مستشارون في حكومة الكاظمي يراجعون اتفاقيات مع إيران

مستشارون في حكومة الكاظمي يراجعون اتفاقيات مع إيران

كشف مسؤول عراقي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء في بغداد، لـ”العربي الجديد”، أن عدداً من مستشاري رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بصدد مراجعة اتفاقيات أبرمها رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي مع الجانب الإيراني، خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى بغداد، في مارس/آذار من العام الماضي، واعتبرت مضرة بالعراق مالياً واقتصادياً، وتم توقيعها في ظروف وأجواء اعتبرت ذات بُعد سياسي.
ومن بين هذه الاتفاقيات إلغاء رسوم التأشيرات التي حرمت العراق من نحو 250 مليون دولار سنوياً، عن رسوم دخول نحو 3.5 ملايين سائح ديني إيراني إلى المدن المقدسة في العراق، واتفاقيات تتعلق بالتبادل التجاري، وإنشاء مدن صناعية مشتركة ومناطق تبادل تجاري على الحدود، يجدها خبراء اقتصاد ومختصون أنها ستؤدي في المحصلة، في حال إنشائها، إلى ضرر كبير بالمنتج الوطني، خصوصاً مع انهيار العملة الإيرانية، وانخفاض أسعار منتجاتها المصدّرة للعراق، فضلاً عن تفاهمات أخرى تم إبرامها خلال زيارة روحاني إلى العراق بعد مدة من تولي عبد المهدي رئاسة الحكومة.

دعمت الفصائل المسلحة المنضوية ضمن “الحشد الشعبي” إبرام الاتفاقيات مع إيران

ووفقاً للمسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، فإن رئيس الوزراء قد يتجه فعلاً إلى إلغاء أو تعليق العمل بعدد من تلك الاتفاقيات، أو المطالبة بمراجعتها مرة أخرى. ولفت إلى أن بعض تلك الاتفاقيات غير منطقي، وكأنه هبات بلا مقابل، مثل إلغاء الرسوم وإنشاء مجمعات صناعية ومناطق تبادل تجاري، فما يصدّره العراق لا يتجاوز واحدا في المائة من مجموع ما يستورده من إيران.
لكن المسؤول ذاته رجح أنه سيمضي في موضوع اتفاقيتي ترسيم مياه شط العرب على خط التالوك وكذلك حقول النفط المشتركة، لا سيما الفكة وشرق البصرة. واعتبر أن جائحة كورونا وإغلاق الحدود بين البلدين، والأزمة المالية في العراق وإيران ستكون فرصة مناسبة لإعادة ترتيب أولويات بغداد في الفترة المقبلة، فيما يتعلق بالاتفاقيات الـ22 التي أبرمها عبد المهدي مع الإيرانيين، إذ إن قسماً منها جرى تمريره بضغوط سياسية، أو مجاملات، مثل اتفاقية إلغاء رسوم دخول ملايين الإيرانيين سنوياً للعراق.

مصطفى الكاظمي
تقارير عربية
الكاظمي يهاجم قوى عراقية: أخطاء الماضي سبب الانهيار الاقتصادي

ودعمت الفصائل المسلحة المنضوية ضمن “الحشد الشعبي”، فضلا عن تحالفي “الفتح” و”دولة القانون”، بزعامة هادي العامري ونوري المالكي، خلال فترة حكومة عادل عبد المهدي، التي قدمت استقالتها في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، بفعل الاحتجاجات الشعبية التي تفجرت جنوب ووسط البلاد، إبرام هذه الاتفاقيات التي جاءت بالتزامن مع امتناع سعودي عن الانفتاح على العراق، في خطوة اعتبرت أنها مدعومة أميركياً. ومن بين الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال زيارة روحاني إلى بغداد في مارس الماضي، ترسيم شط العرب، بعد إعادة تنظيفه من الجانبين واعتماد خط التالوك (منتصف النهر) في الترسيم، واتفاقية حقول النفط المشتركة بين البلدين، واتفاقية إنشاء طريق طهران دمشق عبر العراق، واتفاقيات تجارية مختلفة عرفت باسم التبادل التجاري، فضلاً عن إلغاء تأشيرات الدخول ورسومها البالغة 40 دولاراً على كل إيراني، ما حرم العراق من نحو 250 مليون دولار سنوياً، كعائدات السياحة الدينية للمراقد في النجف وكربلاء.

حرم العراق من 250 مليون دولار سنوياً جراء إلغاء رسوم التأشيرات على الإيرانيين

وقال عضو تحالف “القوى العراقية” النائب رعد الدهلكي إن “من ضمن مهام الكاظمي مراجعة الكثير من الاتفاقيات المبهمة، وغير الواضحة بالنسبة للبرلمان العراقي من جهة والشعب والجماهير المنتفضة من جهة أخرى، أبرمت في الحكومة السابقة، ولعل أبرزها اتفاقيات الطاقة بين العراق وإيران، ومنها الكهرباء الإيرانية التي لا تشبه ما هو منصوص عليه في الاتفاق بين البلدين، إذ لا تزال الكهرباء لا تلبي حاجة المواطنين”. وأشار، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الموضوع يتعلق أيضاً بالاتفاقيات بين العراق وتركيا وما يتعلق بحفظ الأمن. هذا الأمر يعرض العراق إلى خسائر بالأرواح والأموال سنوياً بسبب استمرار العمليات العسكرية شمال البلاد. هذه الاتفاقيات بحاجة إلى دراسة جديدة، بالإضافة إلى العلاقة بين بغداد وواشنطن التي لا بد أن تكون ضمن ضوابط معروفة للطرفين، وألا يتجاوز أي طرف الحدود المسموحة له”.
ورأى أنه “يجب أن تكون لدى الكاظمي رؤية واضحة تجاه الخطوات والمشاريع والاتفاقيات والصفقات التي عقدتها الحكومات العراقية السابقة، المليئة بالأخطاء والمغالطات والفساد”، موضحاً أن “البرلمان العراقي جاهز لدعم أي مشروع يخدم الدولة العراقية، ويضرب مشاريع اللادولة التي تتبناها جهات موالية للخارج وذات انتماءات معروفة. هذا لا يعني دعم الكاظمي شخصياً، بل دعم الحراك الحكومي لبناء دولة عراقية قوية وعملية سياسية محترمة وتحظى بثقة العراقيين”.
من جهته، أشار علي البديري، العضو في تحالف “عراقيون”، وهو تحالف سياسي جديد داعم لحكومة الكاظمي، إلى أن “هناك اتفاقيات وتعاملات عراقية جرت في السنوات السابقة مع بلدان أخرى، بعضها يحتاج إلى إعادة نظر وفهم جديد لسياقات بنودها، وفقاً للمعطيات الجديدة والحالة الاقتصادية في العراق”. أما على صعيد البرلمان، فقد بيَّن، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “لجان البرلمان تستعد خلال الأسابيع المقبلة إلى البدء بجملة قراءات لاتفاقيات سابقة، بعضها أضرّ العراق، وأخرى بحاجة إلى تعديلات، كونها من صلاحيات مجلس النواب، وقد يُعاد النظر ببعضها ولا تحصل الموافقة بشأنها”.
الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد الشريفي “لم يستبشر خيراً”، كما قال، في حديثه مع “العربي الجديد”، مبيناً أن “التلاعب بعدادات بعض الصفقات التي تم عقدها مع دول الجوار وغيرها لا ترتبط بمصلحة العراق أولاً، إنما بمصالح جهات وكيانات سياسية وأخرى مسلحة في الداخل العراقي مع الجهات الخارجية. وبالتالي، فإن هذه الجهات العراقية الداخلية، التي تمثل ركناً مهماً من أركان الحكومة والمنظومة الحاكمة، قد لا تسمح للكاظمي بالتمادي على مصالحها ومصالح الجهات الخارجية التي تدعمها”. ولفت إلى أن “العلاقة الاقتصادية العراقية الإيرانية، والاتفاقيات بين بغداد وطهران، مليئة بشبهات الفساد والاختلاسات واستغلال موارد العراق، لكن المشكلة بالقداسة التي تتعامل بها بعض الجهات العراقية مع هذه العلاقة، وبالتالي فهي مستعدة للدخول في حرب على ألا تُمس المصالح الإيرانية، على الرغم من تأثر العراق وتضرره”. وأوضح أن “الحكومة الحالية، برئاسة الكاظمي، ليست أقوى من الدولة العميقة التي تقودها الجماعات المسلحة والأحزاب الفاسدة، وبالتالي فإن عملية إعادة النظر في بعض الاتفاقيات قد يحدث بالفعل، ولكن نتائجه لن تكون بحجم الإعلان عنه”.

زيد سالم

العربي الجديد