ومن بينهم روس وأمريكان وأسيويون وأوربيون وأفارقة وعرب، من ملل ونحل سياسية وعرقية، ومن كل بقاع الشمال والجنوب والشرق والغرب، وما بينهم.
وتناول الأكاديمي الروسي «فيدور لوكيانوف» هذا الوضع، وإن وصفه بـ«تصحيح عالمي» أقرب إلى «حرب كبرى»، في مقال له في مجلة «روسيسكايا غازيتا»، كشف فيه التغيير الكامل في كل شيء، وقال: قبل أسابيع قليلة مضت كان من المستحيل تخيل إغلاق البلدان كليا. وإيقاف وسائل النقل العام، وإقفال دور السينما والمسرح، وإخلاء المدارس والجامعات من الطلاب، وفرض قيود صارمة على الحركة، ووضع الجميع تحت الرقابة الكاملة، واصفا ذلك بـ«أشياء كانت ترتبط فقط بالحرب فيما سبق، وشدة ردة الفعل ملفتة، وتبدو غير متناسبة مع درجة الخطر».
فالكساد الاقتصادي العالمي، لم يعد خبرا مهما، مقارنة بهذه «الجائحة»، و«المكون الاجتماعي»، هو الأكثر أهمية، ولم يكن الفيروس ليصبح محفزا قويا لو لم تتراكم، في النظام العالمي، اختلالات داخلية خطيرة للغاية، كانت على وشك الانفجار، ووصفها بالاختلالات المعقدة، التي مست أسس عمل الآلية الدولية برمتها. فالعالم المُعولَم الذي اعتدنا عليه، وتبلور خلال أربعين سنة، والتحول نحو «الليبرالية الجديدة» في الغرب، وإذا كانت أزمة عام 2008 المالية قد نبهت كثيرين إلى تلك الاختلالات، إلا أنها لم تَقُد لتغيير النهج الأساسي لتلك الآلية الدولية.
وتغير العالم نحو ما أسماه «الاتجاه الذي دعا إليه الشعبويون»، وإن كنت شخصيا لا أحبذ تعبير «الشعبويين»، بما يحمل من استعلاء وتمييز وتفرقة. فالحراك الذي يغطي العالم منذ سنوات أكبر من تلك التعبيرات المغرضة، ويشمل القوى الاجتماعية ذات الثقل، باستثناء قلة متحكمة في السلطة والثروة والسلاح، وبعيدا عن هذه الجملة الاعتراضية فإن تأثير التيارات العنصرية والمذهبية والطائفية على العالم بدأت غيرت من توجهات القلة المهيمنة، وجعلت خلاصها بالتركيز على «السيادة المحلية»، كحل يناسبها، وأكثر فعالية وأمانا لها من التكتل والتعاون والوحدة(!!).
وهناك رأي آخر يرى أن فيروس كورونا المستجد حوّل السياسة العالمية إلى عمل إلكتروني (أونلاين)، وعبر عن ذلك مقال في صحيفة «فزغلياد» بتاريخ 18/ 03/ 2020 للكاتب «بيوتر أكوبوف»، أشار فيه لاضطرار قادة «مجموعة العشرين» الكبار إلى عقد اجتماعهم من دون حاجة للقاء وجها لوجه، أي أنه اجتماع «افتراضي»، يستخدم خاصية «الفيديو كونفرنس»، للبحث في «جائحة» كورونا، بدون اكتراث بالسرية المطلوبة للاجتماع. وجاء في المقال إن «مجموعة العشرين» تعمل على عقد اجتماع طارئ في الأيام المقبلة لبحث سبل مكافحة فيروس كورونا، والنظر في أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية.
وكانت قمة العشرين الأخيرة قد عقدت في «أوساكا» اليابانية في يونيو/حزيران الماضي (2019)، على أن تعقد القمة التالية في «الرياض» في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لكن البداية غير المتوقعة لعام 2020 لم تسمح بانتظار طويل، بعد التدابير المتخذة لمكافحة فيروس كورونا المستجد، وإغلاق غير مسبوق للعديد من دول العالم، وهبوط الاقتصاد العالمي، وذعر انتاب البورصات العالمية.
كثرت التحليلات وتنوعت الآراء، وتناقضت الادعاءات حول الفيروس، وغاب الجواب الشافي، فأرهق الناس وأربك المجتمعات والدول، وتساوى الجميع في القلق والخوف من المجهول
وألغيت «قمة الرياض» واستبدلت بأخرى عقدت أثناء كتابة هذه السطور، واختزلت في اجتماع إلكتروني «أونلاين»، وهو ما لم تأخذ به «مجموعة الدول السبع»، وتسبب في تعطيل انعقاد الاجتماع الافتراضي، «رغم ضرورته، واستبدل بانعقاد مؤتمر «الفيديو كونفرانس» لمجموعة العشرين المكونة من: الأرجنتين، واستراليا، والبرازيل وكندا، والصين، الهند، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة وألمانيا، واليابان، وإيطاليا، وجنوب إفريقيا والسعودية وتركيا، وكوريا الجنوبية، وإندونيسيا، والمكسيك، والاتحاد الأوروبي. وكان أكثر إلحاحا لشموله العالم كله، فثمة مشكلة تقنية بالغة الأهمية تتمثل في عدم وجود قنوات اتصال آمنة متعددة الأطراف.
