لو أن طفلا من المشرق العربي ولد عام 1967 في مثل هذا اليوم فإن عمره سيكون 53 عاماً، وسيكون هذا التاريخ قد حدّد مسار حياته بشكل أو بآخر، فالحرب التي نشبت في هذا التاريخ ـ والتي قام إعلام الأنظمة العربية المهزومة بتسميتها «نكسة حزيران» أو «نكسة 67» ـ أدت إلى احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، وإلى تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفّة، وهروب سكان محافظة القنيطرة السورية، وإخلاء مدن قناة السويس المصرية، وفصل الضفة الغربية بما في ذلك مدينة القدس، عن السيادة الأردنية، ومحو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية.
ما شهدناه بعد ذلك من ضم إسرائيل للقدس والجولان، واستتباع ذلك بالسعي الحثيث لتنفيذ خطط ضم الأغوار ومستوطنات الضفة يعني أن تداعيات الحرب المذكورة ما تزال مستمرة، وأن المشرق العربي، والفلسطينيين خصوصا، ما زالوا يسدّدون أقساط تلك الهزيمة الفادحة.
وإذا سلّمنا مبدئيا بأن تلك الحرب كانت هزيمة للأنظمة العربية التي نشأت بعد الاستقلال، وأن سكّان المشرق العربيّ يحصدون التأثيرات المباشرة لتلك الحرب، فالواقع يشير إلى أن أثر ذلك يمتد إلى العالم العربي والإسلامي، فقد ساهمت الهزيمة في كشف انحطاط الأنظمة العربية الوطنية وانقلابها، بعد فقدانها الشرعية الثورية التي سمحت لها بالانقضاض على النظم الديمقراطية الضعيفة الناشئة بعد الاستقلال، إلى أسوأ أشكال الدكتاتورية، ورغم استمرار استثمارها الانتهازي لشعارات المقاومة ومكافحة الإمبريالية وغيرها، فقد استخدمت هذه الأنظمة أسلحتها في كسر المقاومة الفلسطينية، أو استتباعها، أو توظيفها في عمليات إرهاب خارجية تسيء للفلسطينيين.
لقد انكشفت الأنظمة العربية التقليدية، البعيدة عن ساحات القتال مع انقلاب دعوات الاعتدال والمرونة والتقارب مع الغرب، إلى تطبيع هزلي مكشوف، وانتهى تواطؤ الأنظمة العربية «الثورية» غير المباشر مع إسرائيل إلى أشكال من التحالف الموضوعي معها، بحيث شهدنا ظهور منظومة استبداديّة عربيّة موحّدة على جبهتين: مكافحة دعوات التغيير السياسي الديمقراطي في العالم العربي، والمقاولة المفضوحة لتسويق وتنفيذ خطط إسرائيل والإدارة الأمريكية في ظل دونالد ترامب ضد الفلسطينيين.
يخلق الوضع الحالي، رغم مشهديته السوداوية، إمكانيات انفتاحه على تطوّرات فلسطينية وعربية وعالمية مهمّة، فالتغييرات الأخيرة ستفرض وضعية جديدة تتداخل فيها المسألة الفلسطينية مجددا بالوضعين العربي والعالميّ، فهذه الساحات تموج بأكملها بالتغيّرات العاصفة التي لا تستثني، كما نرى، الولايات المتحدة الأمريكية، والتحرّكات والدعوات يشارك فيها الناس والساسة والنخب الثقافية والفنية والرياضية، وليس هناك سبب لعدم ملاحظة الرابط الواضح بين الظلم الذي يتعرّض له الفلسطينيون، والذي كان لترامب يد كبرى فيه، بالظلم الذي يتعرّض له السود والأقليات في أمريكا، وإذا نجح هذا الحراك في تأسيس تغييرات قانونية وفكرية عميقة في أمريكا، وتمكن من إزاحة إدارة ترامب، فإن الحراكات الفلسطينية والعربية ستجد تناغمها العالميّ ضمن خلفيّة النضال الهائل الذي يقوم به البشر لجعل الأرض مكانا أفضل للعيش بكرامة، وستكون الآثار متبادلة بالتأكيد.
القدس العربي