تعتبر الدبلوماسية السرية غالبا، جانبا رئيسا في العلاقات الدولية، سواء كان ذلك بين القوى العظمى أو الدول الأصغر. وأدين البعض لممارستها وأجبر البعض الآخر على الاستقالة بسببها، لكنها بقيت سارية المفعول في العديد من الأوساط السياسية.
وغالبا ما تتوصّل الدول إلى حل وسط وتصوغ الاتفاقيات النهائية من خلال الدبلوماسية السرية. ويمكن أن نذكر على سبيل المثال اتفاقية بريسبس التي صيغت وراء الكواليس.
لا يمكن التساؤل عما إذا كان الجميع يوافق على نتيجة مفاوضات معينة (وهذه قضية أخرى). لكن من المفروض أن يتركز الحوار حول حقيقة وجوب خوض ساعات من المناقشات بعيدا عن الأضواء من أجل تحقيق نتائج فعالة على رقعة الشطرنج الدولية.
وفي حالة العلاقات اليونانية التركية، تتطلب هذه المفاوضات إشراف أشخاص يثق بهم رئيس الوزراء اليوناني والرئيس التركي. كما يجب أن يكونوا متمكّنين من كافة القضايا وقادرين على التشاور مباشرة مع إدراك الطرفين لحقيقة أن ما يقوله الآخر يعكس منطق قائده الذي يتمتع بالسلطة لاتخاذ الإجراءات اللازمة. وتبقى هذه التحركات ضرورية للقادة لاتخاذ الخطوة التالية، حتى وإن كانت ذات نطاق محدود.
كما تتضمن هذه الجهود بعض الشروط الإضافية:
أولا، يجب تنفيذ كل ما يتم الاتفاق عليه.
ثانيا، لن يتم تسريب محتوى المحادثات… وهكذا تُكتسب الثقة وتُحل المشاكل الدبلوماسية.
ومن قنوات الاتصال بين أثينا وأنقرة، نذكر تلك التي تجمع بين وزيري الخارجية نيكوس دندياس ومولود جاويش أوغلو، اللذين أبقيا علاقتهما الشخصية جيدة. وكثيرا ما وصف المشرف على الدبلوماسية التركية نظيره اليوناني بالصديق، منذ أن عملا معا في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا.
إن مثل هذه العلاقات الجيدة مفيدة للبلدين. ومع ذلك، تبقى صلاحيات جاويش أوغلو محدودة، حيث يحرّك مكتب الرئيس التركي السياسة الخارجية.
من الجانب اليوناني، وعلى الرغم من العلاقة الجيدة التي تجمع وزير الخارجية برئيس الوزراء، إلا أن الأوّل لا ينتمي إلى دائرة كيرياكوس ميتسوتاكيس المقربة.
وبالإضافة إلى ذلك، نادرا ما يتحوّل وزراء الخارجية إلى قناة اتصال غير رسمية. ويقع هذا الدور عادة على عاتق المساعدين المقربين من قادة البلاد. وشهدنا ذلك مع المستشار الدبلوماسي لرئيس الوزراء السابق أليكسيس تسيبراس.
وتبدو المحاولات جارية لاتخاذ نهج مماثل. فكلما زادت حدّة المشكلة ومدى تعقيدها، وزادت العواطف المرتبطة بها على كلا الجانبين، زادت الحاجة إلى الدبلوماسية السرية. وتبدو هذه القناة بين أثينا وأنقرة ضرورية.
وغالبا ما تشارك بلدان ثالثة ذات تأثير على أصحاب المصلحة في هذه العمليّة من خلال الانخراط في جهود الوساطة. وهذا ما حدث في حالة الاجتماع السري الأخير في برلين بين إيليني سوراني مستشارة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس وإبراهيم قالين مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجان هيكر مستشار الزعيمة الألمانية أنجيلا ميركل.
ونظرا لتدهور العلاقات اليونانية التركية، قدّم الاجتماع شعاعا من التفاؤل، ولكن لكي ينجح، يجب على اللاعبين الرئيسيين أن يثقوا به، وألا يكون الهدف منه محاولة أي طرف الهيمنة على الآخر.
وعبر اختيار تحويل هذه المحادثات إلى اجتماعات علنية، قوّض جاويش أوغلو محاولة طرف ثالث قوي يحمل تأثيرا كبيرا على اليونان وتركيا للوساطة بينهما.
العرب