أعلنت وزارة النفط العراقية أمس الجمعة 1 مايو (أيار)، انخفاض واردات العراق من مبيعات النفط إلى حوالى 1.4 مليار دولار، نتيجة هبوط أسعار النفط عالمياً، فضلاً عن انخفاض الطلب عليه، ما يثير تساؤلات حول كيفية تجاوز الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، في ظل خفض الإنتاج الذي دخل حيّز التنفيذ مطلع هذا الشهر.
وبحسب بيان وزارة النفط العراقية، بلغ المعدل اليومي الكلي للصادرات النفطية في العراق، خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، 3.43 مليون برميل يومياً، فيما بلغ مجموع الإيرادات المتحققة في هذا الشهر 1.4 ملیار دولار، أي بانخفاض يعادل 1.5 مليار دولار عن شهر مارس الماضي.
وأشار البيان إلى أن “معدل سعر البرميل الواحد بلغ 13.801 دولار، بفارق يصل إلى 49 في المئة بالمقارنة مع سعر شهر مارس، إذ كان معدل سعر البرميل يقدّر بنحو 28 دولاراً.
سيناريوهات صعبة
ولعل اعتماد العراق شبه الكلي على النفط كمصدر رئيس في رفد موازناته السنوية، يعقّد إمكانية خروج البلاد من حافة الانهيار الاقتصادي في حال عدم تعافي أسعار النفط عالمياً، الذي يبدو مستبعداً من وجهة نظر خبراء الاقتصاد على الأقل حتى نهاية العام الحالي.
وترسم اللجان الاقتصادية البرلمانية سيناريوهات عدّة لتجاوز الأزمة المالية التي تمرّ بها البلاد، في ظل التفشّي المستمر لفيروس كورونا، أبرزها بيع سندات الخزينة وتخفيض سعر الدينار العراقي أمام الدولار أو طباعة النقد، فضلاً عن تخفيض رواتب الموظفين الحكوميين إلى حدود الـ30 في المئة، إلّا أنّ تلك الإجراءات ستؤدي أيضاً إلى إشكالات اقتصادية كبيرة، بضمنها انخفاض قيمة الدينار العراقي وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصاً بالنسبة إلى الطبقات الفقيرة.
تخفيض تكاليف الإنتاج
وتتفاوت كلفة إنتاج النفط بين أربعة وتسعة دولارات للبرميل الواحد، تذهب إلى الشركات المنتجة، بينما تسعى الحكومة العراقية إلى خفض تلك النسبة، نظراً إلى الوضع الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط إلى حدود كبيرة.
وكانت وزارة النفط قد أعلنت الشهر الماضي سعيها التفاوض مع الشركات الأجنبية العاملة في العراق لخفض تكاليف إنتاج النفط، ضمن إجراءاتها لمواجهة تداعيات الأزمة التي تواجه السوق النفطية.
إلى ذلك، كشفت وكالة “رويترز” الجمعة، عن مصادر في القطاع النفطي قولها، إن “العراق سيواجه صعوبات لخفض إنتاج النفط بمعدل قياسي قدره مليون برميل يومياً أو 23 في المئة اعتباراً من شهر مايو، في إطار اتفاق أوبك مع روسيا ومنتجين آخرين، وإن بغداد لم تتوصّل بعد إلى اتفاق مع شركات النفط العالمية بشأن أماكن التخفيضات”.
وتنتج شركات نفط كبرى مثل “بي.بي” و”إكسون موبيل” و”لوك أويل” و”إيني”، نصيب الأسد من الإنتاج العراقي، ورفضت حتى الآن الدعوات إلى الخفض، ما دفع مسؤولين عراقيين إلى مراجعة خيارات مثل الطلب من الشركات أن تقوم بتبكير أعمال صيانة للحقول.
مفاوضات مستمرة
وقال المتخصص في التطوير والإنتاج النفطي حمزة الجواهري، إن “تخفيض كلفة الإنتاج مسألة صعبة، لأنّ الشركات العالمية المنتجة ترفض هذا”، مستدركاً “مفاوضات العراق مع الشركات مستمرة بهذا الشأن”.
وأضاف لـ”اندبندنت عربية”، “عمليات تطوير الحقول النفطية تجري وفق عقود، وتستقطع حوالى 4.5 دولار للبرميل، فيما تبلغ كلفة الإنتاج زهاء أربعة دولارات للبرميل”، مبيناً أن “حقول النفط العراقية لا تزال تحت التطوير وهذه تكاليف إضافية، لكن إيقافها يقلّل من أرباح الشركات وهذا مُستبعد”.
ولفت إلى أن “كميات الاستهلاك العالمي للنفط انخفضت بواقع 20 في المئة، وبعض التقارير تشير إلى أن الانخفاض يبلغ نحو 40 مليون برميل يومياً، بالتالي لا يمكن ضبط الانخفاض في مستوى الطلب العالمي”.
وقال إن “الذهاب إلى مستوى تخفيض أعلى من 10 في المئة قد يسهم في تعافي أسعار النفط”، معرباً عن اعتقاده بأنّ “التخفيض يجب أن يصل إلى حدود 20 في المئة أو أعلى للمساهمة في ارتفاع أسعار النفط عالمياً”.
ورأى أن “إضافة إنتاج نفط إقليم كردستان إلى حقول النفط في الجنوب، أدى إلى حصول تخفيض إضافي في حصة العراق وصل إلى حدود 28 في المئة”، مبيناً أن “الحكومة الاتحادية لا تأخذ شيئاً من نفط الإقليم”.
وتابع “باستطاعة أميركا إعطاء العراق جزءًا من حصتها المتوقفة لزيادة حصة بغداد من الإنتاج، لكن لا مساعي جدية في هذا السياق”.
