أياد العناز
تأخذ المسارات السياسية دورها الفعال في التعامل الميداني مع تطور الأحداث في القطر العربي السوري، بعد تسنم الحكومة الانتقالية لمهامها السياسية والاقتصادية وسعيها لإيجاد مخرجات دقيقة بوسائل وأدوات ناجحة للازمات المجتمعية التي ساهم النظام السوري السابق في اتساع مساحتها وتأثيرها على الحياة العامة لأبناء الشعب السوري وأصبحت تشكل كاهلًا ثقيلًا يعاني ويكابد منه بغياب الخطوات الميدانية وعدم الاكتراث الذي كانت تتصف به المؤسسات والهيئات الخدمية للمنظمومة السياسية التي سيطرت على كافة الأوضاع العامة في البلاد.
إن الإجراءات والممارسات التي أقدمت عليها الحكومة الانتقالية شكلت حالة إيجابية انعكست على طبيعة التعامل الدولي والإقليمي في الاتصال والحوار مع قيادة الإدارة السياسية والتشاور معها حول الآفاق المستقبلية للأوضاع العامة التي تتعلق بحياة الشعب السوري والتعامل الجاد في حماية حقوقه وتحقيق العدالة الاجتماعية التي هي من أهم الأهداف والغايات التي سعت إليها فصائل المعارضة السورية في مواجهتها للأساليب القمعية والوحشية والتصدي للقوة الغاشمة التي كانت تمثلها الأجهزة التنفيذية والقوى الأمنية والعسكرية التابعة للنظام.
وتمثلت أولى الحوارات واللقاءات بالحضور السياسي التركي وزيارة وزير الخارجية (هاكان فيدان) ومدير المخابرات للعاصمة دمشق ولقائه مع السيد احمد الشرع وممثلي الحكومة الانتقالية والبحث في كيفية تقديم الدعم والمساعدة في النهوض العمراني والإصلاح الاقتصادي وتعزيز البنية التحتية للبلاد. ثم كان توافد بعض الوزراء والمسؤولين العرب من اقطار (الأردن وقطر ولبنان والبحرين وليبيا والكويت والعراق) الى سوريا، والذي أعطى انطباعـًا راسخًا وهدفًا ساميًا في استعادة دمشق علاقتها العربية التي تميزت بها وبسبب السياسات الخاطئة لنظام الأسد فقد ابتعدت الأقطار العربية كثيرًا في علاقاتها وتمثيلها الدبلوماسي وشراكاتها الاقتصادية والتجارية مع سوريا، وحققت الزيارات الميدانية غاياتها الصادقة في احتضان رغبة الشعب السوري واحترام ارادته في اختياراته السياسية وتعميق اواصر العلاقة بين جميع اطيافه.
ثم جاءت الدعوة الرسمية التي وجهتها المملكة العربية السعودية لوزراء الخارجية والدفاع والأمن في الحكومة السورية الانتقالية لتشكل نقلة نوعية بارزة في الدعم العربي والمساندة الكبيرة لحالة التغيير السياسي السوري، وهو العمق العربي الذي يعطي مساحات واسعة من التعاون الثنائي والاهتمام الواسع بما آلت إليه الأوضاع العامة في المشهد السوري العام. وأعطى الاهتمام الدولي أهميته وفعاليته في زيارة باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ولقائها مع الشرع في دمشق، وأبلغته أثناء الحوار أن الإدارة الأمريكية (لن تتابع تطبيق عرض برنامج مكافأت من أجل العدالة الذي كان ساريا منذ سنوات عدة) وإيقاف الإجراءات حول منح مبلغ عشرة ملايين دولار للقبض عليه، وأنها تدرس موضوع رفع رئيس الإدارة الانتقالية ورفاقه من قوائم الإرهاب الأمريكية والدولية، ورحبت الحكومة الانتقالية الجديدة بالإعفاءات والاستثناءات المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا والتي صدرت عن الإدارة الأمريكية، والتي جاءت نتيجة الحوار الإيجابي لهذه الزيارة.
وفي زيارة مهمة قام بها (اندريه سيبيغا) وزير الخارجية الأوكراني لدمشق تحدث فيها قائلاً (نسعى للتعاون مع الإدارة السورية في عدة مجالات ومستعدون لمساعدة الشعب السوري في استعادة الاستقرار والأمن الغذائي)، وبعدها أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أن بلاده سترسل إلى دمشق 500 طن من الطحين كمساعدات غذائية في إطار مبادرة إنسانية تحمل اسم الحبوب من أوكرانيا) بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
كما تواصل الاهتمام الأوروبي بوصول وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى العاصمة السورية دمشق، وفي وقت متزامن معها، وصل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى دمشق برًا قادمًا من لبنان، وتواصلًا مع الإدارة الأمريكية زار السفير الأمريكي دانييل روبنشتاين العاصمة السورية والتقى قائد الإدارة السورية الجديدة وعددًا من المسؤولين في الإدارة، في خطوة متقدمة نحو إيجاد أدوات فعالة وتعاون مثمر يدعم المصالح المشتركة للبلدين ويساهم في تعزيز آفاق الرؤية المستقبلية لقيادة سوريا الجديدة.
وضمن المحور السياسي الميداني فقد حرصت القيادة الروسية على التواصل مع الإدارة الانتقالية السورية ضمانًا وتأمينًا لمصالحها الاقتصادية والسياسية وإدامة استثماراتها المالية في الميدان السوري. هذه الحوارات واللقاءات تعكس حقيقة الأداء الفعلي لقيادة الإدارة الانتقالية وحرصها على تحقيق الأمن والأمان والاستقرار والحفاظ على القانون العام والعمل المتواصل والمنسجم مع المجتمع الدولي، والتي أكد عليها احمد الشرع في لقاءاته الأخيرة مع الصحافة الأجنبية والعربية بحرصه وتمسكه بالجوانب الأساسية في تعزيز البنى الدستورية وإعداد وكتابة دستور جديد للبلاد، يكون بمضامين دقيقة وأهداف اجتماعية صادقة ويراعي حقوق الإنسان وتعزيز مكانته والأخذ بيده نحو آفاق المستقبل وتحقيق الأهداف والغايات التي سعى إليها وتنفيذ مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع أفراد الشعب باختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم ورسم ملامح التنمية المجتمعية، فقد حدد قائد المرحلة الانتقالية ثلاثة أعوام لتنظيم انتخابات سليمة وإعداد إحصاء سكاني شامل يدعم مسؤولية تهيئة دستور جديد للبلاد.
إن المستقبل السياسي لا يمكن أن يتحقق بصورته الإيجابية والفعالة إذا لم تراعى فيه الظروف المحيطة بالبلاد وكيفية التغلب عليها وصولًا إلى تعزيز الروابط الاجتماعية بين جميع أبناء البلد، وهذا ما كان عليه أبناء الشعب السوري بدعمهم الإجراءات التي قامت بها الحكومة الانتقالية والزيارات التي حصلت من قبل اعمدة القوم ورموزها الاجتماعية من الدروز والمسيحيين وبعض مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية ولقاءاتهم وحواراتهم مع قائد الإدارة الانتقالية، ثم التعهد الذي قدمه سكان وشيوخ وأعيان منطقة القرداحة (مسقط رأس الأسد وعائلته) بالتعاون والدعم والمساندة للنظام السياسي الجديد.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة