أياد العناز
يتهئ النظام الإيراني ويستعد لجميع الاحتمالات القادمة بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية ويضع نصب عينه كيفية التعامل مع أي رئيس قادم ومن أي حزب إن كان جمهوريًا أو ديمقراطيًا، الثابت في السلوك الإيراني هو مبدأ الحفاظ على السلطة والمضي في المشروع السياسي والتمدد والنفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وهي السياسة التي يحرص على تثبيتها ودعمها المرشد الأعلى علي خامنئي وفق أسس ومرتكزات حددها النظام منذ تسلمه السلطة في عام 1979 واقرارها في الدستور بمادته الرابعة نشر مبادئ الثورة التي اطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي خارج حدود إيران.
ولهذا فان النظام يسعى لإعداد أولويات التعامل عبر العديد من القنوات فهو يدرك أنه في حالة فوز ترامب بمقعد الرئاسة سيستخدم سياسة الضغط القصوى في مواجهة السلوك والتمدد الإيراني وإيقاف جميع وسائل في تطوير البرنامج النووي باعتماد العقوبات الاقتصادية مجالًا رحبًا وسعة في تنفيذ آليات منع النظام الإيراني من تصدير النفط وأحكام السيطرة على جميع منافذ التصدير وتشديد العقوبات على كل من بتعامل مع ايران، بهدف إضعاف القدرة الإيرانية الأمنية والعسكرية في علاقتها مع ووكلائها وفصائلها المسلحة ومليشياتها العاملة في ( العراق وسوريا واليمن ولبنان) مع احتمال استهدافهم من قبل الإدارة الأمريكية عبر القيام بعمليات عسكرية تجاه قياداتها ومقراهم اذا ما تعاظمت المواجهة مع إيران وحاولت القيام بردود أفعال مماثلة.
سيتم استخدام اسلوب التهدئة في بداية الأمر وتجنب أي ردود أفعال متشنجة أو مثيرة لأي فعل ممكن ان يتأخذه ترامب أو أدارته القادمة، في محاولة من ايران لابقاء على سياستها في قبضة النظام وادامة وجوده والحفاظ على المكاسب التى حققها في الإنتشار الأمني والعسكري في العديد من عواصم الأقطار العربية وبعض المناطق الحيوية في غرب آسيا والمنافذ البحرية والممرات المائية في الخليج العربي والبحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر عبر دعمه وإسناده للفعاليات التي تقوم بها جماعة الحوثيين والتي اخذت بالاتساع بعد أحداث السابع من تشرين الأول 2023 والمواجهات في قطاع غزة، وهي من الثوابت في الرؤية السياسة للقيادة الإيرانية.
حققت إيران العديد من التقدم في مجال تطور برنامجها النووي تمكنت من الوصول إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ خلافًا لما اتفق عليه في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة والتي حظيت بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا في عام 2015 والتي سمحت لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3،67 ورفع العقوبات وإطلاق الأموال المجمدة في عهد الرئيس أوباما، وبالانسحاب الأمريكي من الإتفاقية عام 2018 وبدأ فرض العقوبات على إيران وتم استغلال الأوضاع ومخالفة قواعد الاتفاق النووي وعدم التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما أدى زيادة المواد الانشطارية التي تشكل البداية لإنتاج القنبلة النووية و زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم والتوسع في إنتاج أجهزة الطرد المركزي التي وصلت إلى أكثر من أربعة الآف جهاز مع استخدام نظام ( أي أر 6) في زيادة تخصيب اليورانيوم وبنظام رؤوس فرعية معدلة في منشأة فوردو النووية تحت الأرض.
واستكملت حلقات التطور التكنلوجي واتساع عملية التهرب من العقوبات الاقتصادية في عهد الرئيس جو بايدن الذي اعتمد سياسة ( الاحتواء) وعقد جلسات المفاوضات في العاصمة النمسا ية ( فيينا) في محاولة للوصول إلى اتفاقية جديدة للبرنامج النووي الإيراني مع عقد العديد من الصفقات السياسية مع طهران منها إطلاق سراح الموقوفين في إيران لمواطنين أمريكان من أصول إيرانية مقابل إطلاق مليارات الدولارات من الأموال المجمدة الإيرانية والابقاء على قناة الاتصال الدبلوماسي في العاصمة العربية ( مسقط)، وهذا ما مكن النظام الإيراني في التمدد بمشروعه السياسي في المنطقة ودعم وكلائه وتحقيق غاياته ومصالحها عبر تدفق الأموال إليه والسماح له بإعادة تصدير النفط من قبل إدارة الرئيس بايدن مع استمراره في العمل باتجاه توسيع وتطوير دائرة برنامجه النووي
واعتباره سلاح فعال في أي مفاوضات أو مواجهات قادمة عبرالمتغيرات السياسية التي قد تشهدها أوضاع المنطقة.