وتواجه هذه القمة تعقيدات كثيرة بسبب الخلاف حول أسعار النفط،، وتراجعها بشكلٍ قياسي، كما انخفضت عائداتُ سندات الخزانة الأمريكية إلى مستويات متدنية، وزادت ظلال التوتر بين الصين والولايات المتحدة، وتم تبادل الاتهامات حول منشأ فيروس كورونا، بجانب دعواتٍ دولية وأممية لرفعِ العقوبات عن إيران، وغيرها من دول تكافح جائحة «كوفيد ـ 19»، وكذلك تَعَرُّض أسواق المال لخسائر كبرى، فهل تغلبت «قمة العشرين» الاستثنائية في حالها الراهن على هذه التعقيدات؟
على الجبهة المقابلة، ومن بريطانيا انتقد الكاتب البريطاني المعروف «روبرت فيسك» استخدام الساسة والإعلاميين ألفاظا غير لائقة في الحديث عن فيروس كورونا في مقال له بصحيفة «الإندبندنت» الأربعاء الماضي (25 آذار/ مارس 2020) مستشهدا بتصريح رئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون»، وقوله: مزيد من الناس سيفقدون أحباءهم بسبب الفيروس، ووصف «فيسك» ذلك بالتلوث الخطابي، «يعزل المعنى ويدمر علم دلالات الألفاظ، والأسوأ أنه يتسبب في تسطيح الأزمة»، واستطرد: «في ظرف دقائق بل ثوان، تنتقل تلك العدوى الخطابية بين السياسيين والمراسلين والناس العاديين».
وزاد قائلا: «لن يتسبب ذلك في ذهاب الفيروس لكنه سيعزل ذاتيا كلماتنا التي نتفوه بها وربما يمتد تأثير ذلك لفترات طويلة»، وتابع الصحافي البريطاني: «يبدو أن العزل الذاتي لا يقتصر على إغلاق الأبواب لكنه يعني أيضا عزل المعنى وتدمير علم دلالات الألفاظ وإساءة استخدام اللغة، وخلط الكليشيهات (المصكوكات) باستعارات تبعث على الضجر». ويكرر جونسون استخدام لغة التهديد مرات عديدة وقوله: «إذا لم تتبعوا هذه القواعد، ستملك الشرطة سلطة فرضها عنوة» وكذلك تحذيره بـ«فض التجمعات»، وختم «فيسك» كلامه ساخرا: «ماذا لو تجمع أكثر من شخصين بهدف الاحتجاج على تعليمات جونسون؟».
وفي هذا الوضع المرتبك استدعت واشنطن السفير الصيني لديها للاحتجاج على تغريدة مسؤول صيني أشار فيها لاحتمال دخول فيروس كورونا الى مدينة «ووهان» عن طريق الجيش الأمريكي، مع وجود أدلة تثبت تطوير علماء أمريكيين لفيروس كورونا عام 2015، واتهمت وكالة «شينخوا» الصينية ساسة أمريكيين باستخدام الفيروس سلاحا لتشويه سمعة الصين عقب تصريح جورج بومبيو وزير الخارجية الأمريكي، وتسميته «فيروس ووهان».
بجانب ادعاءات أخرى على مواقع التواصل الإلكتروني حول «غاز السارين»، المجرب ضد السوريين، وراح ضحيته نحو 1400 من المدنيين الأبرياء خلال يومين، أغلبهم أطفال ونساء وكهول ومعوقون، ومن المعروف أن الغازات لا تتحول إلى فيروسات، ولا يتحول الفيروس إلى غاز، فهل يستقيم ذلك الادعاء؟
وبالتالي فالغازات، مثل غاز السارين ليس لها من حل سوى انتظار تحوله إلى سائل يستقر على الارض ما بين 3 أو 4 أشهر، (من يناير/كانون الثاني حتى أبريل/نيسان). ويبدو أن ذلك كان وراء تصريح الصين بأن آثار الفيروس ستنتهي في إبريل/نيسان، وتتلاشى بعدها نسبة الوفيات، بسبب نقص تركيز الغاز ونقص مفعوله، والوفيات الموجودة الآن في إيطاليا وفرنسا وإيران سببها كثرة عدد من هم فوق سن 75 عاما، الأكثر عرضة للوفاة حتى لو كانت نسبة السارين 0.1٪ في الجو.
قدس عربي