بقلم : أ.د.غادة عامر
زميل كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا
وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحث – جامعة بنها
هل سمعت يوما عن مصطلح العَلم الزائف “False Flag”؟ حسب العديد من الكتب يُعرف مصلح العَلم الزائف (ويطلق عليه أحيانا العَلم الأسود) بالعمليات العسكرية أو شبه العسكرية السرية المصممة للخداع بطريقة تظهر العمليات كما لو كانت تنفذ من قبل كيانات أو مجموعات أو دول غير أولئك الذين خططوا لها ونفذوها بالفعل. وقد يشير المصطلح في أحدث استخدام له إلى تلك الأحداث التي تدركها الحكومات أو الجهات القادرة على إيقافها، ولكنها تختار السماح بحدوثها (أو التنحي)، كاستراتيجية لإشراك الأمة أو إعدادها لأمر ما. علاوة على ذلك، يمكن استخدام مصطلح “إرهاب العَلم الزائف” في تلك الحالات التي يتم فيها ممارسة العنف من قبل الجماعات أو المنظمات التي يتم دعمها أو السيطرة عليها من قبل جماعات المصالح. وهناك العديد من التقنيات لتنفيذ فكرة “العَلم الزائف”، مثلا من هذه التقنيات، التقنية المعتمدة على جدلية هيجل (Hegel’s Dialectics) التي يستخدمها الطغاة والمهندسون الاجتماعيون وأصحاب رأس المال العالمي الذين يمتلكون البنك المركزي الفدرالي الأمريكي والذين يمهدون منذ فترة للسيطرة المركزية على العالم (النظام العالمي الجديد).
لكن ما هي جدلية هيجل؟ إنها تقنية قام بصياغتها الفيلسوف الألماني، “جورج فريدريش هيغل”، للتحكم في العقل وفي توجيه أفكار وأفعال مجموعه كبيرة او صغيرة من البشر، لتنفيذ جدول أعمال معين يخدم مصالح من يستخدم هذه التقنية، وذلك عن طريق ثلاث عمليات رئيسية، أولا: خلق مشكلة (تخلق الجهة صاحب المصلحة المشكلة أو تستغلها، ثم تُنسبها الي الآخرين)، ثانيا: خلق رد الفعل، عن طريق إعلام يوجه الرأي العام نحو الحل المطلوب (يتفاعل الناس من خلال مطالبة تلك الجهة بالحماية والمساعدة في حل المشكلة، وهذا الحل ينطوي دائمًا على إجراءات أو تشريعات لم يكن من الممكن تمريرها في ظل الظروف العادية). ثالثا: تقديم الحل، تقوم الجهة صاحبة المصلحة بدور البطولة وتستجيب لطلبات المجتمع المستهدف والذي هو في الحقيقة هدف تسعي الي تحقيقه وخططت له قبل حدوث الأزمة بوقت طويل. النتيجة: يتم تبادل الحقوق والثروات والحريات من أجل وهم الحماية والمساعدة. وقد قال توماس جيفرسون ” في وقت الأزمات، يتخلى الشخص العادي بسعادة عن حقوقه وثرواته وحتى حريته مقابل الشعور بالأمان”. وأيضا قال هيرمان غورينغ مؤسس الجهاز السري (الجستابو) في عهد هتلر: “من الطبيعي أن عامة الناس لا يريدون الحرب، لذلك كل ما عليك فعله هو إخبارهم أنهم يتعرضون للهجوم والتنديد بمعارضين الفكرة واتهامهم بعدم والوطنية وتعريض البلاد للخطر.” وأضاف أن “الإرهاب هو أفضل سلاح سياسي لأنه لا شيء يدفع الناس للرضوخ أكثر من الخوف من الموت المفاجئ”. وقد تم تطبيق هذه التقنية عبر التاريخ فمثلا عندما أحرق هتلر مبنى الرايخستاغ الخاص به عام 1933 لإلقاء اللوم على الشيوعيين، وعندما أحرق نيرو روما لإلقاء اللوم على المسيحيين.
