تترقب الأسواق النفطية بشغف نتائج اجتماع “أوبك+” بقيادة السعودية وروسيا ودعم أميركي، في محاولة لإنقاذ الأسواق من الغرق وانتشال الأسعار من القاع، مع تنامي المعروض وضعف كبير في الطلب العالمي بسبب استمرار تفشي وباء كورونا حول العالم.
وقال محللون ومتخصصون، في إفادات متفرقة لـ”اندبندنت عربية”، إن اجتماع كبار منتجي النفط العالمي يمثل الفرصة الأخيرة لإنقاذ أسعار النفط من المستويات المتدنية جداً منذ عقود، وسيكون بمثابة “سفينة نوح” لإنقاذ عدد من الدول النفطية التي قد تعلن إفلاسها خلال أشهر قليلة بسبب الانخفاض الكبير في الأسعار.
ودعت السعودية، الخميس، أعضاء أوبك والدول النفطية خارجها إلى اجتماع عاجل للوصول إلى اتفاق عادل يعيد التوازن المنشود لأسواق الخام.
وأشارت الرياض إلى ما بذلته خلال الفترة الماضية من جهود للوصول إلى اتفاق في مجموعة (أوبك+) لإعادة التوازن في سوق النفط، حيث قامت بحشد التأييد لذلك من 22 دولة، من دول المجموعة، إلا أنه تعذر الوصول إلى اتفاق لعدم الحصول على الإجماع.
ومن المنتظر أن تعقد منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ودول نفطية أخرى من خارج المنظمة الاثنين المقبل، اجتماعاً عبر تقنية الفيديو كونفرانس.
وربما يفضي الاجتماع المرتقب إلى اتفاق غير مسبوق لكبح إنتاج النفط، ولكن هل ينجح في امتصاص تأثير فيروس كورونا الذي قضي على ثلث الطلب العالمي على الخام؟!
من جانبه، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إنه أجرى محادثات في الآونة الأخيرة مع القيادات في كل من روسيا والسعودية، وأنه يعتقد أن البلدين سيبرمان اتفاقاً لإنهاء حرب الأسعار الدائرة بينهما في غضون “أيام قليلة”، ما سيؤدي لخفض الإنتاج وعودة الأسعار إلى الصعود.
وذكر مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية هذا الأسبوع، أن حجم الاضطراب الحالي يفوق قدرة (أوبك) على إعادة توازن الأسواق بمفردها. وأوضح أن هناك حاجة ملحة إلى تعاون دولي أكبر، متوقعاً أن تعاني الولايات المتحدة والمنتجون الآخرون من ذوي التكلفة المرتفعة.
الكويت تؤيد الاجتماع
من جهتها، أيدت الكويت دعوة الرياض إلى عقد اجتماع طارئ لمنتجي النفط بهدف إعادة الاستقرار إلى أسواق النفط، مرحبة بفكرة انضمام المزيد من الدول من خارج (أوبك) إلى أي اتفاق قادم لخفض الإنتاج، بحسب بيان وزارة النفط الكويتية.
أعضاء جدد
وقالت وكالة الإعلام الروسية، الجمعة نقلاً عن مصادر، إن عدداً من الدول يرغب في الانضمام إلى التحالف القائم بين منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وأعضاء من خارج المنظمة، ومن المحتمل بحث ضم أعضاء جدد وكذلك تنفيذ خفض كبير للإنتاج بواقع 10 ملايين برميل يومياُ في اجتماع يُعقد في 6 أبريل (نيسان) الحالي، كما أنه لم يتم تحديد حصص للخفض بعد.
تفاعل الأسعار
وتفاعلت أسعار برميل النفط إيجابياً مع الإعلان عن اتفاق محتمل، إذ ارتفعت بأكثر من 48 في المئة خلال 3 جلسات في أبريل لعقود برنت. وصعد خام برنت 21.02 في المئة خلال تعاملات الخميس، بينما صعدت الأسعار بحلول الساعة 12:17 مساء الجمعة بتوقيت غرينتش 12.86 في المئة إلى 33.79 دولار للبرميل.
وكذلك ارتفع خام نايمكس الأميركي 6.56 في المئة في جلسة الجمعة إلى 26.98 دولار للبرميل، بعد أن سجل ارتفاعاً بنسبة 24.67 في المئة إلى 25.32 دولار للبرميل في جلسة الخميس.
وكانت الأسعار هوت بفعل التراجع الحاد في الطلب جراء جائحة فيروس كورونا وزيادة الإنتاج عقب انهيار اتفاق بشأن الإمدادات الشهر الماضي. وانخفض خام برنت 66 في المئة، في الأشهر الثلاثة الأولى من 2020، متكبداً أكبر خسارة ربع سنوية له على الإطلاق.
