هل باتت إيران على مشارف الدخول في مرحلة كثيرة التعقيد والمخاطر، وهي تقترب من المرحلة الثانية لمكاسب الاتفاق النووي الذي وقعته مع مجموعة دول 5+1 في يوليو (تموز) 2015، وتسمح لها في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من هذه السنة بالعودة إلى ممارسة نشاطاتها التسليحية بيعاً وشراء بعد انتهاء الحظر الذي فرضه قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2231؟
وهل ستكون قادرة على استغلال هذه المرحلة وهذا “الحق” في ظل مساع أميركية يقودها الرئيس دونالد ترمب وإدارته للعودة إلى مجلس الأمن لطلب تمديد حظر الأسلحة التقليدية ضد النظام الإيراني ومن دون تحديد سقف زمني لذلك، وذلك في إطار الخطوات التي قام بها البيت الأبيض والتي بدأت بإعلان الانسحاب من الاتفاق مع إيران ومن ثم العودة إلى فرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية الأميركية غير المسبوقة بمفعول دولي؟
أكثر من محطة سياسية قد تساعد على تلمّس مسار التصعيد الجديد بين واشنطن وطهران على خلفية الرسالة التي وجهها نحو 382 عضواً في الكونغرس الأميركي، من أصل 429 مجموع الأعضاء من جمهوريين وديمقراطيين، تؤيد المسعى الذي يقوم به الرئيس ترمب لتمديد حظر الأسلحة التقليدية ضد إيران بعد أكتوبر 2020 موعد انتهاء هذا الحظر بناء على الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن 2231. فهذا الموقف أسقط الرهانات الإيرانية على إمكانية حصول تغيير في موقف الإدارة الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية في حال تمكن الديمقراطيون من العودة إلى البيت الأبيض مع مرشحهم جو بايدن، لأن الرسالة كانت واضحة بعدم التهاون أو التساهل مع طموحات إيران العسكرية والتوسعية، من خلال توفير قنوات لتحسين شروطها المالية وتعزيز آليات دعمها للجماعات المسلحة الموالية لها في منطقة غرب آسيا، في ظل سياسة أميركية تتهم طهران بزعزعة الاستقرار في هذه المنطقة من خلال هذه الجماعات.
وإذا ما كانت الإدارة الأميركية مدركة للتعقيد الذي يكتنف العبور من مجلس الأمن وصولاً إلى تمديد الحظر على الأسلحة التقليدية، وهو ما اعترف به مندوب الرئيس الأميركي للملف الإيراني براين هوك، إلا أن إدارة ترمب لن تتردد في استثمار الأوراق السياسية الموجودة في يدها من أجل إقناع الدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن لتمرير القرار من دون استخدام حق الفيتو (الروسي والصيني)، كما حصل في القرارات الأربعة السابقة لمجلس الأمن في شأن إيران وملفها النووي.
ويبدو أن الرئيس الأميركي لن يكون في مواجهة صعوبات كبيرة في محاولة نقل الموقف الأوروبي من منطقة الاعتدال السلبي إلى الموقف السلبي من إيران وملفها والاتفاق النووي. فقد سبق لهذه الدول أن أعلنت رفضها الانسحاب من الاتفاق النووي استجابة لدعوة ترمب، إلا أنها مارست نوعاً من الالتزام غير المعلن بالعقوبات التي فرضها منفرداً بعد إعلان الانسحاب من هذا الاتفاق. وقد وضعت كثيراً من العراقيل والشروط أمام تطبيق آلية التعامل المالي “انستكس” التي أنشأتها مع إيران للالتفاف على العقوبات الأميركية.
المؤشرات إلى حدوث تبدل وتغيير في الموقف الأوروبي من الملف الإيراني وإمكانية أن يلاقي الموقف الأميركي في منتصف الطريق، ظهرت معالمها في إعلان وزارة الخارجية الفرنسية على لسان المتحدث الرسمي باسمها تعليقاً على المساعي الأميركية إلى إصدار قرار تمديد حظر الأسلحة التقليدية في مجلس الأمن، أن فرنسا ملتزمة دعم الاتفاق النووي، إلا أن لديها مخاوف من إمكانية أن يؤثر رفع الحظر في أكتوبر المقبل في استقرار منطقة غرب آسيا وأمنها. وهي إشارة واضحة إلى إمكانية أن تزداد النشاطات الإيرانية العسكرية في تعزيز قدرات الجماعات الموالية لها في هذه المنقطة، وبالتالي رفع مستوى التوتر وعدم الاستقرار.
ويأتي هذا الموقف في الوقت الذي اتخذت ألمانيا موقفاً مختلفاً وأكثر تشدداً حيال إيران والجماعات الموالية لها، برز في القرار الذي أعلنته ووضعت بموجبه حزب الله اللبناني على لائحة المنظمات الإرهابية بشقيه السياسي والعسكري، متخلية بذلك عن سياسة التوازن مع هذا الحزب في جميع مسارات التفاوض غير المباشر التي جرت بينه وبين حكومة تل أبيب في شأن تبادل الأسرى ونقل الرسائل بينهما. الأمر الذي استثار طهران ودفعها إلى رفع مستوى التصعيد مع برلين مهددة بإجراءات مختلفة ستحكم العلاقة بينهما.
