رسائل ترامب إلى السعودية تفك لغز ما وراء أزمة النفط

رسائل ترامب إلى السعودية تفك لغز ما وراء أزمة النفط

لندن – لا تكفي تفسيرات خبراء النفط لتقديم إجابات مقنعة عن سر إغراق السوق وتهاوي الأسعار، لكن إشارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية توحي بأن وراء الأزمة النفطية الحادة التي يعيشها العالم يدا سياسية، وأن واشنطن لم تنس للرياض أنها تسببت خلال خلافها الأخير مع موسكو، وما أفضى إليه من زيادة كبيرة في الكميات المعروضة من النفط، في أزمة حادة لشركات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة.

يأتي هذا في وقت تتحرك فيه السعودية وروسيا لإحياء اتفاق 12 أبريل الحالي وإلزام دول مثل المكسيك والبرازيل والنرويج بالالتزام بحصص التخفيض التي تم إقرارها.

وقادت اللعبة السياسية الدول المصدرة للنفط إلى وضع صعب، حيث باتت في وضع قد يجبرها على دفع الأموال للمشترين حتى تروج كميات، ولو محدودة، في وقت قد يصبح فيه سعر تخزين النفط أكبر من سعر النفط نفسه.

ولوح الرئيس الأميركي بأن إدارته تبحث إمكانية وقف شحنات النفط القادمة من السعودية كإجراء لدعم قطاع التنقيب المحلي المتضرر، في تصريح بدا موجها بشكل دقيق إلى الرياض التي تعتبر واشنطن أن موقفها المتشدد في أزمة النفط قد قاد إلى الوضع الحالي.

وزادت السعودية إنتاج النفط إلى مستويات قياسية في مارس وأبريل وعرضت تخفيضات كبيرة ردا على رفض روسيا خفض صادراتها لرفع الأسعار. وتسبّبت هذه الخطوة بتراجع كبير في أسواق الطاقة حيث انخفضت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في عدة سنوات، في وقت كانت فيه السعودية تستعرض قوتها المالية لتؤكد أنها قادرة على تحمّل الأسعار المنخفضة لسنوات.

وإثر سؤاله عن مطالبات من بعض النواب الجمهوريين بوقف الشحنات بموجب سلطته التنفيذية قال ترامب للصحافيين في مؤتمر صحافي الاثنين “حسنا.. سأبحث الأمر”.

وأضاف ترامب أنه سمع عن الاقتراح قبل المؤتمر الصحافي مباشرة وقال “بلا شك لدينا كميات كبيرة من النفط.. وبالتالي سأبحث الأمر”.

وبالتوازي مع التلميح إلى “عقوبة” وقف شراء النفط السعودي، كشف ترامب عن أن بلاده تتطلع لإضافة 75 مليون برميل نفط إلى الاحتياطي الاستراتيجي لديها وسط انهيار أسعار النفط، وهو ما يعني أنها مستفيدة من هذا الإغراق وربما تكون قد خططت له لكونها الأكثر قدرة على التخزين قياسا بأي دولة أخرى.

وأشار الرئيس الأميركي إلى أن تلك الإضافة سترفع الاحتياطي الوطني من النفط “إلى أعلى مستوى” لأول مرة منذ فترة طويلة.

ويلقي المشرّعون الأميركيون اللوم على السعودية حيث يهدّد الانهيار بدفع منتجي النفط الأميركيين إلى الإفلاس.

وقال السناتور الأميركي كيفين كرامر إن “الانخفاض الكبير يبرز سبب وجوب عدم السماح للسعودية بإغراق السوق، خصوصا بالنظر إلى ضعف طاقتنا التخزينية”.

وأضاف “في الوقت الحالي، أكبر عدد من ناقلات النفط السعودية منذ سنوات في طريقها إلى شواطئنا. في ضوء المستجدات الأخيرة، أدعو الرئيس ترامب إلى منعها من تفريغ حمولاتها في الولايات المتحدة”.

وذهب عضو مجلس الشيوخ الأميركي الآخر جيمس إنهوف إلى أبعد من ذلك، مطالبا بفرض رسوم جمركية على النفط السعودي.

وتجاهلت السعودية هذه التصريحات، لكنّها أكدت الثلاثاء أنها تراقب عن كثب أوضاع سوق النفط ومستعدة لاتخاذ أي إجراءات إضافية لإيجاد توازن، رغم أنها أعلنت في السابق أنها لم تعد مستعدة للعب دور “المنتج البديل” الذي يتحمل عبء استقرار الأسواق.

وجاء في بيان صادر عن مجلس الوزراء السعودي أن المملكة تراقب أسواق النفط ومستعدة لاتخاذ أي إجراءات إضافية بالمشاركة مع حلفائها في أوبك+ ومنتجين آخرين للخام لتحقيق الاستقرار في سوق النفط.

وقال البيان إن السعودية ملتزمة مع روسيا “على تنفيذ التخفيضات المستهدفة للعامين المقبلين”.

من جهتها، قالت روسيا إن تهاوي العقود ليس إلا “لحظة مضاربة”، وشددت على عدم وجود “أمر كارثي” في سوق النفط العالمية.

ونقل موقع “روسيا اليوم” عن المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن الكرملين “يراقب التطورات في سوق النفط عن كثب ولا يرى أمرا كارثيا في تراجع العقود الآجلة للخام الأميركي”.

ويقول محللون إن انهيار الأسعار ستكون له عواقب واسعة النطاق، من تراجع الإيرادات في الاقتصاديات المعتمدة على الطاقة، إلى التسبب بانكماش عالمي وإعاقة مشاريع التنقيب عن النفط.

وقالت تشينزيا بيانكو الخبيرة في شؤون الخليج إن “الرياض ربما تشعر الآن بالرضا بعدما أكّدت إرادتها وعزّزت قيادتها لسوق النفط العالمية (…) وأوضحت لموسكو أن السياسة الروسية يجب أن تتماشى مع استراتيجية النفط السعودية في المستقبل”، لافتة إلى أن “الحلقة لم تنته و(أن) المخاطر عالية بالنسبة إلى السعودية”.

العرب