أقامت إسرائيل مستوطنة “معاليه أدوميم” على الأراضي الفلسطينية، شرقي القدس عام 1975، لكنها توسعت منذ ذلك الحين، لتصبح كتلة تضم عدة مستوطنات.
وفي عام 1994 أقرت الحكومة الإسرائيلية توسيع المستوطنة ضمن المشروع الاستيطاني “A1” على مساحة 12 كيلومترا مربعا من الأراضي الفلسطينية شرقي مدينة القدس، ما جعلها أكبر الكتل الاستيطانية على أراضي الضفة الغربية.
ومؤخرا، عاد اسم هذه الكتلة بقوة مع حديث مسؤولين إسرائيليين عن نية ضمها إلى إسرائيل، كجزء من مخطط لضم نحو 30 في المئة من الضفة الغربية.
ويتكرر المشهد في جنوب القدس من خلال الكتلة الاستيطانية “غوش عتصيون” التي تضم 18 مستوطنة، تم الشروع بإقامتها مع بدء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967.
وفي ظل الانتقاد الدولي الواسع لمخطط الضم الإسرائيلي، تحاول الحكومة الإسرائيلية التقليل من وطأة ضم هذه الكتلتين.
خليل التفكجي، الخبير الفلسطيني في شؤون الاستيطان، يقول إن ضم الكتلتين من شأنه تحقيق 3 أهداف رئيسية لليمين الإسرائيلي.
وهي إنهاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية بالضفة الغربية بعزل شمالها عن جنوبها، وتكريس ما يعرف بـ”القدس الكبرى”، والهدف الثالث هو منع إقامة عاصمة للدولة الفلسطينية بالقدس الشرقية، بحسب التفكجي.
ويضيف: “عندما يتردد اسم معاليه أدوميم، فالبعض يعتقد خطأ أن الحديث هو عن المستوطنة ولكن إسرائيل تتحدث عن الكتلة التي تضم عدة مستوطنات بما فيها المشروع (إي واحد) ومناطق نفوذ الكتلة الاستيطانية الذي يمتد على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية”.
ويتابع التفكجي: “الأمر ذاته ينطبق على كتلة غوش عتصيون، فالحديث هو ليس عن المستوطنة، وإنما عن الكتلة الاستيطانية والفرق بينهما هائل جدا”.
واستنادا إلى الخبير الفلسطيني فإن عدد المستوطنين في كتلتي “معاليه أدوميم” و”غوش عتصيون”، يزيد عن 140 ألفا.
وتقول حركة “السلام الآن” اليسارية الإسرائيلية المختصة برصد الاستيطان، إن هناك 132 مستوطنة و124 بؤرة استيطانية عشوائية بالضفة الغربية يستوطن فيها أكثر من 428 ألف مستوطن.
ولا تشمل هذه المعطيات 13 مستوطنة، يقطنها أكثر من 220 ألف مستوطن، مقامة على أراضي القدس الشرقية.
وإضافةً إلى كتلتي “معاليه أدوميم” و”غوش عتصيون”، فإن ثمة كتلة ثالثة في الضفة الغربية وهي “أرئيل”، ولكنها بعيدة عن القدس وتقع شمالي الضفة الغربية.
وتحدثت تقارير إسرائيلية عديدة، عن أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يميل إلى بدء الضم من هذه الكتل الاستيطانية الثلاث.
وسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، أن قال إنه يريد ضم نحو 30 في المئة من الضفة الغربية.
ويقول التفكجي: “تشكل الكتل الاستيطانية معاليه أدوميم وغوش عتصيون وأرئيل، نحو 10% من مساحة الضفة الغربية”.
ويرفض اعتبار أن تأجيل الضم عن الأول من يوليو/تموز، هو بمثابة هزيمة لمشروع الضم، ويرى أنه “مجرد تأجيل تكتيكي لضمان الإجماع داخل الحكومة الإسرائيلية والتوصل إلى تفاهم مع الإدارة الأمريكية”.
