تفيد “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” OECD بأن اقتصاد المملكة المتحدة سيتقلص بمعدل أكبر من كل بلد آخر في العالم المتقدم، نتيجة فيروس كورونا.
وتتوقع أن تبلغ نسبة الانكماش 11.5 في المئة هذا العام، فتفوق النسب المرجح أن تشهدها إسبانيا وفرنسا وإيطاليا التي عانت بعضاً من أسوأ حالات تفشي فيروس كورونا وطبقت شروطاً للإقفال أقسى مما فعلته المملكة المتحدة.
وعلى نحوٍ مماثل، تتوقع المنظمة التي تمثل حكومات البلدان الغنية أن يتقلص الاقتصاد البريطاني بـ14 في المئة إذا ضربت ذروة ثانية من حالات “كوفيد 19”. وكذلك تتوقع المنظمة أن يتقلص الاقتصاد العالمي بنسبة 6 في المئة، ما يشكّل أكبر انكماش من نوعه تتوقعه المنظمة في تاريخها الممتد لـ60 سنة.
ويقدّم البحث الذي يغطي 46 دولة صناعية، تحذيراً آخر لحكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في وقت تعلن هذه الحكومة خططاً لتخفيف مجموعة من القيود خلال الأسابيع المقبلة.
وفي ذلك الشأن، أكد وزير الأعمال ألوك شارما الثلاثاء الماضي، إنه من المقرر للمحلات غير الأساسية أن تفتح أبوابها في 15 يونيو (حزيران)، في حين يُتوقَّع أن تعاود الحانات استقبال العملاء بدءاً من 4 يوليو (تموز).
تأتي هذه الإجراءات التخفيفية على الرغم من أن بحثاً أجرته هيئة “الصحة العامة في إنجلترا” قدّر وجود حوالي 17 ألف إصابة جديدة يومياً بكورونا، مع ارتفاع معدلات العدوى في الشمال الغربي والجنوب الغربي وعلى المستوى الوطني، إذ تقدر هيئة “الصحة العامة في إنجلترا” أن متوسط عدد الناس الذين يصيبهم الشخص الواحد بالعدوى، أو “معدّل العدوى”، يقترب من واحد، ما يعني أن كل زيادة صغيرة في ذلك المعدل ستترجم قفزة جديدة في عدد الحالات.
وفي الأسبوع الماضي، عبّرت المؤسسة الخيرية المعروفة باسم “كلية الصحة العامة” The Faculty of Public Health، عن قلقها من أن يكون عدد الناس الذين لا يزالون يحملون الفيروس أكبر مما يتلاءم مع عودة البلاد إلى “وضع قريب من الحياة الطبيعية”.
وكتبت رئيسة المؤسّسة ماغي راي في “الدورية الطبية البريطانية” British Medical Journal، إنها تعتقد “بأن الأولوية الطارئة للمملكة المتحدة تتمثل في تعلّم النجاح من البلدان الناجحة، ويكون ذلك بأن تحدد هدفاً يتلخص في عدم ظهور حالات مجتمعية جديدة من “كوفيد 19″ بأسرع ما يمكن”.
وفي ذلك المنحى، ركز واضعو التوقعات في تقرير “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” OECD على إمكانية حدوث “سيناريوهين محتملين بالقدر نفسه”. ويتمثّل الأول في أن تضرب موجة ثانية من العدوى مع تجديد حالات الإقفال قبل نهاية 2020، ويتضمن الثاني تجنب موجة أخرى بارزة من تفشي كورونا.
وإذا تحقق السيناريو الثاني، يقدر خبراء المنظمة أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني سيتراجع بـ11.5 في المئة هذا العام، وذلك بانخفاض يفوق نظيره الذي حدث في 2009 صبيحة الأزمة المالية العالمية، بثلاثة أضعاف تقريباً.
وكذلك تبين للمنظمة أن قطاعات التجارة والسياحة والضيافة التي تشكل جزءاً كبيراً من الاقتصاد البريطاني، عانت في شكل خاص من تداعيات الفيروس.
وفي إطار تلك الصورة، يُتوقّع أن ينكمش اقتصادا فرنسا وإسبانيا بـ11.4 في المئة، على أن يكون وضع إيطاليا أفضل في شكل هامشي، بمعنى أن يتقلص اقتصادها بـ11.3 في المئة.
وبالنسبة إلى ألمانيا التي تحكمت في الجائحة بشكل أكثر فاعلية بالمقارنة ببلدان أوروبية كثيرة أخرى، فيُرجَّح أن يتقلص اقتصادها بـ6.6 في المئة هذا العام.
وإذا ضربت موجة ثانية من حالات العدوى وأُجبِرَت البلدان على إعادة فرض بعض القيود على حريات الناس، تتوقع المنظمة أن تشهد إسبانيا الركود الأسوأ إذ يتقلص اقتصادها بـ14.4 في المئة بالمقارنة بـ 14 في المئة في المملكة المتحدة.
وفي ذلك الصدد، ذكر الأمين العام للمنظمة أنخيل غوريا إن التراجع البالغ 6 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكبر بكثير من كل تراجع توقعناه في السنوات الـ60 التي مرت على تأسيس المنظمة. ووفق كلماته، “أصبح مئات الملايين من الناس عاطلين من العمل، وقد حدث هذا في ظل السيناريو الذي يستبعد حصول موجة ثانية من حالات العدوى”.
وأضاف أنه لو قيّض لموجة ثانية من كورونا أن تضرب، فيُتوقَّع تقلص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكثر من 7.5 في المئة وأن يفقد 40 مليون شخص إضافي وظائفهم. وكرر تحذيره من أن اعتبار الجائحة خياراً بين الحياة من جهة وسبل الحياة من جهة أخرى، يشكّل “معضلة زائفة”. وبحسب السيد غوريا، “إن لم يجرِ التوصّل إلى ضبط الفيروس، لن يحصل تعافٍ اقتصادي متين”.
وعلى نحو مماثل، ذكرت كبيرة الاقتصاديين في “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، لوارنس بون، “إن السيناريوهين واقعيان، فالنشاط الاقتصادي لا يعود ولا يمكن أن يعود إلى طبيعته في ظل هذه الظروف. وبحلول نهاية 2021 سيكون الدخل الضائع أكبر مما حصل في كل ركود سابق خلال السنوات المئة الماضية، باستثناء سنوات الحربين العالميتين، وستكون العواقب وخيمة على الناس والشركات والحكومات”.
وأضافت، “ستكون سياسات استثنائية مطلوبة من أجل العبور الحذر إلى التعافي. وحتى لو قفز معدل النمو في بعض القطاعات، سيبقى النشاط العام مكبوتاً لفترة ما. وكذلك يمكن الحكومات أن توفر شبكات الأمان التي تسمح للناس والشركات بالتأقلم، لكنها لا تستطيع دعم النشاط والتوظيف والرواتب في القطاع الخاص لفترة طويلة”. وفي رد على التقرير، أشار ريتشي سوناك إلى إن المملكة المتحدة ليست البلد الوحيد الذي سيعاني من ضرر اقتصادي.
وأَضاف وزير المالية البريطاني، “في شكل مشترك مع اقتصادات أخرى كثيرة حول العالم، نشهد الأثر الكبير لفيروس كورونا في بلادنا واقتصادنا. وسيضمن العمل غير المسبوق الذي أنجزناه لأجل توفير حبال النجاة التي تساعد الناس والأعمال في عبور مرحلة التعطل الاقتصادي، أن يأتي انتعاشنا الاقتصادي أقوى وأسرع إلى أقصى حدّ ممكن”.
بن تشامبان
اندبندت عربي