في موازاة ذلك، يبرز الموقف الروسي الذي أعلن رفضه الممارسات الأميركية المجحفة وغير الإنسانية بحق إيران وفرض عقوبات أحادية ضدها والسعي إلى حرمانها من حقوقها. وهو الموقف الذي جاء في الرسالة الخطية التي وجهها وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف. إلا أن هذا الموقف والتأكيد على عمق العلاقة بين البلدين وأن المصالح المشتركة والمشاريع الاقتصادية بينهما لن تتأثر بالإجراءات الأميركية، يحمل في داخله إمكانية ألا تذهب موسكو إلى النهاية في تبني الموقف الإيراني. ويكفي أن لا تستخدم الفيتو في مجلس الأمن، وهو ما تطمح إليه واشنطن بتحييد الموقف الروسي والصيني، لتمرير مشروع القرار بأغلبية تسعة أصوات من خمسة عشر صوتاً أعضاء المجلس. وهو موقف في حال اعتمدته موسكو فإنه سيكون محكوماً بالحاجات الروسية مع الإدارة الأميركية، أي أن موسكو قد تلجأ إلى ابتزاز إدارة الرئيس الأميركي في مرحلة بحاجة فيها إلى تحقيق إنجاز يعيد ترميم التصدعات التي أصابت حملته الانتخابية جراء التخبط الذي عانته إدارته في مواجهة جائحة كورونا والآثار السلبية التي لحقت بالاقتصاد الأميركي جراء هذا الوباء، إلى جانب سقوط أسعار النفط. ما يسمح لموسكو بالتأسيس لتعاون ثنائي مع واشنطن في الملفات العالقة بينهما، خصوصاً في الموضوع السوري الذي بات يشكل تحدياً لإدارة الرئيس فلاديمير بوتين، والانتقال إلى مرحلة الحل السياسي وإعادة الإعمار. وما يعنيه ذلك من إمكانية أن تراهن موسكو على هذا التعاون الذي قد يساعدها على تحجيم الدور الإيراني في هذا الملف، والذي يشكل رغبة مشتركة لدى الطرفين.
في حين تقف الصين على أبواب مواجهة مفتوحة محتملة مع واشنطن، ساهمت في تفاقمها الاتهامات التي وجهها ترمب إلى بكين بالمسؤولية عن انتشار وباء كورونا والآثار السلبية التي لحقت بالاقتصاد العالمي وخصوصاً الأميركي، والتي تضاف إلى المعركة المستمرة بينهما على خلفية مساعي واشنطن لتحجيم الدور الاقتصادي المتنامي للصين على حساب الاقتصادات الغربية والأميركية.
طهران، وإن لم تعلن ذلك، يبدو أنها بدأت تشعر بحجم التحديات التي تنتظرها في الأشهر المقبلة. ما قد يفرض عليها إعادة ترتيب أوراقها في الداخل وفي الإقليم. فالاستفزازات التي مارستها القوات البحرية التابعة لحرس الثورة ضد القطعات البحرية للأسطول الأميركي في مياه الخليج، ورفع مستوى التهديدات بالرد المدمر في حال تعرضت إيران لأي اعتداء أميركي، ومحاولة إعادة ترتيب الساحة العراقية ووضع هيكلة جديدة لفصائل الحشد الشعبي الموالية لها وإعادة تركيز العقيدة القتالية لهذه الفصائل وتوجيهها في اتجاه مواجهة الوجود الأميركي، والإعلان عن إطلاق قمر صناعي عسكري إلى الفضاء، والحساسية المفرطة التي ظهرت في مواقف النظام والمرشد الأعلى ورئيس الجمهورية ووزير الخارجية من اعتماد الرئيس الأميركي مصطلح “الخليج العربي” بدلاً عن “الخليج الفارسي”، كل هذه المحطات تشير إلى أن النظام في طهران بدأ يلمس المتغيرات الدولية التي تحيط به وحجم الضعوط التي تنتظره في حال استمر في سلوكياته الإقليمية والدولية. ما قد يدفعه إلى خطوات طالما حاول الابتعاد عنها قبل الوقوف على أبواب مواجهة عسكرية محتملة. وباتت إمكانية اللجوء إلى التصعيد في الملف النووي ممكنة من خلال الذهاب إلى خيار الانسحاب من الاتفاق النووي وتعليق التعاون مع الوكالة الدولية في تطبيق البروتوكول الإضافي بشأن التفتيش المباغت للمواقع والمنشآت الإيرانية النووية وغير النووية. ما يعني أنه قد يقدم هدية مجانية لواشنطن في حال لجأ إلى هذه الخطوات، وبالتالي تشكيل رأي عام دولي بعيداً عن التردد يسمح بعودة العقوبات الاقتصادية والسياسية والمالية ضد إيران من بابها الواسع، من دون أن يكون هناك أي مخاوف من اعتراض أيّ من الأطراف المعنية بذلك.
حسن فحص
اندبندت عربي