إيران والشرق الأوسط

إيران والشرق الأوسط

منطقة بلودان التي تبعد 50 كم شمال غرب دمشق تعتبر موقعا سياحيا ساحرا، المشهد الجبلي والطقس المريح في الصيف والثلوج في الشتاء والفواكه اللذيذة والقرب من العاصمة السورية. كل هذا جعل المنطقة في الماضي مكان لحجيج الملوك والمتنفذين. وبعد ذلك اثرياء الشرق الاوسط. حجز مكان للمبيت يجب أن يتم قبل زمن طويل، هذا رغم كثرة الفنادق في بلودان. وأحد هذه الفنادق هو فندق بلودان التاريخي الذي أجريت فيه في 1937 محادثات القيادة العربية من اجل الرد على لجنة فيل. تطل منطقة بلودان على غور الزبداني الاخضر الذي كان العرب والسوريون يتدفقون اليه قبل اربع سنوات، والذي أصبح الآن جزءا من ارض المعركة، فقد حولته قوات حزب الله وحرس الثورة الإيراني الى موقع لوجستي وعملياتي يقصفون منه الزبداني، المدينة التي معظم سكانها من السنة والتي سيطرت عليها حتى الآونة الاخيرة قوات “أحرار الشام”، وهي احدى المليشيات القوية التي تحارب ضد نظام الاسد. الزبداني تحولت الى مدينة أشباح، ولكن في يوم الأربعاء الماضي حدث تطور استثنائي في ختام النقاشات التي أجراها أحرار الشام مع وفد إيراني وصل بشكل خاص الى تركيا. وقد وافقت الاطراف على وقف اطلاق النار مدة 48 ساعة يستطيع خلالها المتمردون الخروج من المدينة مع اسلحتهم، وفي المقابل يوافق النظام على ادخال الغذاء والدواء اليها. لم يكن هذا هو وقف اطلاق النار المحلي الاول، ولكن الجديد في الامر هو الوسطاء الذين حققوه. فعلى غير العادة المتعارف عليها، حيث أن قادة المليشيات يتناقشون مع القادة العسكريين من الطرف الآخر، كانت في هذه المرة إيران وتركيا هما اللتان قررتا تعميق مستوى تدخلهما في الساحة المحلية. إن وقف اطلاق النار في الزبداني، حتى لو لم يستمر ويصمد، مهم بسبب أنه بين إيران وتركيا توجد علاقات فيها مفارقات. فإيران تعارض اسقاط نظام الاسد وتراقب بشك ما يحدث بين تركيا والسعودية. ورغم أن إيران تعتبر تنظيم داعش عدو خطير، إلا أنها قلقة من موافقة تركيا على السماح للطائرات الاميركية باستخدام اراضيها ضد التنظيم. ومع ذلك فإن إيران وتركيا تستعدان لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي. فإيران هي مصدرة الغاز الثانية في أهميتها بالنسبة لتركيا (بعد روسيا)، وهي تشتري منها 30 بالمئة من الغاز الذي تحتاجه، وأنقرة هي زبونة مهمة للطاقة الإيرانية ومن شأنها أن توفر جزءً هاما من الاحتياجات الأساسية لإيران. وعلى الرغم من التناقض في المصالح فقد نجحت الدولتان في تحقيق وقف اطلاق النار في الزبداني. العلاقات بين إيران وتركيا هي مثال فقط على طموحات إيران لخلق استراتيجية جديدة، اقليمية ودولية، تحولها بعد الاتفاق النووي الى قوة عظمى معترف بها وشرعية. إيران لم تجمد نشاطها الاقليمي خلال فترة المفاوضات النووية، لكن شعورها، كما هو شعور القوى العظمى الغربية، بأن كل عمل إيراني اقليمي يجب أن يراعي الموضوع النووي، وأن الاتفاق النووي بحد ذاته هو أسير لسياسة إيران في المنطقة. فقد فرضت المفاوضات الحد من التدخل الامريكي العسكري في سورية والعراق، بعد أن أعلنت إيران أنها لن تعارض هذا التدخل. وقد كانت الهجمات في سورية طابو واقتصرت على قصف المناطق التي يسيطر عليها داعش. التوازنات والكوابح التي أوجدتها مفاوضات السلاح النووي أمام نشاط القوى العظمى في سورية منذ 2013، والخوف من رد إيران على هذا التدخل في السنتين الأولتين للحرب، رسمت مباديء الاستراتيجية الغربية التي تحولت إلى سياسة مشلولة. وهذا