في “دبلوماسية الكارثة”.. لم يحقق ترامب أي نجاح

في “دبلوماسية الكارثة”.. لم يحقق ترامب أي نجاح

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده كل من مايكل كرولي ولارا جيكس ناقشا فيه أن “دبلوماسية الكارثة التي حاول ترامب استخدامها لم تؤد حتى هذا الوقت إلا لنتائج قليلة”.
فمع تسارع انتشار فيروس كورونا حول العالم عرض دونالد ترامب المساعدة على أعداء أمريكا الألداء مثل إيران وكوريا الشمالية وكان الرد هو الرفض.
ورد الإيرانيون بغضب على العرض ووصفوه بأنه غير صادق وطالبوا بتخفيف واسع للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها بدلا من ذلك. أما كوريا الشمالية الغاضبة على أمريكا بسبب التوقف في المفاوضات النووية فقد عبرت عن امتنانها لكنها لم تقبل العرض بشكل علني وحذرت من “مصاعب كبيرة” في العلاقات مع الولايات المتحدة. إلا أن المثالين يقدمان صورة عن الطريقة التي يواصل فيها ترامب إدارة سياسته الخارجية وسط حالة الوباء والطريقة التي يشكل فيها فيروس كورونا نهجه.

من الواضح أن فيروس كورونا سيؤثر على كل ملمح من ملامح السياسة الخارجية الأمريكية ولوقت طويل”.