لكن كيف استخدمت الجماعات أصحاب النفوذ المالي العالمي جدلية هيجل لفرض النظام العالمي الجديد؟ علي مر التاريخ قامت تلك الجماعات بخلق مشكلة -سرا- يمكن أن تكون في هيئة حرب أو انهيار مالي أو مرض معد أو هجوم إرهابي أو تفجيرات، بل ممكن أن تخلق وسائل الإعلام التابعة لهم تصورًا بوجود مشكلة كبيرة (خلق مشكلة وهمية)، وخاصة انهم يمتلكون معظم الصحف الكبرى مثل صحيفة وول ستريت جورنال، نيويورك تايمز، واشنطن بوست، وشبكات التلفزيون مثل ABC، و CBS، و NBC، و سي إن إن، وفوكس نيوز وغيرها، وبمجرد إنشاء هذه المشكلة توجه وسائل الإعلام للتركيز عليها باستمرار، وبالطبع يتم إلقاء اللوم على فرد أو مجموعة أو جانب من المجتمع (حتي تكتمل الحلقة). وهذا يحشد السكان وراء الاندفاع اليائس من أجل حل المشكلة، فيقبلون عن طيب خاطر الحل المخطط له مسبقًا. وبالطبع دائمًا ما يكون حل المشكلة هو المزيد من تقليص الحرية والنهوض بواحد أو أكثر من جوانب جدول أعمال النظام العالمي الجديد، سواء كان ذلك توسعًا جيوسياسيًا أو قوانين جديدة أو طمس هويات وعقائد أو غرس رؤى عالمية مجتمعية جديدة.
لقد كان نتيجة استخدام تقنية هيجل تأديب الدول الخارجة عن السيطرة وإعادتها للنظام العالمي، وتغير الأنظمة الحاكمة بأنظمة مواليه، واقامة القواعد العسكرية لفرض الهيمنة الكاملة، وفرض المزيد من الاتفاقات الدولية التي توسع دوائر نفوذهم، والسيطرة علي موارد الدول التي يسيطرون عليها، واستدانة الحكومات منهم لتمويل الحروب، وزيادة أرباح السلاح والوقود والدواء، وإعادة الاعمار بشركاتهم، والسيطرة علي مواطنيهم عبر سن القوانيين التي تتيح لهم التجسس والاعتقال بدون محاكمة – فعلي عكس ما هو مشهور فتلك الحكومات الموالية لأصحاب النفوذ المالي العالمي، لا تكترث لحياة مواطنيها فقد ضحت بالملايين منهم في حروب تخدم النخبة المتحكمة وحدها- ومن أمثلة هذه القوانين، قانون الوطنية الأمريكي “باتريوت أكت” والذي صدر بعد أحداث 11 سبتمبر والذي يسمح بالتجسس على الاتصالات ومراقبة الحسابات والسفريات والسجلات، بل ويجيز تفتيش البيوت وأماكن العمل بدون علمك وبدون إذن قضائي، وكذلك القبض عليك وايداعك السجن بدون إذن من المحكمة وبدون توجيه تهمة وبدون محامي من طرفك وبدون حد اقصي للاعتقال.
وفي بريطانيا قانون “بريفينت” والذي يزيد عن القانون الأمريكي بانه يمكن محاكمة الأشخاص وادانتهم بأدلة سرية لا يمكن الاطلاع عليها من أي جهة حتي من الشخص المتهم، وهذا كله للتمهيد علي إقامة الحكومة المركزية العالمية الموحدة. لقد استُخدمت تقنية هيجل من قبل الحكومات الامريكية الموالية للنظام العالمي في أمور عديدة، مثلا في هجمات 11 سبتمبر لتبرير شن الحرب لتحقيق المصالح التالية، ففي أفغانستان كان لتمرير أنابيب النفط لبحر قزوين، وفي العراق لأخذ النفط ولإنشاء قاعدة في الشرق الأوسط، ومع الشعب الأمريكي لإقناعه بالتخلي عن حقوقه من أجل سلامته المفترضة!
وفي نهاية أوكد أنني لا اقصد بهذا المقال ربط مع أي أحداث، وأي تشابه مع الواقع فهو من قبيل الصدفة لا أكثر!!!!