لا يعني أنه الان بعد أن تحرر الغرب ظاهريا من ظل اتفاق السلاح النووي، ستتوجه القوى العظمى للتدخل العسكري المكثف. بل العكس، إيران تقترح خدماتها كوسيط ومبادر للحل السياسي، وهذه المرة شريكة لا يتم رفضها من القوى العظمى. نشرت في الاسبوع الماضي الصيغة التي تقترحها إيران في سورية وهي تستند الى وقف اطلاق النار من جميع الاطراف؛ معالجة القضايا الانسانية التي تتعلق بالحرب؛ صياغة دستور يضمن الدفاع عن الاقلية العلوية وإجراء الانتخابات. وفي أثناء هذه العملية، وحتى الانتخابات فإن إيران تطالب باستمرار الاسد كرئيس. هذا الاقتراح قدمته إيران لروسيا. إيران تقترح ايضا اقامة لجنة دولية في تشرين الاول تتكون من القوى العظمى التي ادارت المفاوضات حول الاتفاق النووي اضافة الى السعودية وتركيا، بحيث تعمل هذه اللجنة برعاية الامم المتحدة من اجل التوصل الى حل متفق عليه. واذا تم قبول هذا الاقتراح فان هذه اللجنة ستتحول الى مصدر الصلاحية لأي خطوة سياسية في سورية وبذلك يلغى “اعلان جنيف” في حزيران 2012، الذي وضع خريطة الطريق لنقل السلطة. ولم تكن إيران مشاركة في مؤتمر جنيف، لكنها قد تتحول الآن الى القوة الاساسية التي تفرض الاجراءات السياسية. تركيا من ناحيتها لم تؤيد بعد هذه الصيغة والولايات المتحدة ما زالت تعارض بقاء الاسد في الحكم ايضا في المرحلة الانتقالية، لكن واشنطن وحلفائها لا يملكون في الوقت الحالي أي بديل سياسي. وفي المقابل فانه واضح للولايات المتحدة أن الخطة الإيرانية تضع تحديا صعبا. فبخلاف إيران التي تستطيع المطالبة من الاسد بتبني وقف اطلاق النار، مشكوك فيه اذا كان للولايات المتحدة هذا القدر من التأثير على المليشيات المتمردة. الصيغة الإيرانية مقبولة على موسكو وهي تحاول تسويقها لدى منظمات الثوار والسعودية التي تعارض أي خطوة إيرانية. وقد التقى هذا الاسبوع رئيس ائتلاف التنظيمات المعارضة في سورية مع وزير الخارجية الروسي سرجيه لافروف بعد ايام قليلة من لقاء لافروف مع وزير الخارجية السعودي وبعد أن أجرى محادثات هاتفية مطولة مع بشار الأسد. وحسب التقارير في وسائل الاعلام العربية فان هذه اللقاءات تهدف الى اقناع الاطراف بقبول الصيغة الإيرانية. رسميا يتم تقديم الصيغة على أنها مبادرة روسية تطالب روسيا بعرضها في اجتماع الهيئة العامة للامم المتحدة في أيلول. لا تكتفي إيران بايجاد حل لسورية. فاليمن هو مركز صراع مشتعل آخر بينها وبين السعودية. ومثلما في سورية قد تظهر إيران في الجبهة اليمنية كشريكة عقلانية تستخدم المساعدة الكبيرة التي تمنحها للحوثيين كرافعة ضغط من أجل المعارك. ومن دافع عن إيران في موضوع اليمن كان رئيس الولايات المتحدة براك اوباما، الذي قال في الاسبوع الماضي أمام عدد من الصحفيين إن إيران هي التي حاولت في 2014 كبح الحوثيين واحتلال صنعاء. “عندما بدأ الحوثيون بالهجوم لم يتم ذلك بأمر من قاسم سليماني أو حرس الثورة الإيراني”، قال اوباما. واشنطن التي تعتبر داعش والقاعدة التهديد الأساسي في الشرق الاوسط، تجد في الحوثيين شركاء محتملين ضد المنظمات السنية في اليمن. “لا يمكن محاربة منظمات متطرفة مثل داعش وفي نفس الوقت ترك المجال لهم للازدهار في اليمن وسورية”، كتب ظريف في مقالة نشرت في اربع صحف عربية. ولم يكن ظريف ليصيغ مواقف واشنطن بشكل أفضل من ذلك، التي بدورها لا تتجرأ على قول هذه الامور بصوت عال. هذا التماثل في المصالح والخوف من العلاقة الغرامية السياسية بين الولايات المتحدة وإيران هو ما يقلق السعودية بدرجة كبيرة.

الغد الاردني