وترى الإدارة الأمريكية في الأزمة فرصا جديدة لكنها تحمل معها مخاطر أخرى حيث تحاول الصين وروسيا الاستفادة من لحظة ظهر فيها عدوهما في حالة ضعف وتشتت. ويطلق عليها الخبراء دبلوماسية الكارثة- أي الطريقة التي تستخدم الدول الكوارث مثل الهزات الأرضية وتسونامي والأمراض لتعزيز أجندتها فيما وراء البحار. ومن الناحية التاريخية فقد شمل هذا الكوارث المحلية، واليوم يقوم ترامب وقادة العالم بتعديل سياساتهم لمواجهة الكارثة التي تصيب الإنسانية. ويقول ريتشارد فونتين، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي ويعمل كأكبر مسؤول في مركز الأمن الأمريكي الجديد: “من الواضح أن فيروس كورونا سيؤثر على كل ملمح من ملامح السياسة الخارجية الأمريكية ولوقت طويل”. وقال فونتين إن الفيروس زاد من التنافس بين الولايات المتحدة والصين ويمكن أن يسرع خروج القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان وأماكن أخرى لحماية الجنود من الوباء. وقامت الصين بالترويج للمعلومات المضللة وحملت أمريكا على خلق الفيروس، وقدمت نفسها كزعيمة للعالم ضد الوباء الذي تحاول الولايات المتحدة احتواءه. وقام أحد أكبر رجال الأعمال الصينيين جاك ما، صاحب إمبراطورية علي بابا، بالعرض على الولايات تقديم أقنعة طبية واقية وأجهزة الفحص كوسيلة لمساعدة الولايات المتحدة على مكافحة الفيروس، وهي لفتة تؤكد على التحرك المتأخر للرئيس ترامب.
وأشارت السفارة الروسية في واشنطن على صفحتها في فيسبوك إلى أن سفيرها أناتولي أنطونوف قد تقدم بنفس العرض وتوفير أجهزة الفحص التي لم تكن متوفرة للجهات الصحية. ونشرت القناة التي يمولها الكرملين (أر تي) مقالا أثنى فيه كاتبه على زيارة الرئيس فلاديمير بوتين مستشفى وقد ارتدى البزة الواقية في مقارنة مع الرئيس ترامب الذي يقوم بتهميش الخبراء العلميين والبحث عن المؤتمرات الصحافية البراقة. وفي تحد ضمني لسياسة أمريكا ضد أعدائها دعا مسؤولان كبيران في الأمم المتحدة، أنتوني غويتريش، الأمين العام، وميشيل باشليت، المفوضة الأممية لحقوق الإنسان، إلى تخفيف العقوبات ضد الدول التي انهار اقتصادها حتى تكون قادرة على مكافحة فيروس كورونا.
وقالت باشليت إن العقوبات الاقتصادية قد تعوق وصول المواد الطبية لكل من إيران وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وزيمبابوي، وكل هذه الدول تعرضت لعقوبات أمريكية. وفي أحاديثه مع الصحافيين في 22 آذار (مارس) قال ترامب إنه يقدم الدعم لدولتين من هذه الدول: “بالنسبة لكوريا الشمالية وإيران وغيرهما فنحن منفتحون على مساعدة الدول الأخرى، وهذا وقت خطير”، وأضاف أنه مد “يدا دافئة للكثير من الدول الأخرى”.
وفي الوقت الحالي كرست الولايات المتحدة 274 مليون دولار لـ 64 دولة ومفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وتحدت بوني غليك النائبة الإدارية لوكالة التنمية الدولية التابعة للأمم المتحدة الدول الأخرى لتقديم مساعدات غير مشروطة ومساعدة العالم على مقاومة الوباء و”في المعركة ضد فيروس كورونا فنحن نقوم بإنقاذ أرواح لا حفظ ماء الوجه”.
ومع تزايد الحالات التي أثقلت كاهل النظام الصحي الإيراني، قالت وزارة الخارجية الشهر الماضي إنها مستعدة لمساعدة الشعب الإيراني في جهودهم للرد على الوباء. ونقلت السفارة السويسرية في طهران التي تعمل كممثل للمصالح الأمريكية في إيران الرسالة. ولم تحدد الخارجية نوعية المساعدة التي تريد إدارة ترامب تقديمها ولكنها تمثل تحولا في موقف الإدارة التي حاولت جهدها لتقويض النظام الحاكم، وفرضت عقوبات جديدة عليه الأسبوع الماضي. ولكن الجمهورية الإسلامية ردت سريعا بالرفض رغم تزايد حالات الوفيات التي تجاوزت ألفي شخص، وأكدت أن ما تريده هو تخفيف العقوبات التي أعاد فرضها ترامب قبل عامين بعدما خرج من الاتفاقية النووية الموقعة في عام 2015. وحتى قبل انتشار الفيروس ناشدت إيران الرأي العام الدولي قائلة إن العقوبات تقتل الناس الأبرياء.
وفي رسالة مفتوحة إلى الشعب الأمريكي وجهها الأسبوع الماضي الرئيس حسن روحاني قال إن الولايات المتحدة “تساعد على انتشار الفيروس من خلال العقوبات”، وقال إنها “تقوض وبشكل كبير قدرة الشعب الإيراني على قتال فيروس كورونا ويخسر عدد منهم حياته نتيجة لهذا”.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الحكومة الإيرانية هي المسؤولة ويمكنها التخلص من العقوبات لو تخلت عن برنامجها النووي ولم تتدخل في الدول الأخرى مثل سوريا واليمن. إلا أن الدول الأوروبية وكذا الصين وروسيا طالبت بتخفيف العقوبات. ودعا عدد من الديمقراطيين إلى مثل هذا. ففي رسالة وجهها عدد من المشرعين الديمقراطيين والليبراليين هذا الأسبوع إلى وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير المالية ستيفن منوشين قالوا إنه “بدلا من مراكمة العقوبات على الشعب الإيراني في ساعة الحاجة، ندعو إلى تعليق جوهري للعقوبات ضد إيران كلفتة إنسانية إلى الشعب الإيراني ومساعدته على مواجهة الفيروس”.
ويؤكد المسؤولون في وزارة الخارجية أن المساعدات الإنسانية مستثناة من العقوبات وأن فساد الحكومة وسوء إدارتها هو السبب. إلا أن جاريت بلانك، المسؤول السابق في عهد باراك أوباما والذي أشرف على إدارة تنفيذ اتفاقية 2015 النووية، قال إن القيود المالية التي فرضتها أمريكا على إيران خنقت بشكل فعلي أية فرصة للمساعدة الإنسانية. ويقول الخبراء إن العرض الأمريكي ليس سوى فتات على الطاولة بدون تغيير للسياسة كما يقول والي نصر، المسؤول السابق في إدارة أوباما والمحاضر بجامعة جون هوبكنز. وقال إن “الحكومة الإيرانية لا تريد تقديم انتصار في مجال العلاقات العامة” لو قبلت المساعدات.
وبالمقابل قالت شقيقة الزعيم الكوري ومساعدته كيم يو- جونغ إن العرض هو تعبير عن التعاون في مجال العمل المضاد للوباء ولكنها لم تقل حسبما نشر في وكالة الأنباء الرسمية إن قبلت الحكومة الكورية الشمالية العرض.
وقالت الحكومة إنها لم تكتشف حالات لفيروس كورونا وهو أمر يجده الخبراء غير معقول. ويريد ترامب إحياء المحادثات النووية بعد عام من رفضه طلب الرئيس الكوري كيم جونغ- أون رفع العقوبات مقابل وقف جزء من برنامجه النووي. ويقول إيلان كليمان أستاذ الكوارث في يونيفرستي كوليج إن كوريا الشمالية طالما قبلت الدعم الخارجي أثناء المجاعات لكي تعود إلى نبرتها العدائية. وقال كليمان مؤلف “دبلوماسية الكارثة: كيف تؤثر الكوارث على السلام والنزاع” إن هذا يعكس التاريخ القريب للدول المعادية وربما كان درسا لترامب.
وقال: “لا توجد أمثلة تاريخية واضحة عن دبلوماسية المرض والدبلوماسية الطبية ودبلوماسية الكارثة، حيث حصل تغير دبلوماسي بسبب الكارثة أو المرض”. وحتى في هذه الأزمنة الصعبة فالتعاون مع الحلفاء لا يثمر. وبعد اجتماعه يوم الأربعاء مع وزراء خارجية مجموعة السبع الكبار قال بومبيو إن الدعم الذي قدمته أمريكا في الخارج هو الأفضل. ولكن بومبيو لم ينكر تقرير في مجلة “دير شبيغل” أنه طلب من الوزراء في المجموعة تبني مصطلح “فيروس ووهان” كجزء من حملة تقوم بها إدارة ترامب لتحميل الصين مسؤولية انتشار الفيروس والتكتم عليه في البداية. وفي البيان الختامي من المجموعة لوزير الخارجية الفرنسي لم يذكر الصين بل ودعا لمواجهة أي محاولة لاستغلال الأزمة واستخدامها لأغراض سياسية.

قدس عربي