ويميل التفكجي، الذي يرصد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية منذ عقود، إلى الاعتقاد بأن الضم سيبدأ فعليا من كتلتي “معاليه أدوميم” و”غوش عتصيون”.
واستنادا إلى أبحاثه، فإن من المرجح أن تضم إسرائيل كتلتي “معاليه أدوميم” و”غوش عتصيون” إلى حدود بلدية القدس الغربية، مع إخراج أحياء فلسطينية ذات كثافة سكانية عالية من حدود هذه البلدية.
ويقول: “هناك إجماع في إسرائيل على ضم معاليه أدوميم، وغوش عتصيون، وعليه فإن الحكومة الإسرائيلية لن تواجه إي إشكالية في ترويج هذا الضم”.
ويضيف: “ضم هاتين الكتلتين من شأنه أن يكرس (مشروع) القدس الكبرى، ومنع أي إمكانية لقيام عاصمة للدولة الفلسطينية بالقدس الشرقية”.
ويردف: “ضم هاتين الكتلتين وإخراج كفر عقب ومخيم شعفاط، شمالي القدس، من حدود ما يسمى بلدية القدس من شأنه أن يحقق المخطط الديمغرافي الإسرائيلي وهو وجود أغلبية يهودية وأقلية فلسطينية في مدينة القدس”.
وتشير تقديرات فلسطينية إلى أن نحو 120 ألف فلسطيني، يقيمون في كفر عقب ومخيم شعفاط، وهو ما يشكل نحو ثلث عدد الفلسطينيين بالقدس الشرقية.
ويفصل الجدار الإسرائيلي كفر عقب ومخيم شعفاط، عن باقي الأحياء الفلسطينية بالقدس الشرقية، ولكن سكانها ما زالوا يحملون الهويات المقدسية.
وكانت “صفقة القرن” الأمريكية المزعومة، قد اقترحت إقامة عاصمة للدولة الفلسطينية في كفر عقب أو مخيم شعفاط أو بلدة أبو ديس، شرق القدس.
ورفض الفلسطينيون “صفقة القرن” لأسباب عديدة، بينها أنها تُبقي القدس الشرقية، بما فيها البلدة القديمة حيث تتواجد الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، تحت السيطرة الدائمة لإسرائيل.
ومن أجل ضم الكتلتين “معاليه أدوميم” و”غوش عتصيون” إلى حدود بلدية القدس الغربية، وإخراج كفر عقب ومخيم شعفاط منها، فإن ذلك يتطلب مصادقة الكنيست (البرلمان الإسرائيلي).
ويقول التفكجي بهذا الخصوص: “يعتبر هذا تعديلا لحدود القدس وهو يتطلب مصادقة الكنيست، ولكن نتنياهو لن يواجه أي إشكالية في الحصول على تأييد البرلمان الذي تهيمن عليه قوى اليمين”.
ويلفت إلى أن إسرائيل تتجهز منذ سنوات لعملية ضم الكتلتين “معاليه أدوميم” و”غوش عتصيون”، مبيناً أنها “جاهزة للضم، وبإمكانها أن تنفذه في أي لحظة في حال وجود قرار من الحكومة الإسرائيلية”.
ويضيف: “البنى التحتية جاهزة والشوارع جاهزة، وبالتالي فإن الضم سيكون فوريا، ولن يكون بحاجة إلى وقت للتنفيذ”.
ويكمل: “حاليا يجري وضع اللمسات الأخيرة على شارعين في محيط القدس أحدهما يربط وسط الضفة الغربية مع جنوبها والآخر يوصل ما بين المستوطنات الإسرائيلية في جنوب القدس مع تلك الموجودة في شرق المدينة”.
ويفسر قائلا: “وهذا يعني تحديدا وصل كتلة غوش عتصيون مع كتلة معاليه أدوميم، وتطلق عليه إسرائيل اسم (الشارع الأمريكي) مع أنه يمر على الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد اعترفت نهاية عام 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن المجتمع الدولي، ما يزال يعتبر القدس الشرقية، مدينة محتلة، وعاصمة للدولة الفلسطينية الواعدة.
(الأناضول)