منذ إسقاط نظام بشار الأسد من قبل المعارضة السورية المسلحة في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، تشهد – ولا تزال – دمشق زيارات يومية لمسؤولين من دول عربية وإقليمية ودولية. إلا أن سرعة الزيارات المتبادلة بين دول الخليج العربي والحكم الجديد في سوريا، هي العنوان الأبرز لتلك الزيارات.
ففي 23 كانون الأول/ديسمبر الفائت، زار وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي دمشق، وقال ماجد الإنصاري متحدث الخارجية القطرية إن الزيارة جاءت، تجسيدا “للموقف القطري الثابت في تقديم كل الدعم للأشقاء في سوريا”. وأعادت قطر فتح سفارتها في دمشق بعد إغلاقها لمدة 13 عاما.
و30 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، تمت أول زيارة خليجية رسمية قام بها كل من عبدالله يحيا وزير خارجية الكويت، ومحمد جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية لدمشق. وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع أسعد الشيباني وزير خارجية سوريا، قال يحيا” إن زيارتنا لدمشق تحمل رسالة تضامن، نؤكد من خلالها التزامنا بوحدة سوريا وسلامة أراضيها، وقال إن أمن وسلامة سوريا جزء لا يتجزأ من أمن الخليج واستقرار المنطقة”.
من جهته، قال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي “إن زيارتهم لدمشق تهدف إلى نقل رسالة موحدة بدعم سوريا سياسيا واقتصاديا وتنمويا”، مؤكدا “أن دول الخليج العربي جادة في دعم سوريا وشعبها”.كما “شدد على موقف الدول الخليجية أن الجولان أرض سورية، وتدين توسع الاستيطان الإسرائيلي فيها”. وفي كانون الثاني، يناير الشهر الحالي.
ولتلبية دعوة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، زار وفد رسمي سوري برئاسة أسعد الشيباني وزير خارجية وبرفقته كل وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات العامة أنس خطاب. وعبر الشيباني لدى وصوله إلى المملكة العربية السعودية عن رغبته في أن “تفتح الزيارة صفحة جديدة ومشرقة في العلاقات السورية السعودية تليق بالتاريخ العريق المشترك بين البلدين”.
وتأتي الزيارة وهي الزيارة الخارجية الأولى بعد لقاء وفد سعودي الشهر الفائت مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق. وبعد زيارته للسعودية، زار الشيباني قطر والإمارات على التوالي لبحث آفاق التعاون السوري مع هاتين الدولتين.
هذه الزيارات ودون انتظار استتباب حالة الاستقرار في سوريا، وخاصة زيارة الوفد السوري للمملكة العربية السعودية توحي بأنها ليست زيارة بروتوكولية عادية للمجاملة والتعارف بقدر ما هي زيارة عمل وهي من أنواع الزيارات الرسمية بين الدول، وتكتسي أهمية سياسية كبيرة. فالهدف من هذه الزيارة هو الاستفادة من الوضع الإقليمي والذي يعد فرصة لبناء شراكة إستراتيجية خليجية سورية – طال انتظارها-، من إجل إفشال المشروع الإيراني في المشرق العربي وانهاؤه.
فصانع القرار السياسي في طهران، من حيث لا يدري شكّلت نتائج أحداث 7 من تشرين الأول / أكتوبر عام 2023م، ضربة قوية له ولمحوره، فهو يمر الآن بأصعب الظروف الإقليمية وهي فرصة إستراتيجية يمكن البناء عليها لإنهاء مشروع إيران الثورة، فغزة دمرت عسكريًا واقتصاديا، وأضعفت قدرات حزب الله في لبنان، واغتيل حسن نصر الله، وغاب الأسد وعائلته عن حكم سوريا إلى الأبد. أما الفصائل في العراق فقد وصلتها الرسالة وها هي هدأت أو انهت ضرباتها باتجاه إسرائيل.
أما الحوثيون فلا يزالون يمثلون تهديد على أمن إسرائيل وإذا تمكنت إسرائيل من الانقضاض على الحوثيين في اليمن، فهي بذلك تقدم خدمة استراتيجية غير مباشرة لدول الخليج العربي في التخلص من التهديد الإيراني عبر الحوثيين على أمن دول الخليج العربي، فهزيمة الحوثيين في اليمن قد تضع بداية النهاية للمشروع التوسعي الإيراني في المشرق العربي. وربما تذهب إسرائيل في مواجهة إيران إلى أبعد من ذلك.
لا يمثل سقوط نظام بشار الأسد، بأن سوريا هي التي بدأت عهد جديد فقط، وإنما هو عهد جديد يشمل أيضَا الأمن الإقليمي بشكل عام، والأمن الخليجي العربي بشكل خاص ، لذلك على دول الخليج العربي أن تدعم خيارات الشعب السوري بعد عقود من القهر، وأن تتعامل مع الوضع السوري الجديد بحكمة سياسية عالية.
فقد أثبتت التجربة السورية في عهد الأسد بأن كلما اقتربت سوريا من إيران زاد تهديدها لدول الخليج العربي، وأن تدرك تلك الدول أن أمنها يبدأ من سوريا، وما الزيارات المتبادلة السريعة بينها وبين هيئة الحكم الجديدة، إلا إدراك لتلك الحقيقة.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية