كتب المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس عن تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط. وتحت عنوان “أمريكا في خفوت ودبلوماسية المصائب الروسية تنجح في الشرق الأوسط“، قال إن العالم انشغل بمواجهة فيروس كورونا المستجد إلا أن الحروب والمكائد السياسية استمرت في الشرق الأوسط.
وفي ظل هذه الاضطرابات يبدو وكأن روسيا تحقق وبشكل متسارع تقدما لكي تصبح قوة إقليمية. وترك الوباء وانخفاض أسعار النفط أثرهما المدمر على دول المنطقة الهشة. واتخذت ممالك النفط في الخليج الفارسي قرارات لتخفيض الميزانيات أما إيران فتحاول الصمود من أجل الحفاظ على حياة قيادتها وأسلحتها الإستراتيجية بدون ضرر.
في ظل هذه الاضطرابات يبدو وكأن روسيا تحقق وبشكل متسارع تقدما لكي تصبح قوة إقليمية
أما الولايات المتحدة فهي قوة متلاشية وتقوم روسيا بملء مكانها الفارغ كقوة إقليمية. وأظهرت روسيا مواقف انتهازية تجاه النزاعات في سوريا وليبيا واليمن. ورغم تعب الأطراف المشاركة فيها إلا أن جهود التفاوض على تسوية بينها فشلت. وستكون نتيجة هذه النزاعات هي تقسيم فعلي في هذه الدول ونزاعات مجمدة تتركها متشرذمة وعرضة للخطر.
وستخرج روسيا من هذه النزاعات بعدد من القواعد العسكرية في البحر المتوسط، محققة حلما راودها لقرون. وتسيطر القوات الروسية على قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية في ميناء طرطوس وساعدت في السيطرة على قاعدة القرباضية في سرت بداية هذا العام. ومهما كانت طبيعة هذه النجاحات فإن روسيا تجد نفسها في نفس الموضع الذي جربته أمريكا ولعقود وهي محاولة إعادة النظام والاستقرار لهذه المنطقة المتصدعة. وفشلت محادثات أستانة بتحقيق السلام في سوريا وكذا محاولات تركية- روسية لبناء استقرار في ليبيا.
وفي مقال للسفير الروسي ألكسندر أكسنينكوك الشهر الماضي بالمجلس الروسي للشؤون الدولية هاجم نظام بشار الأسد ووصف فساد وأعمال أجهزته الأمنية المثيرة للسخط. ولكن حصة روسيا في كل من سوريا وليبيا صغيرة، ولم تستثمر دما ومالا إلا بنسبة قليلة حيث تركت العمل القذر في البلدين إلى شركة واغنر الأمنية التي يديرها صديق لفلاديمير بوتين، وهو ما يعني بناء إمبراطورية بدون كلفة.
ويضيف الكاتب أن تطورا يثير أمل الولايات المتحدة جاء من العراق حيث نجح مصطفى الكاظمي، مدير المخابرات السابق والصديق للولايات المتحدة، بتشكيل حكومة جديدة. ويخطط القادة العسكريون الأمريكيون لإجراء حوار إستراتيجي معه في حزيران/يونيو ويتوقعون الحفاظ على جزء من القوات الأمريكية في العراق لتدريب أفراد الجيش على العمليات الخاصة. وسيكون العدد أقل من 5.000 جندي في الوقت الحالي ولكنه سيظل بالآلاف حسبما يعتقد المسؤولون.
تواجه السعودية التي تعتبر من الناحية التاريخية أقوى حليف لأمريكا بالمنطقة معضلة مزدوجة تسبب بها فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط
وتواجه السعودية التي تعتبر من الناحية التاريخية أقوى حليف لأمريكا بالمنطقة معضلة مزدوجة تسبب بها فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط. ويدرس المسؤولون في السعودية إمكانية تخفيض نفقات الميزانية وتأجيل مشاريع شملتها رؤية 2030 التي أعلن عنها ولي العهد محمد بن سلمان. ويناقش السعوديون مع الولايات المتحدة وروسيا تخفيضا كبيرا في مستويات إنتاج النفط لرفع الأسعار.
وهناك إمكانية لقرار سعودي بتخفيض الإنتاج في تموز/يوليو ويمكن زيادة معدلات تخفيضه لو وافقت بقية الدول المنتجة للنفط على تخفيض مماثل. وللحفاظ على قدراتهم المالية يناقش السعوديون تخفيضا في مشاريع الحكومة والرواتب ورفع قيمة الضريبة المضافة والاعتماد على الاحتياطات المالية. ولأن إيران أصبحت أقل تهديدا للسعودية فقد قرر البنتاغون سحب بطاريات باتريوت والمقاتلات التي نشرتها العام الماضي بعد الهجمات على المنشآت النفطية.
ولا تزال الحرب في اليمن مدمرة وفشلت فيه جهود السلام ولكن السعودية تريد الخروج منها. وقد لا تجد أي خيار سوى الانضمام إلى الإمارات والقبول بالتقسيم الفعلي له بين الشمال والجنوب. أما المعضلة التي ستواجه الولايات المتحدة هذا العام فهي كيفية وتوقيت سحب القوات الأمريكية من سوريا. واستطاع مسؤولو البنتاغون إبطاء عملية السحب الكاملة التي كان يريدها الرئيس دونالد ترامب من شمال- شرق سوريا.
وفي مرحلة ما قد يقرر الروس وقوات النظام السوري التحرك من إدلب في الغرب إلى الشرق. ويفضل القادة الأمريكيون اتفاقا مع الروس للانسحاب بدلا من مواجهات عسكرية على مناطق يخططون للانسحاب منها بشكل تدريجي. وتظل ليبيا الأكثر إزعاجا والجائزة الممكنة في لعبة القوة الروسية. وهم يدعمون الجنرال خليفة حفتر في تحالف غير محتمل يضم الإمارات العربية ومصر وفرنسا، إلا أن حملة حفتر لإسقاط الحكومة التي تدعمها تركيا تتداعى.
وكيف سيتم فك الجمود؟ خطة سلام تم التوصل إليها هذا العام في برلين والتي يرى ممثل الأمم المتحدة السابق غسان سلامة أنها الأكثر مناسبة وأكثر من أي وقت. إلا أن ليبيا مثل صورة المنطقة هشة ومتشرذمة ولن ينجح فيها أي جهد للسلام. وستقوم روسيا بجمع القطع في مرحلة ما بعد الوباء في الشرق الأوسط بدون أية إستراتيجية أكثر من تنفيس منافستها أمريكا، وهي مجرد دبلوماسية الزبال التي تغذي جيف هذه الدول المحطمة.
القدس العربي