أدت الاضطرابات في سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار في الآونة الأخيرة إلى تأثيرات سلبية، أثرت بشكل مباشر على قطاع الأعمال والسلع بالأسواق، ما أفضى إلى فقدان ثقة المتعاملين والمستثمرين بالسلطة النقدية.
تهاوي الدينار جاء بعدما أوقف البنك المركزي العراقي نشاطه المتعلق بضخ سيولة بالنقد الأجنبي لتلبية احتياجات البنوك وعملائها، إذ كان يضخ ما معدله 140 مليون دولار أو أكثر يومياً للحفاظ على قيمة العملة ودعم استقرارها، وأدى وقف ضخ السيولة إلى حدوث قفزة في سعر صرف الدولار الواحد من 1200 إلى 1280 ديناراً عراقياً، وسط تحذيرات من استمرار هذا الارتفاع بفعل حظر التجول الذي فرضته السلطات ضمن إجراءات مواجهة تفشي وباء كورونا.
وفي خضم الأزمة المالية التي يعيشها العالم بشكل عام والعراق خاصة في ظل انهيار أسعار النفط والعجز الكبير في موازنة عام 2020، تواجه الحكومة تحديات اقتصادية كبيرة، أبرزها صعوبة تمكّن البنك المركزي من المحافظة على قيمة الدينار أمام الدولار بسبب سيطرة الفاسدين على مزاد بيع العملة، حسب ما يراه مسؤولون ومختصون في الاقتصاد.
وفي حديث مع “العربي الجديد”، قال مسؤول في حكومة تصريف الأعمال إن “البنك المركزي لا يمكنه المحافظة على قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار بالاستمرار في ضخ العملة الصعبة إلى السوق، بسبب قلة الإيرادات العامة نتيجة لضعف الطلب على النفط مع تراجع سعره”، مشيرا إلى أن “البنك المركزي سيكون مضطراً إلى تقنين بيع العملة لفترة معينة حتى ارتفاع أسعار النفط من جديد”.
والعراق، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، بمتوسط إنتاج يومي 4.5 ملايين برميل يوميا.
وأضاف المسؤول، الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته، أن “الاستمرار في عقد مزادات لبيع العملة وضخ عشرات ملايين الدولارات يوميا للحفاظ على قيمة الدينار يؤدي إلى مخاطر كبيرة على اقتصاد البلد، ومن الأفضل أن يلغي البنك المركزي مزاد العملة وتثبيت عملته المحلية، كون أغلب المستفيدين من هذه المزادات ليسوا من رجال الأعمال والتجار، بل مصارف وبنوك وشركات قطاع خاص مهيمنة على السوق تحول قسم كبير منها إلى خارج العراق”.
وأشار إلى أن البنك المركزي نجح في السنوات الأخيرة في تحقيق استقرار سعر صرف الدينار وتحسينه بالقياس إلى الدولار والعملات الأخرى من خلال تثبيت سعر العملة المحلية والدفاع عنها، لكن الانهيار الحالي بأسعار النفط، وبالتالي تهاوي عائدات البلاد المالية يختلف تماماً عن أزمات السنوات الماضية.
وبحسب المسؤول، فإن “هناك مناقشات يومية للتوصل إلى خريطة طريق تمكن البلاد من الحفاظ على سر صرف مقبول للدينار أمام الدولار”.
ويبيع البنك المركزي ما بين 140 و160 مليون دولار لشركات وبنوك عامة وأهلية، ضمن خطة اعتمدها منذ عام 2004 لضبط سعر صرف الدينار ومنع انهياره في السوق. ولا يسمح البنك المركزي سوى لشركات وبنوك محدودة بالدخول إلى المزاد وشراء الدولار، تبلغ أقل من 50 مصرفاً وشركة مالية تعتبر مرخصة من قبل البنك المركزي، وجميعها أهلية أو خاصة.
ومن جهته، قال أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “إلغاء مزاد العملة أمر في غاية الصعوبة، كون الهدف من نافذة العملة هو تمويل عمليات الاستيراد في القطاع الخاص”.
وحسب المشهداني فإن 90% من احتياجات البلاد الاستهلاكية يتم تأمينها عن طريق الاستيراد من قبل القطاع الخاص، ما يعني أن إلغاء مزاد العملة سيؤدي إلى اضطراب كبير في أسعار البضائع المستوردة.
وأكد المشهداني أن “مزاد العملة استنزاف للنقد الأجنبي لارتباطه بشخصيات سياسية بارزة”، لافتا إلى أن 15% من مبيعات البنك المركزي عبر المزاد تذهب كغسيل أموال بطرق وأساليب مختلفة ويتم تحويلها إلى خارج العراق.
وأشار إلى أن الوسيلة الأفضل التي من الممكن أن يتبعها البنك المركزي هي تقنين بيع العملة الصعبة قدر المستطاع للحفاظ على قيمة الدينار واحتياطي النقد الأجنبي.
ومن جانبها، أرجعت آيات مظفر، عضو البرلمان العراقي عن تحالف “النصر”، بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، أسباب الانهيار الاقتصادي وتراجع قيمة الدينار أمام الدولار إلى السياسات المالية الخاطئة التي انتهجتها حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة.
وقالت مظفر، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “الإدارة السيئة والسياسة المالية المتخبطة لرئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، وإنفاقها العشوائي لميزانية الدولة، تُعد من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انهيار العراق اقتصادياً، وإلى حدوث عجز مالي غير مسبوق يتوقع أن يبلغ، بحال استمر تراجع أسعار النفط، نحو 80 ترليون دينار “.
وأوضحت عضو البرلمان العراقي أن البنك المركزي أنفق جزءا كبيرا من الاحتياطي النقدي لغرض تثبيت سعر الدينار مقابل الدولار، ما أدى إلى استنزاف الاحتياطي النقدي، ومن ثم سيفقد البنك المركزي مع الزمن قدرته في الحفاظ على القيمة التعادلية للدينار.
وأضافت أن “التخبط في أداء الحكومة بدا واضحاً عندما تحدث رئيس خلية الأزمة عن احتمال لجوء العراق إلى طبع العملة”، مشيرة إلى أن طبع العملة يقوم على ثلاثة أسباب، إما أن تكون هناك عملة مهترئة ليطبع بديلا عنها، وإما بسبب إنعاش اقتصادي بأن يتم طبع مبلغ يسير حتى تكون هناك مبالغ فائضة تؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات ليقوم المنتجون بزيادة الإنتاج.
أما السبب الآخر، وبحسب مظفر، فيجب أن تكون العملة المطبوعة مساوية للناتج القومي، فيما شددت على ضرورة المحافظة على الاحتياطي النقدي للبنك المركزي من خلال اعتماده على سياسة مرنة تأخذ بنظر الاعتبار الظروف السياسية والاقتصادية المستجدة للبلد.
ونهاية مارس الماضي، قال مقرر اللجنة المالية النيابية، أحمد الصفار، إن “احتياط البنك المركزي وصل إلى 87 مليار دولار، ولا يضم النقد والعملة الأجنبية فقط إنما يضم سبائك الذهب”.
عمار حميد
العربي الجديد