المؤتمر الوطني السوري.. بداية جادة لمستقبل واعد

المؤتمر الوطني السوري.. بداية جادة لمستقبل واعد

أياد العناز 

تتابع الأوساط السياسية العربية والإقليمية والدولية المنهج والسلوك السياسي الذي تتبعه القيادة العسكرية المؤقتة في دمشق، والرؤية الميدانية لكيفية قيادتها للاوضاع العامة في بلد يتمتع بمكانة استراتيجية وأهمية بالغة في مستقبل الشرق الأوسط والوطن العربي، فالقطر السوري يمتلك خواص عديدة اهمها الامتداد البحري المطل على سواحل البحر الأبيض المتوسط وتمتعه بوجود الاحتياط الكبير من النفط والغاز، وحدوده الشمالية مع تركيا البلد المهم في الحلف الأطلسي، واحتلال مساحة من أرضه من قبل القوات الإسرائيلية في الجولان، والامتداد العربي حيث الحدود المشتركة بين (العراق ولبنان والأردن)، ثم النسيج المجتمعي الذي اتصف بتماسكه وعدم تأثره بالأزمات والصراعات السياسية التي يشهدها الميدان السوري طيلة فترة حكم عائلة الأسد التي امتدت لأكثر من خمسين عاما عانى فيها المجتمع من محاولات عديدة للتأثير على تماسكه ومحاولة زرع الفتن والاضطرابات واستهداف وحدته الوطنية وانتمائه العرقي والمذهبي، وبقت اعمدة القوم ورموزها الاجتماعية تمثل الجانب الحيوي والإيجابية الذي اتصف به النسيج الاجتماعي السوري.
أن الإمكانيات الذاتية والطاقات العلمية والإبداعات الفنية التي يتمتع بها الشعب السوري، تجعل منه إرادة حية في عملية الإصلاح والبناء وإعادة الحياة للبلاد بالعمل الجاد المشترك وتحقيق الإرادة الشعبية وتعزيز مفاهيم العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع أفراد الشعب.
أمام هذه المنطلقات المجتمعية والخواص الذاتية والجوانب الإيجابية، تأتي عملية التغيير السياسي الذي اطاح بنظام الأسد وتشكيل الحكومة الانتقالية لتشكل انطلاقة جادة في إعادة هيكلية الدولة السورية ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية وإعداد المستلزمات الميدانية لبناء حضاري ودستوري قائم على تعزيز دور السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ورسم ملامح المشاركة والتفاعل الإيجابي لكافة مكونات المجتمع السوري في الاعداد السليم لقيام نظام سياسي واقتصادي مستقل الإرادة وشعبي الانتماء وإعادة الدور الريادي والتأثير الميداني للدولة السورية في محيطها العربي والإسلامي والدولي.
وتعزيزًا للنهج العملي الذي أعلنته القيادة الانتقالية، بدأت أولى تباشير العمل لإعداد برنامج سياسي ومنهج ميداني يؤسس لمرحلة قادمة من حياة ومستقبل الشعب السوري، وكانت خطواته الأولى الاعلان عن تشكيل (المؤتمر الوطني السوري) بمشاركة الشخصيات السياسية التي تتمتع بتاريخ نضالي ونشاط ثوري في مواجهة النظام السوري السابق، وتحديد المهام الرئيسة للمؤتمر بإعتباره انطلاقة واسعة لمساحة من التفاهم والتواصل بين جميع أطياف المجتمع السوري والتي ستعمل على تثبيت الأسس والركائز لنظام سياسي وطني يمثل الطموحات والاهداف المشتركة للمواطنين السوريين.
ولإعطاء أهمية كبرى في التأسيس لمرحلة انتقالية وتشكيل منظومة دفاعية وأمنية جديدة تساهم في تعزيز وحدة الشعب والحفاظ على أمنه القومي والوطني وحماية حدوده، فقد أقر مشاركة (1500) شخصية تمثل الطيف السوري وباختصاصات علمية ومعرفية وسياسية عسكرية واعلامية، ولكي يكون الاعداد سليمًا وفعالًا فقد تم تشكيل لجنة تحضيرية لترتيب دعوات وتفاصيل جلسات (مؤتمر الحوار الوطني السوري) والذي ستنبثق منه هيئة عامة لاختيار الحكومة الانتقالية وتعيين مستشارين للرئيس المؤقت ولجنة لصياغة الدستور.
وسيضم المؤتمر قوى سورية من الشباب والنساء وعلماء الدين مع اختيار (70-100) شخص من كل محافظة يشكلون مختلف الطوائف لاعطاء فسحة كبيرة للنقاش والاستماع لجميع وجهات النظر لتحديد مسار الحياة السياسية والنيابية القادمة في سوريا،
إن الدعوة لعقد المؤتمر تمثل صيغة واضحة لخطاب سياسي يجمع الأقليات والطوائف ويؤكد مبدأ الوحدة الوطنية والتوافق في حل المعضلات والمشاكل التي تمثل عنوان وصيغة المرحلة القادمة.
أمام القيادة السورية التي تمثل المرحلة الانتقالية اعباءًا كثيرة ومهام واسعة لإعادة بناء الدولة السورية بعد الإرهاصات الميدانية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها النظام السابق والعمل على وضع الحلول الجذرية ومواجهة التحديات الأمنية والعمل نحو بناء إرادة شعبية تكون نواة لدولة وطنية وبمؤسسات مهنية تعكس حقيقة التضحيات التي قدمها الشعب السوري لنيل حريته وانعتاقه من الظلم السياسي، والسعي لتجاوز أخطاء الماضي واحترام حقوق الإنسان وتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية عبر بناء مؤسسات دستورية تحترم القوانين وتلتزم بالأنظمة والتشريعات النافذة.
إن تعزيز الوحدة الوطنية، هدف من أهداف المؤتمر العام لتكون الهوية الوطنية هي الجامعة لكل ابناء الشعب وتبتعد عن تغليب طائفة على أخرى ومنع أي حالة تجاوز لزرع التفرقة والتناحر وتحقيق الأمان والاطمئنان المجتمعي.
سيكون المؤتمر انطلاقة واعدة لفهم مشترك وإرادة شعبية وحقوق دائمة وركائز وأسس رصينة لمنظومة سياسية ذات أبعاد وطموحات مستقبلية تأخذ بنظر الاعتبار تضحيات أبناء شعبها وسعيهم لحياة حرة كريمة بعيدًا عن الاستهداف والتغييب والقتل والاعتقال العشوائي ومصادرة الحريات العامة والعمل على تعزيز مفهوم دولة المواطنة واحترام الإنسان وتطبيق العدالة الاجتماعية نحو مستقبل واعد لمجتمع تسوده المحبة والإخاء والأمن والاستقرار.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة