إيران بين التراجع الأوروبي والمستجد العراقي

إيران بين التراجع الأوروبي والمستجد العراقي

في الوقت الذي تتحضر واشنطن للدفع بمسودة مشروعها الى مجلس الامن الدولي لإصدار قرار يمسح بتمديد حظر التسلح المفروض على إيران في الاتفاق النووي، والذي ينتهي مفعوله في الـ 18 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل 2020، يبدو ان منسوب القلق الإيراني بدأ يزداد مع اقتراب موعد الانتقال لفتح النقاش حوله داخل اروقة الامم المتحدة بشكل أكثر جدية ودخوله مرحلة تحديد مواقف الاطراف المعنية بهذا الاتفاق.

وإذا ما كانت طهران تراهن على موقف سلبي نسبي من شريكين اساسيين لها في الاتفاق النووي وداخل مجلس الامن، اي الموقفان الروسي والصيني، وامكانية استخدام الفيتو ضد مشروع القرار الأميركي، لجهة أن هذين البلدين يريان أن ارتدادات القرار الأميركي لا تطال فقط طهران المستهدف الاول به، بل تصل شظاياه وآثاره وترتد عليهما لجهة أنهما أكثر الجهات والاطراف المستفيدة من رفع حظر التسليح، وان مصانعهما العسكرية بانتظار لحظة الصفر والموعد المحدد لرفع الحظر لتفعيل محركات هذه المصانع لتلبية الاحتياجات الإيرانية في المجال العسكري والتسليحي.

ويبدو ان طهران، خصوصاً ادارة الرئيس حسن روحاني، مسؤول دبلوماسيتها، فقدت كل رهاناتها على امكانية الحصول على موقف اوروبي صلب امام الجهود الأميركية في فرض مزيد من الحصار على إيران ونظامها، وتحديداً الترويكا الأوروبية، الشركاء الاساسيين في الاتفاق النووي (المانيا وبريطانيا وفرنسا) ومعهم الاتحاد الاوروبي، وقد زاد من منسوب هذا “الاحباط” ما حصل في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي اصدر لأول مرة منذ ثماني سنوات بياناً يدين فيه عدم تعاون إيران في تسهيل عمل المفتشين الدوليين بالوصول الى اثنين على الاقل من المواقع النووية التي يشتبه بأنها استخدمت وتستخدم في بعض الانشطة بعيداً عن الرقابة الدولية، واعتبرت طهران ان هذا التصرف يسهّل على الطرف الأميركي الحصول على ما يريده في مجلس الامن لأنه يفتح الطريق امام اعادة تفعيل آلية فضّ النزاعات وعودة العقوبات الدولية ومن ضمنها حظر التسلح، ولا تقف عند حدود الاقتراح الاوروبي بتمديد حظر التسلح حتى عام 2023، الامر الذي دفع وزير الخارجية محمد جواد ظريف الى محاولة إحراج الترويكا الاوروبية ووضعها امام تحدي الكشف عن مواقفها التي كانت تعلنها امام المفاوض الإيراني في الخفاء وخلف الابواب المغلقة والتي تتناقض مع مواقفها المعلنة، واتهامها بانها خاضعة وعاجزة امام “العنجهية الأميركية وانها تتضامن مع ترمب ونتنياهو لذلك لا يحق لها توجيه التوصيات لإيران”.

التحديات

وامام عودة التحديات الدولية بالتراكم امام حكومة روحاني والتي تتضافر مع التحديات الداخلية، يبدو ان النظام الإيراني يسعى مجبراً لاستثمار التعاون غير المباشر الذي بدأه مع الادارة الأميركية على الساحة العراقية، عندما سمح الطرف الذي يملك القرار ويتحكم به داخل النظام بتمرير والموافقة على وصول مصطفى الكاظمي الى رئاسة الوزراء والانحناء امام العاصفة العراقية والاقليمية والدولية الرافضة للهيمنة الإيرانية على الساحة العراقية، وهي العاصفة التي أحسّت طهران انها أكثر جدية غير غيرها في آليات الصراع بينها وبين واشنطن على الساحة الاقليمية خصوصاً بعد الرسالة الدامية التي تلقتها باغتيال الجنرال قاسم سليماني بالقرب من مطار بغداد والذي أحدث اغتياله اختلالاً واضحاً في ميزان القوة الإيرانية لصالح واشنطن وبعض الدول الاخرى في الاقليم.

فتح قنوات

وفي هذا الاطار، تحاول القيادة الإيرانية العودة الى فتح قنوات حوار وتفاهم مع واشنطن من البوابة العراقية التي تحولت في الاسابيع القليلة الماضية الى منصة لبعض الرسائل الايجابية بين الطرفين من خلال الاغضاء الأميركي عن اتفاقيات التعاون الإيراني العراقي الاقتصادية والمالية وفي مجال الطاقة والغاز، لذلك فإن هذه القيادة تنتظر بكثير من الايجابية الى الزيارة التي من المفترض ان يقوم بها وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين الى طهران في اطار جولة تقوده الى العاصمة السعودية الرياض في الايام المقبلة، وهي من المفترض ان تشكل تمهيداً دبلوماسياً لجولة اوسع سيقوم بها رئيس الوزراء العراقي الكاظمي الى طهران والرياض وواشنطن، والتي من المتوقع ان تصب في اطار ترجمة الدور الذي يطمح الكاظمي للقيام به على المستويين الاقليمي والدولي، اي استكمال ما سبق ان بدأه كل من سلفه عادل عبد المهدي في فتح قنوات حوار بين طهران والرياض من جهة، وطهران وواشنطن من جهة اخرى، الا ان حركة الكاظمي تنطلق من ارضية أكثر صلابة لجهة الثقة التي يحظى بها من هذه الاطراف أكثر من عبد المهدي، فضلاً عن قدرته على توظيف ما يمكن ان تحمله المحادثات الاستراتيجية بين واشنطن وبغداد من مخرجات قد تؤسس لمرحلة جديدة من التعامل الأميركي الإيراني مع العراق في المرحلة المقبلة.

خطوات إيجابية

فرص الكاظمي في تحقيق خطوات ايجابية في الحد من تزايد التوتر بين طهران من جهة، وواشنطن والدول العربية من جهة اخرى تبدو أكثر امكانية في ظل حاجة الطرفين لمثل هذه الاختراقات، لتداخل العوامل والمؤثرات في هذه الجهود التي تتزايد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وحاجة الادارة لتحقيق منجز على الصعيد الدولي يساعد ترمب في تعزيز حظوظه بالعودة الى البيت الابيض، في حين ان طهران لا تريد الصراخ في لعبة عض الاصابع في صراعها مع واشنطن في الاقليم، خصوصاً بعد تراجعها الواضح في العراق والانهيارات الاقتصادية التي يعاني منها حلفاؤها في سوريا ولبنان بعد قانون قيصر فضلاً عن الانهيار غير المسبوق في سعر العملة المحلية الإيرانية وما يعنيه ذلك من تفاقم التحديات الداخلية وكلها مفتوحه على جميع الاحتمالات غير الايجابية.

حسن فحص

اندبندت عربي