اللجنة المالية وحلول الأزمة
في سياق متصل، قال رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي هيثم الجبوري في مقابلة تلفزيونية، إن “البلاد قد تحصل على 25 في المئة من إيرادات 2019 في 2020، ونحتاج سنوياً إلى 138 ترليون دينار أي ما يعادل 110 مليارات دولار لتلبية جميع النفقات، ونحتاج أيضاً إلى 97 ترليون دينار أي ما يعادل 81 مليار دولار لتأمين الرواتب ودفع الديون الخارجية فقط”.
وأضاف “النفقات الضرورية في العراق تصل قيمتها إلى 72 مليار دولار، تتعلّق برواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية وغيرها من النفقات”، مبيناً أن “النفط العراقي يُباع حالياً بـ 16 دولاراً يذهب نصفها كتكلفة استخراج”، فيما أشار إلى أن “رواتب الموظفين مؤمنة في شهر مايو”.
واقترح الجبوري أربعة حلول لتأمين صندوق شهري يضم سبعة مليارات دولار من خلال “الاستفادة من سيولة نقدية للدولة تتوفر في مصرف الرافدين والبنك العراقي للتجارة، ولدينا وديعة قيمتها أربعة مليارات دولار لشراء أسلحة من أميركا من الممكن أن نتفاوض ونأخذ نصفها، وكذلك من الممكن التفاوض مع البنك الدولي لاقتراض 2.2 مليار دولار، وهذه الخيارات من المحتمل أن تحلّ مشكلة الرواتب للأشهر الأربعة المقبلة”.
وكشف عن أن “تأمين الرواتب فقط يتطلّب بيع برميل النفط العراقي بـ31 دولاراً، فيما يتطلّب تأمين النفقات كلها بيعه بحوالى 71 دولاراً”.
وأشار إلى أن “المنافذ الحدودية من الممكن أن توفّر للميزانية ثمانية مليارات دولار، لكن ما نحصل عليه نصف مليار بسبب الفساد والمنافذ غير الشرعية. الاحتياطي من العملة الصعبة في المركزي 81 مليار دولار ويبقى 52 مليار دولار في كل الأحوال للحفاظ على قيمة العملة النقدية العراقية. وإذا استخدمنا الخزين، فيجب أن لا نتجاوز هذا الرقم، وإذا عبثنا به، قد تتعرض العملة العراقية إلى خطر كبير يجعلها تنهار كما حصل في لبنان”.
تضخم النفقات التشغيلية
أما الاختصاصي الاقتصادي ماجد الصوري، فقال من جانبه إن “كل ما يجري الحديث عنه من إجراءات، لا يحلّ الإشكالية التي تتعلّق في الأساس بتضخم النفقات التشغيلية، تحديداً بند المخصصات والمنافع”.
وكشف لـ”اندبندنت عربية”، عن أن “مجموع النفقات التشغيلية بحسب ما يُشاع، يبلغ 68 ترليون دينار أي ما يقارب الـ 55 مليار دولار. وتشكّل الرواتب الأساسية من دون مخصصات 14 ترليون دينار، والمخصصات 28 ترليون، فضلاً عن المنافع التي تبلغ نحو 30 ترليون دينار”، مبيناً أن “تخفيض المخصصات بحوالى 50 في المئة وإلغاء المنافع، سيوفر قرابة 44 ترليون دينار للموازنة”.
واعتبر أن “المشكلة ليست في شح الموارد، بل في سوء استخدامها منذ عام 2003، في ظل الهدر الكبير للأموال”.
وعن حلول الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، أوضح الصوري أن “جملة إجراءات بالإمكان اتّخاذها، من بينها تقليل النفقات التشغيلية وزيادة الضرائب والاقتراض”.
ولفت إلى أن “الاقتراض قد يحلّ جزءًا من الإشكالية، إلّا أنّه مسألة صعبة إذ لا يمكن للعراق الاقتراض بسبب الفساد والأوضاع السياسية المربكة”، مردفاً “أكبر دليل على ذلك هو مِنَح مؤتمر الكويت التي تبلغ ما يقارب حوالى 30 مليار دولار، لكنها لم تنفّذ نتيجة الفساد والوضع السياسي”.
وتوقع أن “يتسبب هذا الانهيار في أسعار النفط، بانهيار كبير جداً في الاقتصاد العراقي، إذا لم تُتَّخذ إجراءات لاسترجاع الأموال المنهوبة وضبط النفقات المالية في الحدود المتاحة”.
إجراءات البنك المركزي
وعن أداء البنك المركزي في ظل الأزمة المالية، لفت الصوري إلى أن “البنك المركزي يحافظ على أسعار العملة المحلية، على الرغم من الفوضى وفشل السياسية المالية، إلّا أنّ السياسة النقدية نجحت حتى الآن في المساهمة باستقرار العملة، وهو نوع من الاستقرار الاقتصادي”.
واعتبر الحديث عن تخفيض سعر العملة المحلية أمام الدولار “جريمة لا تُغتفر بحق الشعب العراقي”، مبيناً أنها “تقلّل القدرة الشرائية للعراقيين وتزيد معاناة الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود العاملين بالأجور اليومية والأشغال الحرة، وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار”.
ولفت إلى أن “القانون لا يجيز للبنك المركزي إقراض الحكومة بشكل مباشر، وحتى بشكل غير مباشر فإمكانياته محدودة، لكنه يستطيع لعب دور كبير في تفعيل التنمية الاقتصادية كما فعل عام 2014 عندما أعطى ستة ترليون دينار كقروض إلى المصارف المتخصصة والأهلية، مبيناً أن “الاقتراض لتغطية النفقات التشغيلية يعني انهياراً كبيراً للبنك والاقتصاد العراقي”.
أحمد السهيل
اندبدنت عربي