احتواء الأزمة
وفي هذا الشأن، قال عضو الجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة، وضاح الطه، إنه من الممكن إنقاذ الوضع الحالي والخروج باتفاق جديد بين منتجي النفط، مشيراً إلى أن (أوبك) وحلفاءها قادرون على احتواء الأزمة وربما تشترك أطراف أخرى بالاتفاق. وتوقع، التوصل إلى حل وسيتم التوافق على تخفيض معين وستعود الأسعار للارتفاع وتعود إلى حيز الثلاثينات وفي حالة استقرار الصين سيرتفع الطلب وتتحسن الأسعار أكثر فأكثر.
وأشار إلى الهواجس التي يتشارك بها منتجو النفط بشكل عام التي كانت تداعياتها خطيرة للغاية، ومن الممكن أن تقود إلى إفلاس بعض الدول خلال 3 أو 4 أشهر إذا استمرت تداعيات هذه الأزمة.
وأكد أن انهيار أسعار النفط بعد 5 مارس (آذار) الماضي بعد فشل اتفاق “أوبك+” وتبني اتفاق غير منطقي بزيادة الإنتاج لا يتسق مع استراتيجية (أوبك) أو السعودية، لذا نعتقد أن هذا السيناريو لن يدوم، لا سيما بعد التدهور الكبير بسلة أسعار (أوبك) والتي هوت بنسبة 49 في المئة خلال الشهر الماضي.
هدف أوبك الأساس
وأفاد الطه، أنه في ظل العوامل غير المنطقية التي تتعارض مع هدف (أوبك) الأساس وهو السعي لخلق توازن في السوق، ظهر سلوك معاكس حالياً، وهو أنه في ظل انخفاض الطلب في العالم هناك زيادة في الإنتاج.
وتابع “الزيادة الفعلية للسعودية كانت بنحو 100 ألف برميل يومياً فقط على الرغم من أن هناك ارتفاعاً طفيفاً في مجموعة إنتاج (أوبك) بشكل عام خلال الشهر الماضي، إلا أن هناك عوامل أخرى أسهمت إلى حد ما في عدم خلق مزيد من الانهيار مثل وقف الصادرات النفطية من إيران وفنزويلا بفعل العقوبات الأميركية، بجانب تعطل إنتاج ليبيا بسبب الوضع الأمني المتردي هناك”.
وأشار إلى أن “هذا الوضع غير الطبيعي لن يدوم بغض النظر عن حالة اللوم المتبادل بين الأطراف المنتجة خصوصاً بين السعودية وروسيا، إذ يحاول كل طرف إلقاء الكرة في ملعب الآخر”.
وأوضح أن الضرر الذي وقع على شركات النفط الصخري الأميركية ووصول أسعار النفط إلى العشرينات يهدد بإفلاس الشركات وتكرارها مسلسل الإفلاس الذي بدأ نهاية 2014.
وأوضح أن نحو 208 شركات في الولايات المتحدة وكندا تقدمت للإفلاس منها 18 شركة بكندا و190 في أميركا شملت 94 شركة موجودة في ولاية تكساس، وسرعة التدخل من الرئيس ترمب جاءت بعد أن تعالت أصوات الرؤساء التنفيذيين لشركات النفط الصخري للتدخل لضبط الأسعار.
ورجح “أن تدخل ترمب ليس بهدف حماية السعر بقدر حماية القوة التصويتية لولاية تكساس المحسوبة على الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه، إذ إن استمرار التداعيات يؤثر على الزخم الانتخابي الجمهوري في هذه الولاية الكبيرة، ومن ثم لن يجرؤ ترمب على تجاهل هذا الموضوع، لذا تواصل مع الرئيس الروسي وولي العهد السعودي لبحث اتفاق نفطي جديد”.
المحرك الرئيس للاجتماع
وعلى الصعيد ذاته، قال أحمد الشهري، المستشار الاقتصادي والمتخصص في إدارة استراتيجيات الأعمال، إن الولايات المتحدة كانت المحرك الأساس في الحث على إعادة التوازن للأسواق لا سيما أمام “الأنانية” الروسية في الشهر الماضي عندما أعلنت تحررها من التزامها بخفض الإنتاج إلى مستويات سعرية مقبولة لدى المنتجين، ولكن موقف السعودية من حماية حصصها السوقية وعدم تعاون الروس في الخفض بسبب مخاوفهم من تداعيات فيروس كورونا، غير أن الروس لا يرون أن خيارهم كان ملائماً على الأقل في الحصول على أسعار مقبولة.
وأوضح الشهري إن اجتماع المنتجين يأتي على خليفة تداعي أسعار النفط إلى مستويات لم يشهدها التاريخ الاقتصادي القريب خلال ثلاثة عقود، ما أثر في المنتجين في الولايات المتحدة وجميع المنتجين من دون استثناء، وكان أمراً مقلقاً من إفلاس عدد من الشركات الأميركية وتسجيل خسائر لشركات النفط الروسية، في مقابل تماسك صلابة شركة أرامكو السعودية والتي تتمتع بانخفاض كلفة الإنتاج وتحررها من الديون الكبيرة.
وتابع “تفشي فيروس كورونا ضاعف من عمق الأزمة الاقتصادية على معظم الدول الرئيسة، لذا نتوقع أن يشهد الاجتماع توافقاً بين المنتجين وفق إطار جديد إلى حد ما ولا نستبعد دخول النفط الأميركي ضمن المعادلة من خلال تحمل سعر التوازن الدولي وفق محاصة دولية تضمن للجميع أسعاراً مقبولة وفق هوامش ربح متسقة مع معدل نمو العالم الاقتصادي الهش أصلاً”.
وتوقع ألا يكون الاجتماع المرتقب سهلاً، لا سيما إذا حصل أي تحفظ من المنتجين من خارج (أوبك) أو قيود شرطية على المنتجين الكبار من النفط التقليدي، أما المنتجون من أميركا وكندا فمن الأفضل لهم المشاركة بفعالية في الخفض من أجل إعادة الأسعار إلى مستويات مقبولة، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي الحالي لا يزال ينذر بمزيد من الركود الاقتصادي الذي قد يؤخر عمليات التعافي الاقتصادي في الدول الصناعية.
رسم مستقبل المرحلة المقبلة
ومن جهته، قال جون لوكا، مدير التطوير بشركة “ثانك ماركتس”، إن “الاجتماع فرصة لذوبان جليد التوتر بين السعودية وروسيا ورسم مستقبل المرحلة المقبلة والوصول إلى التوازن المطلوب في الأسواق”. وأضاف أن “تداعيات كورونا غير المسبوقة تتفاقم يوماً تلو آخر، وحالياً تراجع الطلب العالمي على النفط بنسبة 30 في المئة والأمر مرشح للانخفاض مع اتساع دائرة المرض”.
وذكر أن “الاضطرابات الحالية في السوق تفوق قدرة (أوبك) وحدها لإعادة توازن الأسواق، ومطلوب تعاون دولي بين كبار المنتجين للتوصل إلى اتفاق مرحلي لحين التوصل لعقار للفيروس”.
الحلول المبدئية
في السياق ذاته، قال أحمد معطي، المدير التنفيذي لشركة “في آي ماركتس” في مصر، إن الحلول المبدئية الآن هي تخفيض الإنتاج من الدول المنتجة في حدود من 8 إلى 15 مليون برميل يومياً، متوقعاً أن يرفع ذلك سعر البرميل إلى مستوى 35 إلى 45 دولاراً، فيما يكمن الحل الحقيقي للأزمة الحالية في إيجاد لقاح لعلاج كورونا، وبعدها استئناف الدورة الاقتصادية مجدداً وارتفاع الطلب على النفط.
وتوقع أن يتم الاتفاق على تخفيض الإنتاج في الاجتماع المقبل لمنظمة (أوبك) وحلفائها، وذلك لأن سعر البرميل الحالي للنفط والذي يتراوح بين 23 إلى 30 دولاراً، هو سعر منخفض للغاية وأقل من تكلفة إنتاج برميل البترول في أغلب الدول مثل روسيا والنفط الصخري في الولايات المتحدة على وجه الخصوص في ظل طلب ضعيف في العالم بسبب جائحة فيروس كورونا والتي تتزايد كل دقيقة.
وأوضح أن عدد الإصابات بفيروس كورونا ارتفع فوق المليون حالة، ما أدى إلى شلل في سلاسل الامدادات العالمية وفي أغلب القطاعات المستهلكة للنفط مثل الطيران والمصانع والسيارات والنقل البحري، وهو العامل الرئيس لتهاوي الأسعار.
وأضاف “من المفترض مشاركة أميركا في خفض الإنتاج، لأن ارتفاع صادرات النفط الصخري لديها في الفترة الأخيرة هو الذي أدى بالفعل إلى تفاقم الأزمة بين الدول المصدرة، وجاء الرفض الروسي مبني على أن أوبك+ وحلفاءها يتنازلون عن حصصهم السوقية لصالح منتجين آخرين خارج اتفاق أوبك+”.
وقال إن هناك تقارير تتحدث عن أن ترمب لن ينفذ طلب شركات النفط الصخري بخفض الإنتاج، لأنها بالفعل قامت بالخفض خلال الأسابيع السابقة بسبب تدني السعر، ومن المحتمل أن يطلب منها استكمال هذا الإنتاج المنخفض من دون زيادة مرة أخرى.
تأثير غياب لقاح كورونا
وحول السيناريوهات المتوقعة لأسعار النفط خلال الفترة المقبلة في ضوء تداعيات كورونا، يرى أنه حال الاتفاق قد ترتفع الأسعار فوق 40 إلى 50 دولاراً للبرميل كحدٍ أقصى. وإذا استمر الوضع كما هو عليه من دون الإعلان عن وجود لقاح للفيروس فسيعتبر خفض الإنتاج مجرد مسكن لآلام أسواق النفط وليس علاجاً فعلياً للأسعار المتأثرة بشدة جراء انخفاض الطلب.
وأوضح أنه في حالة وجود اللقاح ستعود الحياة إلى طبيعتها تدريجياً واستئناف الطيران والمصانع وسلاسل الإمداد والنقل العمل مرة أخرى يمكن أن يصل بسعر برميل النفط فوق 60 دولاراً.
اندبندت عربي