الباحثة شذا خليل*
يلعب البنك المركزي العراقي دوراً مهماً في تشكيل المشهد الاقتصادي للبلاد من خلال إدارة السياسة النقدية، والإشراف على النظام المالي، والتحكم في التضخم، وضمان استقرار العملة الوطنية. إنه يعمل بمسؤولية تتجاوز الحوكمة الاقتصادية فقط، بل يسعى بنشاط لدمج القطاع المالي العراقي في الأنظمة المالية العالمية، وتعزيز النمو المستدام، ومحاربة الأنشطة غير القانونية مثل التهريب.
تتمثل المهام الأساسية للبنوك المركزية، بما في ذلك البنك المركزي العراقي، في عدة وظائف حيوية في بنية الاقتصاد الوطني:
التحكم في السياسة النقدية: إحدى الوظائف الأساسية للبنك المركزي هي تنظيم عرض النقود وأسعار الفائدة. من خلال أدوات مثل العمليات السوقية المفتوحة، ومتطلبات الاحتياطي، وأسعار الخصم، يضمن البنك المركزي استقرار الأسعار، ويحد من التضخم، ويدعم النمو الاقتصادي.
استقرار النظام ا7لمالي: يشرف البنك المركزي على صحة النظام المالي ويمنع المخاطر النظامية التي قد تهدد استقرار الاقتصاد. يفرض التنظيمات لمنع الأزمات المالية ويدعم القطاع المصرفي من خلال ضمان توفير السيولة الكافية.
إدارة العملة: البنك المركزي مسؤول عن إصدار وإدارة العملة الوطنية. كما يحافظ على استقرار سعر الصرف لتجنب التقلبات المفرطة التي قد تضر بالتجارة والاستثمار.
مقرض الملاذ الأخير: في حالات الطوارئ الاقتصادية أو نقص السيولة، يتدخل البنك المركزي لتوفير التمويل الطارئ للبنوك التجارية لمنع انهيار البنوك وضمان استمرارية عمل النظام المالي.
التعاون الدولي: مع تزايد الترابط في الاقتصاد العالمي، يتجاوز دور البنوك المركزية الحدود الوطنية. يعد الالتزام بالمعايير الدولية مثل تلك التي يحددها لجنة بازل للإشراف على البنوك أو مجموعة العمل المالي (FATF) أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على المصداقية وتعزيز الثقة في النظام المالي للبلاد.
شراكة البنك المركزي العراقي مع وزارة الخزانة الأمريكية ومصرف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
تكتسب الاجتماعات الفصلية الأولى التي عقدها البنك المركزي العراقي مع وزارة الخزانة الأمريكية ومصرف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أهمية كبيرة، إذ تعتبر خطوة هامة نحو إصلاح القطاع المصرفي في العراق، فضلاً عن تعزيز الجهود المبذولة من قبل البنك المركزي العراقي لدمج القطاع المالي في النظام المالي العالمي. وقد تم خلال هذه الاجتماعات مناقشة الخطوات التي اتخذها البنك المركزي العراقي والحكومة العراقية لمعالجة التحديات التي تواجه قطاعها المصرفي.
يعد التعاون مع المؤسسات المالية الدولية مثل وزارة الخزانة الأمريكية ومصرف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ذا قيمة كبيرة بالنسبة لإصلاحات العراق المصرفية. من خلال الانخراط في هذه الحوارات، يتبنى العراق أفضل الممارسات من بعض أقوى المؤسسات المالية في العالم، ويعمل على مواءمة أنظمته مع المعايير العالمية. كما أن هذه الشراكة تلعب دورًا حاسمًا في دعم جهود العراق لإصلاح قطاعه المصرفي، وتسهيل الاستثمارات الأجنبية، وضمان سير العمليات المالية بسلاسة.
تأثير ذلك على الاقتصاد العراقي
من المتوقع أن يكون للإصلاحات التي جلبها هذا التعاون آثار إيجابية واسعة على الاقتصاد العراقي:
زيادة الثقة في الاستثمار: من خلال مواءمة أنظمة العراق المصرفية مع المعايير الدولية، سيحظى المستثمرون الأجانب بثقة أكبر في استقرار النظام المالي في البلاد. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تدفق رأس المال، وهو أمر أساسي لتنويع وتنمية الاقتصاد العراقي.
تعزيز الشفافية الاقتصادية: أحد الأهداف الرئيسية لهذه الإصلاحات هو تقليل الفساد وتعزيز الشفافية وضمان أن الأنشطة المالية تتم في بيئة أكثر تنظيماً. لا يعزز هذا الثقة بين المستثمرين فحسب، بل يحسن أيضًا الحوكمة الاقتصادية العامة في العراق.
