كورونا وأزمة الديون.. هل يستعد الاقتصاد العالمي لخروج إيطاليا المدمر من منطقة اليورو؟

كورونا وأزمة الديون.. هل يستعد الاقتصاد العالمي لخروج إيطاليا المدمر من منطقة اليورو؟

في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنترست الأميركية قال الكاتب ديزموند لاكمان إنه في خضم أزمة الديون السيادية الإيطالية لعام 2012 أنقذ ماريو دراجي اليورو من خلال ترديده جملته الشهيرة “البنك المركزي الأوروبي سيفعل كل ما يتطلبه الأمر للحفاظ على سلامة اليورو”.

ومع تحول إيطاليا إلى بؤرة لوباء فيروس كورونا في العالم فإن اختبار متانة اليورو مرة أخرى من خلال أزمة الديون السيادية الإيطالية الكاملة يبدو مسألة وقت لا غير.

ولمصلحة كل من الاقتصاد الإيطالي والعالمي يجب أن نأمل أن تتمتع أوروبا بالإرادة السياسية هذه المرة للقيام بكل ما يتطلبه الأمر لإنقاذ اليورو على الرغم من التكلفة المالية المرتفعة المحتملة لذلك.

وأفاد الكاتب بأن هشاشة اقتصاد إيطاليا وضعف ماليتها العامة ونظامها المصرفي السيئ -الذي يعود إلى فترة ما قبل انتشار فيروس كورونا- يجعلنا نفكر في أنها معرضة بشدة لجولة أخرى من أزمة الديون السيادية.

وبعد الركود الاقتصادي خلال العقد الماضي دخل الاقتصاد الإيطالي مرة أخرى في حالة ركود بحلول نهاية عام 2019.

وفي الوقت نفسه، كانت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي قد بلغت 135٪، أي أعلى مما كانت عليه في عام 2012، بينما ظلت ميزانيات مصارفها مثقلة بالقروض العاطلة والسندات الحكومية الإيطالية، يقول الكاتب ديزموند لاكمان.

وأضاف “لا شك أن هذا الوباء سيلحق أضرارا بالغة بكل من المالية العامة لإيطاليا ونظامها المصرفي، مما سيسقط البلاد في أعمق ركود اقتصادي لها في فترة ما بعد الحرب”.

وهذا من شأنه أن يتسبب في تضخم عجز الميزانية في إيطاليا، فضلا عن ارتفاع معدل القروض المتعثرة في نظامها المصرفي مع إعلان المزيد من الأسر والشركات عن إفلاسهما، يتابع الكاتب.

الاقتصاد الإيطالي قد يكون الأكثر تضررا في أوروبا نظرا لكون البلاد تمثل بؤرة للوباء (رويترز)
الاقتصاد الإيطالي قد يكون الأكثر تضررا في أوروبا نظرا لكون البلاد تمثل بؤرة للوباء (رويترز)
إيطاليا الأكثر تضررا
وأوضح الكاتب أنه من المرجح أن يكون الاقتصاد الإيطالي الأكثر تضررا في أوروبا، نظرا لكون البلاد تمثل بؤرة للوباء.

وفي هذه الأثناء- يقول التقرير إن إيطاليا تبقى عالقة في قيود اليورو، إذ لم يبق لها سوى القليل من إجراءات السياسة النقدية المجدية وبعض إجراءات السياسة المالية التي يمكنها اتخاذها، وهذا ما يؤكد احتمال انكماش الاقتصاد الإيطالي بنسبة 10٪ على أقل تقدير في عام 2020، وهو العامل الذي سيثير تساؤلات جديدة بشأن استدامة ماليتها العامة وسلامة نظامها المصرفي.

وذكر الكاتب أن بيان ماريو دراجي -الذي قال فيه “سنفعل كل ما يتطلبه الأمر”- قد أنقذ اليورو دون أن يضطر البنك المركزي الأوروبي إلى دفع أي أموال إلى إيطاليا، ذلك أن الأسواق في ذلك الوقت أخذت هذا البيان على محمل الجد.

لكن في الظرف الحالي الذي تعيشه الأسواق المالية الدولية المضطربة، وفي ظل التدهور الكبير المتوقع في الوضع الاقتصادي والمالي في إيطاليا فإنه من غير المرجح أن تصدق الأسواق بيان البنك المركزي الأوروبي دون اختباره، وقد يتطلب هذا من الشركاء الأوروبيين لإيطاليا جمع مبالغ كبيرة جدا من المال لإظهار التزامهم بإبقاء إيطاليا في منطقة اليورو.

وأوضح الكاتب أن إحدى الطرق المعتمدة لاحتساب حجم المال العام اللازم لدعم إيطاليا هي التذكير بأن مساعدة اليونان في العشرية الأخيرة استلزمت بحوالي 300 مليار دولار لإبقائها في منطقة في اليورو.

وبالنظر إلى أن الاقتصاد الإيطالي يبلغ حجمه عشرة أضعاف حجم الاقتصاد اليوناني فإن مساعدة إيطاليا تتطلب عشرة أضعاف هذا المبلغ حتى تبقى في منطقة اليورو.

الحكومة الإيطالية لديها دين عام سنوي يقدر بـ400 مليار دولار (غيتي)
الحكومة الإيطالية لديها دين عام سنوي يقدر بـ400 مليار دولار (غيتي)
ركود عميق
هناك طريقة أخرى لتقييم حاجة إيطاليا المحتملة للدعم الرسمي، وتتمثل في تحديد الدعم الذي قد تحتاجه لتمويل حكوماتها ومساندة البنوك في حالة فقدان الأسواق ثقتها في البلاد.

وبما أن الحكومة الإيطالية لها دين عام سنوي يقدر بـ400 مليار دولار، وهي تعيش في حالة ركود عميق فإن عجز ميزانيتها قد يتجاوز 200 مليار دولار، وبالتالي قد تحتاج إلى 1.2 تريليون دولار للحفاظ على توازناتها المالية.

وأشار الكاتب إلى أن النظام المصرفي الإيطالي الحالي المقدر بأربعة تريليونات دولار يحتاج الى ما لا يقل عن تريليون دولار، لوضع حد لهجرة رؤوس الأموال إلى الخارج ولوضع حد كذلك لنسبة الارتفاع الكبير في القروض المتعثرة التي من المرجح أن تحدث في حالة الركود العميق.

وللتذكير، كانت ألمانيا سابقا هي المسؤولة عن منطقة اليورو، وكثيرا ما كانت تتردد في ضخ مبالغ مالية مثل تلك التي قد تحتاجها إيطاليا قريبا.

ونأمل -يقول الكاتب- أن تظهر ألمانيا وبقية شركاء إيطاليا من شمال أوروبا مرونة أكبر لدعم إيطاليا أكثر مما فعلت حتى الآن، وإذا لم يحصل هذا فسيكون على الاقتصاد العالمي أن يستعد لخروج إيطاليا المدمر من منطقة اليورو.