رسالة أوباما الثالثة إلى خامنئي

رسالة أوباما الثالثة إلى خامنئي

ركزت ثلاث صحف أميركية على رسالة باراك أوباما إلى قائد الثورة الإسلامية. لكن هذه الصحف تخبطت في ذكر مضمون الرسالة وما نقلته لم يكن اكثر من تكهنات. وفي وقت لم يكشف مضمون الرسالة الوثيق الصلة بالعلاقات الإيرانية – الأميركية، تناول هذه العلاقات يخدمنا كثيراً في معرفة فحوى الرسالة.

 

 4

وجه باراك أوباما ثلاث رسائل إلى القيادة الإيرانية منذ توليه الرئاسة الأميركية، وطلب فيها من طهران المساعدة في حل مشاكل تواجه السياسة الأميركية الخارجية. وأجمعت الرسائل هذه على ان التعاون في هذا المجال سيساهم في تهدئة العلاقات بين البلدين. والرسالة الأولی كانت في أيار (مايو) 2009 وطلبت التعاون في فتح صفحة جديدة من العلاقات. ولكن بعد شهر من الرسالة، طلبت الولايات المتحدة إسقاط النظام الإيراني في أحداث الفتنة التي شهدتها إيران. وفي شباط (فبراير) 2013، وفي خضم المفاوضات النووية، كتب أوباما للمرشد ان واشنطن علی استعداد للتوصل لاتفاق، ولكن بعد عام اتهم ايران بالسعي الى انتاج القنبلة النووية. فشددت الدول الغربية العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. والرسالة الثالثة من باراك اوباما كانت قبل شهر تقريباً، وتطرقت الی نقطتين: تعثر تدخل اميركا العسكري في العراق بسبب معارضة حلفاء إيران هناك، وموقفها ازاء شروط قائد الثورة الإسلامية في الملف النووي والمفاوضات بين بلاده والدول الغربية. وفي الحقيقة، طلبت الرسالة الثالثة مساعدة من إيران في انتشال السياسة الخارجية الأميركية من الطريق المسدود الذي بلغته في المنطقة.

ولم تخفِ واشنطن رغبتها في العودة الى العراق. فهي منذ انسحابها في 2011، تبحث عن ذريعة للعودة. وفي حزيران (يونيو) الماضي، إثر توغل «داعش» في محافظات صلاح الدين ونينوی والأنبار، ارسل البيت الأبيض وزير خارجيته، جون كيري، الى العراق للوقوف علی حقيقة الأوضاع. فزار بغداد وأربيل قبل ان يرفع تقريره الى مسؤوليه. وأكد كيري أن الأوضاع الأمنية في العراق ليست وخيمة على نحو ما يصوِّرها الإعلام. وأوصی باستغلال الأوضاع الأمنية لإدارة الخلافات بين المجموعات الشيعية من جهة، والخلافات الشيعية- الكردية- السنية من جهة اخری، وتسويق فكرة الأوضاع الأمنية المتردية وتضخيم الخطر الذي تسببه «داعش» في المنطقة من اجل التأثير في الرأي العام والتمهيد للتدخل العسكري الأميركي. ووفر هجوم «داعش» علی مدن اقليم كردستان والتطورات في شمال محافظة نينوی في مناطق تلعفر وسنجار التي تقطنها الطائفة الإيزيدية، الظروف المناسبة لجعل التدخل الأميركي العسكري حاجة عراقية استراتيجية.

وفي دراسة أعدتها رأت الولايات المتحدة ان تجربة الأعوام 2003 – 2011، وتجربة 2003 – 2007 تحديداً، أي من تاريخ بدء الاحتلال الى إبرام المعاهدة الأمنية، غير موفّقة أوقعت الإدارة الأميركية في مستنقع خطير. لكن المسؤولين الأميركيين حسبوا، اخيراً، ان السبيل الى تحقيق المصالح الأميركية هو التدخل المحدود وإدارة الساحة السياسية العراقية من دون مشاركة قوات برية اميركية. وأعلنت واشنطن ضرورة تجهيز الجيش العراقي بالمعدات الكافية، وكثفت الطلعات الجوية لضرب مقرات «داعش» لكن مساعيها اخفقت. فلا هي جهزت الجيش العراقي بتلك المعدات، ولا افلح الهجوم الجوي في إطاحة «داعش». في المقابل أيقنت المقاومة العراقية أن الاعتماد علی المواقف الأميركية المتناقضة غير ممكن، وأنه لا يسعها انتظار التنسيق مع الأميركيين لإطفاء نيران «داعش».

وأدّت فتوی المرجعية الدينية في النجف ودعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية الى تشكيل قوة جديدة تتمتع بروح جهادية قتالية استنسخت تجربة «تعبئة المستضعفين- الباسيج» لمواجهة قوات «داعش» التي تشن حرباً غير منظمة. ونجحت هذه القوة التي رعتها المرجعية، وأشرفت عليها إيران في تحقيق إنجازات كبيرة علی الأرض وفي تحرير مناطق مهمة من ايدي «داعش»، في وقت ظن كثيرون من المراقبين ان بغداد سوف تسقط.

وأقرّت وسائل الإعلام بحنكة القيادة الميدانية الإيرانية التي قادت القوة العراقية الشعبية لتحقيق الإنجازات. وحاولت اميركا عبثاً المشاركة في هذه العمليات، إلا ان قوات «الحشد الشعبي» رأت أنها لا تستطيع ان تكون تحت قيادة الجيش الأميركي الذي تجهل دوافعه الحقيقية. وأبلغت هذه القوات كبار المسؤولين العراقيين أنها لن تتعاون مع الأميركيين وستترك القتال اذا تدخّلت القوات الأميركية. فرفضت القيادة العراقية اي تدخُّل أجنبي، والموقف هذا وراء تحرير ثلاثة أرباع المناطق التي كانت تحت سيطرة «داعش» من دون ان تطلق اميركا رصاصة واحدة. وهذه الحوادث وجهت ضربة موجعة إلى الصدقية الأمنية الأميركية. ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف ان يلجأ اوباما الى الكتابة الى قائد الثورة الإسلامية باعتباره المسؤول عن الفتوحات الإسلامية الجديدة، والطلب منه اعادة النظر في برنامجه ومعالجة المشاكل الأميركية من خلال النافذة الإيرانية.

سعدالله زارعي : استاذ جامعي، مدير مركز الدراسات السياسية التابع لفــيلق القــدس، عن «كــيهان» الإيرانية، 9/11/2014، إعداد محمد صالح صدقيان

http://alhayat.com/Opinion/Writers/5644381/رسالة-أوباما-الثالثة-إلى-خامنئي

الكلمات الدلالية : الثورة الإسلامية،خامنئي،إيران،داعش،أوباما،الرئاسة الأميركية،الحشد الشعبي.