دعم النمو المستدام: من خلال تنفيذ نظام مالي مستقر ومراقب، تساعد الإصلاحات على تعزيز الاقتصاد المستدام والمتنوع الذي يكون أقل عرضة للصدمة المالية العالمية.
زيادة توافر الائتمان: يمكن أن يساعد إعادة هيكلة النظام المصرفي وتنفيذ أفضل الممارسات في زيادة توافر الائتمان للقطاعين العام والخاص. هذا يمكن أن يعزز النمو الاقتصادي المحلي، ويخلق فرص العمل، ويشجع على تطوير البنية التحتية.
مكافحة عمليات التهريب وتعزيز مراقبة العملة
يعد التعاون بين البنك المركزي العراقي والمؤسسات المالية الدولية أيضًا عاملاً مهماً في معالجة إحدى القضايا الأكثر إلحاحًا في العراق: تهريب الدولارات الأمريكية. لطالما كانت عمليات التهريب والمعاملات غير المنظمة للعملات الأجنبية مشكلة في العراق، مما يؤدي إلى فقدان الإيرادات وزعزعة استقرار العملة المحلية.
وقد أشاد الحاضرون في الاجتماعات الفصلية بالتطور الكبير في نظام توزيع النقود بالدولار الأمريكي في العراق، الذي تم التعرف عليه الآن باعتباره واحدًا من أكثر الأنظمة المراقبة والمتحكم فيها في العالم. ويعد هذا التحول خطوة مباشرة نحو مكافحة التهريب من خلال جعل العمليات المالية غير المشروعة أكثر صعوبة. مع هذه الرقابة المشددة، تمكن البنك المركزي من الحد من نطاق التلاعب، مما سيعود بفوائد واسعة على الاقتصاد العراقي.
يضمن النظام المالي المُراقب توزيع العملات الأجنبية بطريقة واضحة، مما يقلل من فرص الأنشطة غير القانونية، بما في ذلك غسيل الأموال أو التحويلات المالية غير المشروعة إلى كيانات غير شرعية. كما يسهل استقرار الدينار العراقي من خلال الحد من الضغوط المالية الخارجية الناتجة عن العمليات غير المصرح بها بالدولار.
دور دبي والشركات الاستشارية والتدقيق الدولية
في سياق إصلاح القطاع المصرفي العراقي، لعبت دبي دورًا رئيسيًا كمركز للشركات الاستشارية والتدقيق الدولية. توفر هذه الشركات خبرات قيمة في تحسين الأنظمة المالية للعراق وضمان توافقها مع أفضل الممارسات العالمية. إن دورها في مراقبة تقدم العراق وتقديم المشورة الاستراتيجية أمر حاسم لضمان تنفيذ الإصلاحات بشكل فعال.
تعتبر دبي، باعتبارها مركزًا ماليًا عالميًا، منصة حيوية للتعاون الدولي. وقد سمح وجود شركات التدقيق والاستشارات العالمية هناك للعراق بالاستفادة من خبرات عالمية غنية، مما ساعد البلاد على تحديث أنظمتها المصرفية والاستعداد للاندماج في الشبكة المالية العالمية. كان هذا التعاون بالغ الأهمية في ضمان أن الإصلاحات تتم بشكل فعال ومتوافق مع المعايير الدولية.
الخاتمة: مستقبل مشرق للقطاع المصرفي العراقي
تعكس الملاحظات الإيجابية من المؤسسات المالية الدولية والتعاون بين البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الأمريكية ومصرف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي التقدم الكبير الذي أحرزته البلاد في تنفيذ إصلاحات شاملة في القطاع المصرفي. من المتوقع أن تعزز هذه الإصلاحات الاستقرار الاقتصادي للعراق، وتحسن الشفافية، وتزيد من جذب الاستثمارات الأجنبية.
مع استمرار العراق في تعزيز أنظمته المصرفية ومحاربة العمليات المالية غير القانونية، يبدو أنه على أعتاب فترة جديدة من الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي. إن توزيع الدولار الأمريكي المراقب، وإعادة هيكلة العمليات المالية، ومواءمة القطاع المصرفي العراقي مع المعايير الدولية تشير إلى عصر جديد لمستقبل الاقتصاد العراقي. ومع الإصلاحات المستدامة والشراكات الدولية، يسير العراق على طريق تعزيز الاستقرار المالي والازدهار الاقتصادي.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية