الباحثة شذا خليل*
أصدر البنك المركزي العراقي مؤخرًا تعليمات جديدة تتعلق بتحديث بيانات العاملين والمتقاعدين وتنظيم استخدام البطاقات المصرفية خارج العراق. وتهدف هذه الإجراءات إلى تعزيز الشفافية والامتثال للضوابط المصرفية الدولية، بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار النقدي ودعم الاقتصاد الوطني.
أولًا: نبذة عن البنك المركزي العراقي
تأسس البنك المركزي العراقي بموجب القانون رقم (43) لسنة 1947، وبدأ بمزاولة عمله رسميًا عام 1947 خلفًا لفرع البنك الوطني الأردني في بغداد. ومنذ تأسيسه، اضطلع البنك بدور محوري في إدارة السياسة النقدية وتنظيم القطاع المصرفي وضمان استقرار الدينار العراقي.
شهد البنك مراحل متعددة من التطوير، خصوصًا بعد عام 2003، حيث عمل على تحديث بنيته المؤسسية بما يتماشى مع المعايير المصرفية الدولية، مع التركيز على مكافحة غسيل الأموال، دعم النمو الاقتصادي، وإعادة بناء احتياطاته من العملة الصعبة.
ثانيًا: مضمون التعليمات الجديدة
تحديث البيانات الشخصية للمستفيدين
ألزمت التعليمات المؤسسات المالية بتحديث ملفات العاملين والمتقاعدين، بما يتضمن المستمسكات الرسمية مثل هوية الأحوال المدنية وبطاقة السكن، بالإضافة إلى الالتزام الكامل بإجراءات التحقق من الهوية (KYC).
تنظيم استخدام البطاقات المصرفية خارج العراق
حددت التعليمات استخدام البطاقات المصرفية خارج العراق لأغراض السفر والعلاج فقط، مع سقف شهري لا يتجاوز 2000 دولار أمريكي للفرد، وربط عمليات الدفع بالتصنيف التجاري (MCC) لضمان توجيه الإنفاق نحو القطاعات المصرح بها.
ضبط العمليات المصرفية ومراقبتها
شددت التعليمات على ضرورة ربط العمليات المصرفية التي تتم عبر أجهزة الصراف الآلي (ATM) أو نقاط البيع (POS) بالتصنيفات المحددة، ومنع استخدام البطاقات في أي أنشطة مخالفة.
ثالثًا: الأثر الاقتصادي المتوقع
تعزيز استقرار سعر الصرف
من خلال تقييد استخدام الدولار في الخارج وضمان استخدامه في الأغراض الحقيقية فقط، ستساهم الإجراءات في تقليل الطلب على الدولار في السوق الموازي، مما ينعكس إيجابيًا على استقرار الدينار العراقي.
الحد من تهريب الأموال
تضع التعليمات قيودًا صارمة على العمليات غير المشروعة التي كانت تتم عبر استغلال البطاقات المصرفية، الأمر الذي من شأنه تقليص عمليات تهريب الأموال خارج البلاد.
زيادة الثقة بالقطاع المصرفي
سيسهم الالتزام الصارم بإجراءات “اعرف عميلك” (KYC) والضوابط الجديدة في رفع مستوى الشفافية والمصداقية داخل النظام المصرفي العراقي، مما يعزز ثقة المواطنين بالقطاع المالي.
دعم ميزان المدفوعات
عبر تقنين الإنفاق الخارجي، يتوقع أن تشهد الحسابات الخارجية للعراق تحسنًا تدريجيًا، مما يعزز وضع ميزان المدفوعات ويحد من استنزاف الاحتياطيات الأجنبية.
تحفيز الاقتصاد المحلي
مع تراجع عمليات المضاربة وتحجيم الإنفاق الخارجي، قد تتوجه السيولة المالية نحو القطاعات الإنتاجية داخل العراق، مما يدعم فرص النمو الاقتصادي المستدام.
رابعًا: التحديات المتوقعة
على الرغم من الفوائد الكبيرة المتوقعة، قد تواجه هذه السياسات مقاومة من بعض الأطراف التي كانت تستفيد من النظام السابق، إضافةً إلى الحاجة لتوعية الجمهور بأهمية هذه الإجراءات لضمان تطبيقها بسلاسة وفعالية.
خامسًا: البنك المركزي العراقي ورؤية المستقبل
يواصل البنك المركزي العراقي، بناءً على خبراته الطويلة، تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الجوهرية التي تستهدف جعل النظام المصرفي العراقي أكثر شفافية وكفاءة. وتأتي هذه التعليمات كجزء من خطة أوسع لدعم الاستقرار المالي والنقدي، وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية في إطار بيئة مالية أكثر انضباطًا ومعايير مصرفية دولية حديثة.
خاتما تعد التعليمات الأخيرة الصادرة عن البنك المركزي العراقي خطوة استراتيجية باتجاه تنظيم البيئة المصرفية وتعزيز الاستقرار النقدي، مما يؤسس لمرحلة جديدة من الانضباط المالي والإداري تدعم تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في العراق.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية