عملة الصين الجديدة.. كيف يؤثر اليوان الرقمي على الدولار الأميركي؟

عملة الصين الجديدة.. كيف يؤثر اليوان الرقمي على الدولار الأميركي؟

حققت البنية المالية العالمية قفزة نوعية مع اختبار الصين لعملتها الرقمية “اليوان الرقمي” لأول مرة، بعد عملية بحث وتطوير دامت خمس سنوات على أقل تقدير.

ولطالما شدد الرئيس شي جين بينغ على الحاجة الملحة لتطوير الذكاء الاصطناعي وتقنيات الجيل الخامس على أوسع نطاق، والتي اعتبرها بنية تحتية جديدة.

ويعد اليوان الرقمي بنية تحتية مالية جديدة في حد ذاتها، ولها آثار جيوسياسية هائلة على الصين والعالم بأسره، والأهم من ذلك قدرتها على تجنب أي عقوبات تفرضها الولايات المتحدة.

ويقول الكاتب فيصل أحمد -في تقرير نشره موقع “مودرن دبلوماسي” الأميركي- إن العملة الرقمية تختلف عن المدفوعات غير النقدية، على غرار تلك التي تدفع من خلال بطاقات الائتمان أو التطبيقات. وفي مثل هذه الحالة، تتحقق التسوية على الفور على عكس المعاملات غير النقدية التي تلعب فيها البنوك دور الوسيط.

آثار إيجابية
تخلف العملة الرقمية سبلا للتواصل بين الأجهزة التي يمكن من خلالها تبادل المعلومات والمدفوعات، لتلغي بذلك الاعتماد المعتاد على البنوك.

تستطيع الصين أيضا استخدام اليوان الرقمي في أنشطة متنوعة انطلاقا من برنامج التحفيز والمساعدات التنموية، وصولا إلى التحويلات المالية المباشرة واستثمارات البنية التحتية مثل مبادرة الحزام والطريق.
اعلان

ومن شأن اليوان الرقمي تعزيز قدرة الصين التنافسية على الصعيد العالمي ومركزها القوي في المفاوضات العالمية على حد سواء.

من المتوقع أن تحظى هذه العملة الرقمية بقبول واسع النطاق في الصين، ويعزى هذا إلى اكتساح الهواتف المحمولة للأسواق في البلاد وتمتعها بسجل إدماج مالي جيد.

وهذه العوامل إلى جانب النظام الذي تديره الدولة (أي اليوان الرقمي) ستساهم في توسيع نطاق القاعدة الشعبية لنظام العملة الرقمية، فقد اعتاد السكان المحليون بالفعل على استخدام تطبيقات مثل “أليباي، وي تشات باي” ومن المرجح أن يعتمدوا هذه العملة الرقمية دون تردد.

ويرى الكاتب أنه سيكون لاعتماد اليوان الرقمي آثار كبيرة على الاقتصاد والشعب الصينيين نظرا لأنه يساعد على خفض التكاليف وتسهيل عمليات الدفع، كما سيتمكن بنك الشعب من مراقبة المدفوعات والتجاوزات غير المشروعة.

ومن شأن اليوان الرقمي أن يساعد الحكومة على تحويل أي أموال صندوق إغاثة أو برامج تحفيز مباشرة للتغلب على التأثير السلبي لكوفيد-19 على سلاسل التوريد وسبل العيش. إلى جانب ذلك، تسعى الحكومة إلى صرف رواتب الموظفين الحكوميين بواسطة هذه العملة الرقمية.

في الوقت الراهن، يعتبر الدولار الأميركي عملة قوية تحظى بشعبية مطلقة من حيث المعاملات الدولية، بنسبة تفوق 90% من معاملات سوق صرف العملات الأجنبية، ومن شأن هذا القبول والثقة أن يمنح الولايات المتحدة مكانة تفاوضية أفضل في الأسواق المالية العالمية.

ولكن الولايات المتحدة استغلت في المقابل هذه القدرة في تطبيق العقوبات الاقتصادية لاكتساب مزايا جيوسياسية.

فعلى سبيل المثال، تتطلب البنية التحتية لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك توجيه كل المعاملات بالدولار على مستوى العالم عبر الولايات المتحدة، مما يمنحها قدرة فعلية على تجميد المعاملات من جانب واحد، ومع ذلك كانت هناك دعوات أوروبية لتطوير بديل لنظام الدفع في جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك أيضا.

ويشير الكاتب إلى أن اختبار العملة الرقمية الصينية بات حاليا يشكل تهديدا للهيمنة المالية الأميركية، نظرا لأنه يقدم بديلا للدولار، وإذا تم تبنيها بنجاح فستساهم هذه العملة الرقمية في إبعاد الأسواق المالية العالمية عن النظام المرتكز على الدولار، وستساعد أيضا حكومة بكين على معالجة أي اضطرابات بالعملة العالمية التي تحركها دوافع سياسية.

في الوقت الحالي، يحتل اليوان جزءا صغيرا جدا من المدفوعات والاحتياطيات العالمية، ولكن كون الصين أكبر مُصدّر في العالم، من المرجح أن تدفع من أجل الاستخدام العالمي لليوان الرقمي بين شركائها التجاريين وفي مبادرة الحزام والطريق.

وفي ظل استمرار وباء كورونا، أصبحت البنية التحتية المالية الأميركية مكشوفة. فعلى سبيل المثال، وقعت مشاكل تنفيذية على مستوى تحويل أموال صندوق الإغاثة إلى المستفيدين منها.

لهذا السبب من الضروري تحسين البنية التحتية للتكنولوجيا المالية لتعزيز الأنشطة الاقتصادية وبالتالي النمو المحلي. وفي الواقع، يمكن للعملة الرقمية توفير المزيد من الدقة والشفافية في مثل هذه المعاملات، ويمكن دراسة قطاعات محددة وتقديم حزم الإغاثة الانتقائية إلى المناطق والسكان الأكثر تضررًا أوقات الأزمات أو الكوارث الطبيعية.

وأكد الكاتب أن اعتماد العملة الرقمية من شأنه أن يقدم منظورا جديدا لتدخلات السياسة العامة في الأوقات العصيبة، ومن المحتمل أن يؤثر بروز اليوان الرقمي على معظم الاقتصادات، الكبيرة منها والصغيرة، وذلك بسبب اعتمادها التاريخي على النظام المالي الذي يرتكز على الدولار.

ويتعين على البلدان أن تستعد لذلك من خلال التحول إلى المدفوعات الرقمية، واختراق القواعد الشعبية، والاندماج المالي، والحد تدريجيا من اعتمادها على الدولار.

المصدر : موديرن دبلوماسي