كورونا يختبر أخلاقيات العالم وسلوكياته

كورونا يختبر أخلاقيات العالم وسلوكياته

برلين- يجبر فايروس كورونا المستجد الجميع على مواجهة أسئلة عميقة عن الوجود البشري، وهي أسئلة يصل عمقها لدرجة أنه قد تمت الإجابة عليها من قبل عبر طرق كثيرة ومتنوعة، على أيدي أهم فلاسفة شهدها الزمان. إنه اختبار لمواقف البشر جميعا.

ويمثل انتشار الوباء اختبارا للطاقات الطبية، والإرادة السياسية، إنه اختبار للتحمل والصبر والعقيدة الإيمانية، ولقوة الأفكار التي يختارها البشر لتساعدهم في تكوين أحكام أخلاقية، وتوجيه السلوك الشخصي والاجتماعي.

فما هي جوانب الصواب والخطأ في التعامل مع الأزمة الحالية؟ ما الذي يمكن أن يتوقعه الأفراد من المجتمع، وما الذي يمكن للمجتمع أن يتوقعه منهم؟ هل يجب على الآخرين أن يضحوا من أجلي، وهل يجب علي أن أضح من أجلهم؟ هل الأمر مجرد وضع حدود اقتصادية لمكافحة مرض قاتل؟

يعتقد حاكم ولاية تكساس الأميركية أن هؤلاء الذين تزيد أعمارهم على 70 عاما، “لا يجب عليهم التضحية بالبلاد”، بإغلاق الأنشطة الاقتصادية، ولكن يجب عليهم أن يكونوا على استعداد للتضحية بأنفسهم.

من ناحية أخرى، تسبب شاب يبلغ من العمر 22 عاما، في ولاية فلوريدا الأميركية، وهو من المهتمين بإقامة الحفلات والاستمتاع خلال عطلة الربيع، في ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب انتقاده لفكرة التباعد الاجتماعي بصورة مختلفة، حيث قال “إذا أصابتني كورونا، فقد أصابتني، وانتهى الأمر”.

وفي المثالين، يتشبث كل من الرجلين بتقاليد أخلاقية مختلفة، سواء كانا على وعي بذلك أم لا. وحظي العديد من فلسفات العدالة الاجتماعية، باحترام كبير في العالم الحديث. وهي لا تطابق على نحو دقيق إشارات الأفكار السياسية لأحزاب معينة، ويتعاطف معظم الاشخاص مع أكثر من واحدة من هذه الفلسفات.

من ناحية أخرى، كتب راسل مور، رئيس لجنة الأخلاق والحريات الدينية في “مجمع ساذرن بابتيست”، في صحيفة نيويورك تايمز “آمل ألا تكون الدروس التي سوف نستفيد بها من خلال تجربة بلادنا مع فايروس كورونا المستجد، متعلقة بالطعام، أو تجنب انتشار الجراثيم، ولكن عن كيفية تعاملنا مع الفئة الأكثر ضعفا بيننا. إن الوباء ليس الوقت الذي نغمض فيه أعيننا عن قدسية الحياة البشرية “.

وأثار بابا الفاتيكان فرنسيس الأول، تعاطفه مع أكثر الأشخاص تضررا من أزمة كورونا، عندما قاد من ساحة القديس بطرس، وهي خاوية، قداسا خاصا للصلاة من أجل انتهاء أزمة كورونا. وقال البابا “أدركنا أننا كلنا في نفس القارب- كلنا ضعفاء وتتملكنا الحيرة، ولكننا في نفس الوقت نتسم بالأهمية وهناك حاجة إلينا- الكل مدعو إلى التجديف معا، ويحتاج كل منا إلى طمأنة الآخر”.

وتحتشد المجتمعات، وتتخذ الحكومات صلاحيات إضافية لفرض إجراءات إغلاق على المدن، في محاولة منها للحد من حالات الوفاة وتقليل معاناة الفئات الأضعف.

وتنتج الفلسفات الأخرى طرقا مختلفة جدًا للتعامل مع الوباء. ففي ظل “النفعية” (وهي نظرية أخلاقية تنص على أن أفضل سلوك أو تصرف هو ذلك الذي يحقق الزيادة القصوى من المنفعة) التي ترتبط أغلب نظرياتها بالفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل، الذي عاش في القرن التاسع عشر، من الضروري أن يتم توجيه الحكام إلى السعادة الكاملة، أو “النفعية” بالنسبة لجميع الناس، وأن يستهدفوا ضمان “أكبر قدر من الخير لأكبر عدد من الناس.”

وتضع الحكومات وشركات التأمين بالفعل سعرا نظريا لحياة الانسان، عند وضع سياسة بعينها. فهل يجب أن يحصل كل مريض على أقصى درجات الرعاية إذا كان لخطة العمل هذه أن تتسبب في قدر أكبر من المعاناة على المدى الطويل؟ أو، كما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب “ليس من الممكن أن يكون العلاج أسوأ من المشكلة”.

إلى متى سنستمر على هذه الطريقة؟ جميع نظريات العدالة الأخرى لها جاذبيتها، وقد تعمل على اختبار العزيمة على اتباع القاعدة الذهبية. وفي الوقت الذي يزداد فيه تفشي الوباء، قد نجد أن فكرة حب الجار لجاره، تصبح أكثر قوة.

العرب