أمام هذه الرؤية السياسية التي رافقت وصول مرشح التيار الإصلاحي ( مسعود بزشيكان) للرئاسة الإيرانية والتي ارسلت انطباعًا سياسيًا إيرانيًا لأي رئيس وإدارة أمريكية قادمة استعداد إيران للتفاوض واستخدام سياسة التهدئة والابتعاد عن سياسة التعنت وإظهار القوة وفق معطيات تحافظ فيها إيران على موقعها وتأثيرها الإقليمي ودورها الدولي ومنح الفرصة للرئيس الإيراني الجديد بتأكيد شرعية الحوار والتفاوض مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وإعادة جلسات المفاوضات والبدأ بفتح صفحة جديدة تراعي بقاء النظام والحفاظ على مصالحه والتعاون بالعودة إلى حالة التوازن السياسي والابتعاد عن سياسة الأحلاف بتقريب دول عالمية على أخرى في علاقتها مع إيران والعمل ضمن إطار سقف المصالح الاقتصادية والسياسية للنظام.
ترى إيران أن من مصلحتها ادامة العلاقة مع الإدارة الأمريكية القادمة وطرح مفهوم المصالح المشتركة مع أي إدارة قادمة، وهذا ما تضمنته الرؤية السياسية للرئيس مسعود بزشكيان والتي وضع أساسها مستشاره محمد جواد ظريف الذي أصبح رئيسًا للمجلس الأعلى للسياسات الاستراتيجية الإيرانية والتي جعل أولويات النظام بناء علاقات وثيقة مع روسيا والصين وهي ما تتوافق مع توجهات المرشد الأعلى علي خامنئي والذي يمتلك الصلاحيات الكاملة في تحديد أسس مرتكزات العلاقة الخارجية الإيرانية مع دول العالم، لهذا قام الرئيس بزشكيان بالعطاء أهمية التوجه نحو الشرق ليتمكن من الحصول على موافقة المرشد بدعم توجهاته نحو الانفتاح على الغرب ومحاولة العودة بالعلاقات إلى بدايتها والشروع بمفاوضات ثنائية حول البرنامج النووي الإيراني.
هذه المنطلقات التي اوضحها الرئيس مسعود بزشكيان ونشرتها صحيفة طهران تايم، لاقت صداها لدى القيادات العسكرية والأمنية في فيلق القدس والحرس الثوري والتي تعتبر الحلقة الرئيسية التي تلي المرشد الأعلى في الاهتمام بالعلاقة الدولية والإقليمية لإيران ولها رأيها وتوجهاتها عبر مسارات التمسك بما حققته من إنجازات ميدانية في العديد من الأماكن في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما حصل اثناء عقد اجتماع مشترك بين هذه القيادات والرئيس بزشكيان ومناقشة الورقة السياسية التي قدمتها ( دائرة الشؤون الدولية) في فيلق القدس والتي رسمت ملامح الدور الإيراني القادم وفق المتغيرات والمنعطفات التي تعيشها المنطقة، واعطت صورة ميدانية دقيقة تمثلت بضرورة الحفاظ على ما تحقق من مكاسب سياسية وأمنية في مناطق مهمة عبر الدائرة العربية لعدد من عواصمها مع حالة الانفتاح والتأثير الإيراني في مواقع أخرى لدول أسلامية أسيوية والعمل على تمسك إيران بهذه النجاحات وعدم التفريط بها والا فإن المعادلة السياسية ستخسرها الكثير من تأثيراتها الإقليمية، وهذا ما يعني الموافقة والسماح للرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان بالعمل ضمن المحور الدولي الذي تقدم به للمرشد علي خامنئي والانفتاح نحو الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية واستعادة الثقة بإمكانية إعادة جدولة المفاوضات وصولًا للهدف الأسمى والطموح السياسي البراغماتي الإيراني برفع العقوبات وإطلاق الأموال المجمدة واحتفاظ إيران بدورها الإقليمي والسماح لها بإعادة علاقاتها الدولية وتنفيذ معاهداتها مع دول العالم وتصدير ثروتها النفطية وتحديد الدور القادم لإيران في أي حوارات واجتماعات بعد وقع العمليات العسكرية في قطاع غزة باعتبارها لاعب رئيسي يمتلك زمام الكثير من أدوات ( المقاومة الإسلامية) ضمن نطاق وحدة الساحات والتي لاقت الدعم الكبير من النظام الإيراني الذي سعى من ورائها إلى أن يحتفظ له بكرسي في طاولة المفاوضات القادمة لتحديد مستقبل المنطقة.
إن الأبعاد الحقيقية للسياسة الإيرانية تتمثل في هدفين اساسين، أولهما اعتبار إيران دولة إقليمية وفق معطيات الاحتفاظ بما توصلت اليه من تطور في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ مع رفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة وادامة برنامجها المتعلق بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، والثاني الانطلاق نحو سياسة متوازنة مع جميع الدول الكبرى واعتماد مبدأ المصالح المشتركة واقتناص الفرص السياسية في المنطقة وتسخيرها لصالح الأهداف التي تتعلق بالمشروع الإيراني.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة