منذ حدوث التغيير السياسي في سوريا ودخول كتائب المعارضة إلى العاصمة (دمشق) وإعلانها سقوط نظام الأسد وفرار رئيسه إلى روسيا، وإيران وجميع المسؤولين فيها وعلى اختلاف مواقعهم واتجاهاتهم وتسلسلهم الهرمي في هيكلية النظام الإيراني، يتحدثون ويصرحون بمواقفهم تجاه المتغير العام الذي يعيشه المشهد السياسي السوري ويرون أن ما حدث لا يعبر عن حقيقة الاختيار الشعبي وإنما يؤكد طبيعة الأهداف والتوجهات الدولية والإقليمية التي تراعي مصالحها في الشرق الأوسط وأن القادم من الايام سيكون أكثر ارباكًا وعنفًا في حياة أبناء الشعب السوري، وأن هناك قوى معارضة سوف تتحرك وتقاوم الوضع الحالي ولا تقبل به.
الموقف الإيراني يأتي بشكل انسيابي ليعبر عن المأساة الحقيقة والجزع المؤلم الذي يعيشه اركان النظام بعد فقدانهم حليف استراتيجي كان أحد أهم الركائز المهمة في تنفيذ مشروعهم السياسي الإقليمي، والجسر الموصل الى درة التاج الإيراني في جنوب اللبناني حيث حزب الله وكوادره التنظيمية السياسية والعسكرية، وخسارتهم لمساحة ميدانية تمثل العمق الاستراتيجي للعقيدة الأمنية التي أسس لها فيلق القدس والحرس الثوري في اعداده وتدريبه لمليشيات وفصائل مسلحة تمثل الأداة الفاعلة في تنفيذ مهام وغايات المشروع الإيراني في الشرق الأوسط والوطن العربي، والتي كانت من أهم القوى التي اعتمد عليها النظام الإيراني في مساندة حليفه الأسد عند مواجهته لجميع النشاطات السياسية والعسكرية للمعارضة السورية التي انبثقت منها أولى شرارة الثورة الشعبية في 15 آذار 2011.
وكان الموقف الأكثر وضوحًا ما أعلنه المرشد الأعلى علي خامنئي في الاحتفالية الدينية التي أقيمت في العاصمة الإيرانية (طهران) يوم 22 كانون الأول 2024 بأن ( سوريا على موعد مع خروج مجموعة من الشرفاء لتغيير النظام الجديد)، وهو الموقف الذي سارعت فيه الحكومة الانتقالية السورية بالرد عليه بمطالبة إيران وعبر المحاكم الدولية بالتعويض المادي والمعنوي عن كل الأضرار الجسمية التي لحقت بابناء الشعب السوري نتيجة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبلاد نتيجة دعمها المتواصل لنظام الأسد.
وتتعاقب التصريحات الإيرانية اليومية، ومنها ما أعلنه بتاريخ الخامس من كانون الثاني 2025 عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني ( احمد بخشايش اردستاني) بوجود (130) ألف من المقاتلين المقاومين في سوريا مستعدون للقتال ضد هيئة تحرير الشام، وهم الذين قام قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق بالإشراف على تدريبهم واعدادهم في معسكرات خاصة كجزء من المقاومة السورية وغالبيتهم من أتباع المذهب العلوي.
أن مثل هذه المواقف إنما تدلل على النوايا الإيرانية والأهداف التي لا زالت طهران متمسكة بها وتحاول إثارة المشاكل والأزمات واشعال الفتن الطائفية والتأثير على النسيج المجتمعي للشعب السوري واعلانها بصورة واضحة عن التدخل المباشر وتحريض من ترى أنهم يشكلون عمقها في الداخل السوري.
أن الإشارة إلى المقاومة السورية وهي الكتائب والفصائل التي كانت تسمى ( الباسيج السوري) والتي سبق لها وان لعبت دورًا مهمًا في الحفاظ على نظام الأسد، ولكنها بقت قوة منفصلة عن تشكيلات الجيش السوري ولم تنتمي إلى أي صنف من صنوفها القتالية، وعندما يشير إليها (أحمد اردستاني) يعني أن إيران بإمكانها أن تعمل على تفعيل نشاطها وأحداث البلبلة والفوضى والتأثير على حالة الأمن الداخلي والاوضاع العامة في سوريا، وتحريضها على مواجهة المتغيرات السياسية بعد سقوط النظام السوري وتهيأة جميع الإمكانيات التي تمكنها من التحرك ضد الحكومة الانتقالية وقيادة مجلسها العسكري.
أن النظام الإيراني لا يزال يعتمد سياسة إظهار القوة وقبضة النظام والردع الممثل، ويعمل على أبقاء حالة التأثير الإقليمي لامكانياته في الشرق الأوسط وتعزيز دوره في أي متغيرات سياسية قادمة في الشرق الأوسط، ومن هنا جاء الاعلان السياسي والعسكري
للمتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني العميد علي محمد نائيني عن قيام (الحرس الثوري الإيراني بأطلاق تدريبات ومناورات الرسول الأعظم في إطار التهديدات الأمنية الجديدة التي قد تتعرض لها إيران) ثم تأكيده على أن برامج
إنتاج الصواريخ وأنظمتها الدفاعية جاري تفعليها والاهتمام بها ولها القدرة على مواجهة أي تهديدات قادمة من إسرائيل وأن أجواءها وسمائها مفتوحة أمامهم.
أن التدريبات الإيرانية التي أعلن عنها الحرس الثوري بقيام تشكيلاته العسكرية ومنظوماته الدفاعية، إنما الغرض منها إثبات قوة الردع الإيراني والقدرة على تنويع الصناعات الخاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وأن القوة الإيرانية لا زالت تشكل عمقًا استراتيجيًا لمشروعها في المنطقة وأنها تمثل قوة إقليمية لديها الإمكانية في مواجهة أي اخطار دولية، ورغم تلويح الناطق باسم الحرس الثوري عن مواجهة إسرائيل بعملية الوعد الصادق الثالثة إلا أن إيران أصبحت على يقين ودراية أن هذا التوجه لا يشكل أي اهتمام وتعاطف شعبي عربي واسلامي بعد فضح مشروعها وتدخلاتها في سوريا وعدم التزامها بالدفاع عن حلفائها وشركائها الاستراتيجين في الجنوب اللبناني ومواقفها من المواجهات التي لا زالت مستمرة في الأراضي الفلسطينية، كما وأنها تعتبر رسالة للحكومة الانتقالية السورية والتي عبر عنها عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني (أردستاني) بقوله ( أن سياسة إيران تجاه سوريا في الوقت الراهن تتسم بالصمت، إلا أن هذا الصمت لا يعني اللامبالاة).
أن إيران وما تفعله من مواجهة المتغيرات في المنطقة العربية وما تعانيه من حالة ارتداد في مشروعها السياسي الإقليمي يجعلها مستمرة في سياسة التعنت وإظهار القوة وعدم الاكتراث والاعتراف بخسائرها في الجنوب اللبناني وسوريا بغياب حلفائها الأساسيين.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية