أميركا والصين ثم الهند

أميركا والصين ثم الهند

يشكل البلدان، الولايات المتحدة والصين معاً، نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي. ولو قسنا ذلك بالقوة الشرائية للدخول، لانخفضت النسبة إلى 33%، وفي كلا البلدين أكبر عدد من أصحاب المليارات (المليارديرات)، والذين يزداد عددهم حتى جائحة كورونا بشكل ملفت للنظر، ولكن البلدين يشهدان الآن قضايا إنسانية عميقة، فالولايات المتحدة تشهد حالياً مظاهراتٍ، سلمية وعنيفة في آن، احتجاجاً على مقتل مواطن أميركي من أصول أفريقية.

ولقد سبق مقتله بالخنق بركبة أحد رجال الشرطة البيض كلام كثير عن أن نصيب الملونين من كل الأصول بعدوى “كوفيد – 19” ثلاث مرات أكثر من نصيب البيض.

ولذلك، بات الاتهام موجهاً إلى الإدارة الأميركية بأنها لا تأبه بهم وتميز ضدهم. وقد تحول هذا الانطباع الذي عزّزه الرئيس دونالد ترامب بتصريحاته الخرقاء إلى قناعة تامة لدى كثيرين من الشّاعرين بالتهميش في الولايات المتحدة.

هذا كان الأوكسجين، أو الشرط الضروري للمظاهرات والاحتجاجات. وصحيحٌ أنه لا نار بدون أوكسجين، ولكن وجوده لا يكفي وحده لإشعالها.

وهنا أتى الشرط الضروري، أو عود الثقاب، عن طريق دفع ورقة من فئة العشرين دولاراً لشراء علبة سجائر من دكان أصحابه أميركيون، من مدينة الخليل الفلسطينية أصلاً. ولما طلبوا الشرطة وفقاً للتعليمات المتبعة في هذه الحالة، حضرت الشرطة، ومات جورج فلويد الذي كان نفسه بريئاً، ويحمل الورقة النقدية المزيفة من دون علمه.

أما الصين، فهي متهمة بإساءة معاملة مسلمي الإيغور الذين يعيشون في مقاطعة شينيانغ، ومسلمين من أصول إثنية أخرى يعيشون في منطقة كوانشو (جنوب). وقد واجهت الصين عمليات إرهابية فيها، واتهمت “الإيغور” بارتكابها.

وسعت، منذ ذلك الحين، إلى إعادة تأهيل هؤلاء ذهنياً وثقافياً لتبعدهم عن المعتقدات الدينية التي يؤمنون بها، وأسكنتهم في أماكن ضيقة، مستغلة الظرف لكي تستبدلهم بالصينيين الـ”هان”، ولكي تغير المزيج السكاني هناك.

وفي الوقت نفسه، عادت الاحتجاجات إلى شوارع هونغ كونغ، ولكن بوتيرة أقل، بسبب تبنّي قانون للطوارئ، يطبق على كل مقاطعات الصين، بما فيها هونغ كونغ.

وجاء رد الفعل الأميركي والأوروبي على ذلك سريعاً، بأن أجرى بعض السياسيين اتصالات مع رئيسة تايوان، والتي اعتبرتها بكين تحدياً سافراً لسيادتها، وكذلك تتهم الدوائر الصينية الدول الغربية بتسعير الفتنة في هونغ كونغ.

أمام هذه التحديات، فإن الهند، والتي أدرج دونالد ترامب اسمها من بين الدول التي سيدعوها إلى قمة السبع في سبتمبر/ أيلول المقبل، بعدما فشل في عقدها في هذه الأيام، وقد قامت الحكومة الهندية بإجراءات استنفرت المسلمين في الهند والباكستان.

فقد أعلن رئيس وزراء الهندي العنصري، ناريندا مودي، ضم كشمير إليها نهائياً، وأصدرت قانون جنسية يحرم المسلمين من طلبها، ما أدى إلى حرمان كثيرين من مسلمي الهند نفسها ممن لا يحملون وثائق الجنسية من طلبها. وزار مودي إسرائيل وعقد معها اتفاقيات، من دون أن يزور رام الله.

والهند من الدول الصاعدة اقتصادياً، وستصبح قريباً ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وتشكل مع الولايات المتحدة والصين ما يساوي 45% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ومع أن توزيع الدخل في الهند قد تحسّن كثيراً، حيث صعد في العقدين الأخيرين حوالي 250 مليون شخص إلى الطبقة المتوسطة، إلا أن الفقر فيها ما زال قضية مستعصية.

إذن، نحن أمام واقع عالمي مضطرب، وتزداد فيه الهوة بين الفقراء والأغنياء اتساعاً وعمقاً، وبخاصة في أكبر اقتصادات العالم، فهل يشي هذا الوضع باستقرار بين الدول وداخلها؟

هذا الذي يجري في الدول الثلاث الكبرى هو الذي يمهد الأرضية لحكومة اليمين الإسرائيلي لكي تمارس أفعالها العنصرية ضد الفلسطينيين، وأن يجري الانقسام داخلها بين اليهود من أصول شرقية وعربية وباقي يهود أوروبا الذين تقلص عددهم، وتراجع تأثيرهم السياسي، وإن كانوا لا يزالون يحتفظون بكثير من رصيدهم الاقتصادي داخل إسرائيل وخارجها.

يبدو أن العنصرية قد بدأت تطغى على تفكير البشر. وقد أبرزت ظاهرة اللجوء إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، وكذا ظاهرة كوفيد، أسوأ الطباع البشرية في التمييز، وممارسته على أسس عنصرية ودينية.

وقد يعتقد بعضهم أن العرب وحدهم هم ضحايا هذا الواقع، ويشعر المسلمون بالأمر نفسه. ولكن الحقيقة أن قارات أفريقيا، وأجزاء كبيرة من آسيا، ودول أميركا اللاتينية تشعر بالتمييز الممارس ضدها، فهل سنعود إلى حقبة ما بعد الاستعمار الأوروبي، لنرى محاولاتٍ لإبراز الدول النامية التي تتعرّض ثرواتها للغزو والنهب؟ وهل سنرى التاريخ يكرّر نفسه، لكي يحدث تغييرات سطحية، تبقي الأمور في أعماقها على ما كانت عليه؟

جواد العناني

العربي الجديد