الولايات المتحدة ترعى جهود إنهاء ارتهان العراق للكهرباء الإيرانية

الولايات المتحدة ترعى جهود إنهاء ارتهان العراق للكهرباء الإيرانية

مثلما يمثّل استيراد العراق للكهرباء من إيران أحد عوامل الارتباط القوي بين بغداد وطهران، فإنّ ملف الكهرباء ذاته يمكن أن يستخدم وسيلة للحدّ من ذلك الارتباط، وهو المنظور الذي تتبناه الولايات المتّحدة وتعمل على تطبيقه من خلال تشجيع الحكومة العراقية على البحث عن بدائل للغاز والكهرباء الإيرانيين، ما يحقّق لواشنطن هدفين في آن واحد، وهما حرمان إيران من مورد مالي مهمّ، والتقدّم خطوة في فك الارتباط بين العراق وإيران.

بغداد – تتجاوز أزمة الكهرباء في العراق التي تحوّلت إلى معضلة مزمنة تتوارثها الحكومات المتعاقبة، بعدها الاقتصادي والتقني إلى بعد سياسي أشمل لا يتعلّق بالداخل العراقي فحسب، حيث يمثّل العجز عن حلّ الأزمة رغم وفرة إمكانيات البلاد في مجال الطاقة، أحد أسباب النقمة الشعبية على الطبقة الحاكمة وقادحا للاحتجاجات ضدّها، ولكنّه يتّصل أيضا بالعلاقات الخارجية للعراق، حيث يمثّل استيراد الطاقة الكهربائية ومواد الطاقة من إيران أحد أوجه تبعية بغداد لطهران، بينما يمثّل الملف ذاته موضع جهد أميركي استثنائي تسعى واشنطن من خلاله لتشجيع العراق على البحث عن مصدر آخر للكهرباء غير المصدر الإيراني ما يحرم إيران من مورد مالي ويكرّس العقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة.

ومن الحلول المطروحة بجدّية للبحث عن مصدر موثوق ومُجز للطاقة الكهربائية في العراق ربط الشبكة المحلية بالشبكة الخليجية. وجدّد العراق والولايات المتحدة، ومجلس التعاون الخليجي دعمهم الكامل لمشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج.

وذكر بيان صدر الجمعة عن وزارة الخارجية العراقية أنّ “الولايات المتحدة ملتزمة بتسهيل هذا المشروع، وتوفير الدعم حيثما تكن الحاجة”، مشيرا إلى أنّ “هذا المشروع سيوفر الطاقة الكهربائية الضرورية للمواطنين العراقيين، ويدعم التنمية الاقتصادية في العراق خصوصا في المحافظات الجنوبية”.

وجاء إحياء هذا الخيار الذي لطالما طُرح في العراق وحالت أسباب سياسية دون تنفيذه على رأسها وجود جهات نافذة في دوائر القرار العراقي ترغب في مواصلة استيراد الكهرباء من إيران التي تربطها علاقات متينة بتلك الدوائر المتمكّنة من السلطة، مع ظهور ملامح الغضب الشعبي “الموسمي” من أزمة الكهرباء حيث اعتاد العراقيون على التظاهر كل صيف عندما تشتد الحاجة إلى الطاقة الكهربائية مع وصول درجات الحرارة سقوفا عالية.

ومطلع الأسبوع الجاري اقتحم المئات من المتظاهرين الغاضبين مبنى توزيع الطاقة الكهربائية شرقي العاصمة العراقية بغداد احتجاجا على زيادة ساعات قطع التيار بالتزامن مع بلوغ درجات الحرارة 45 مئوية.

وتوقّعت مصادر عراقية أن تكون المظاهرة التي شهدها حي الأمين، بداية موجة احتجاج أوسع نطاقا كانت متوقّعة أصلا بسبب عدم حدوث أي تقدّم ملموس في معالجة أزمة الكهرباء التي مثّلت على مدار السنوات الماضية قادحا لاحتجاجات شبه منتظمة في مثل هذا الفصل.

وتقود العراق في الوقت الحالي حكومة لم يمض على تشكليها بقيادة مصطفى الكاظمي سوى أقلّ من ثلاثة أشهر، وهي أصلا نتاج موجة الاحتجاجات الأشد من نوعها التي اندلعت الخريف الماضي وأسقطت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي.

وترفع حكومة الكاظمي لواء الإصلاح ومحاربة الفساد ووقف هدر مقدّرات الدولة، غير أن هامش تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يبدو شديد الضيق أمامها، فقد جاءت في فترة أزمة شديدة تتميّز بانتشار وباء كورونا وانهيار أسعار النفط الذي يمثل تقريبا المورد الوحيد لميزانية الدولة.

ويبلغ إنتاج العراق من الطاقة الكهربائية وفقا لوزارة الكهرباء 13500 ميغاوات ويجري التخطيط لإضافة 3500 ميغاوات خلال العام الحالي عبر إدخال وحدات توليد جديدة إلى الخدمة.

الربط الكهربائي مع الخليج حل مناسب للعراق في حال ألزمته الولايات المتحدة بتطبيق العقوبات على إيران

وتزداد معاناة العراقيين في الصيف بسبب ضعف تجهيز الطاقة الكهربائية والانقطاعات المتكررة، ولذلك أصبح من المعتاد أن ينطلق الشارع العراقي كلّ صيف في التعبير عن الغضب من سوء الخدمات والمطالبة بتحسينها، ليتّسع مداه ويشمل سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية على وجه العموم، وصولا إلى رفع شعارات مناوئة للعملية السياسية برمّتها وللنظام القائم.

ولا يستثني عراقيون ربط أزمة الكهرباء المستفحلة بأسباب سياسية، تتمثّل في حرص الأحزاب الشيعية الحاكمة والشخصيات النافذة المرتبطة بإيران على إبقاء العراق في حالة تبعية لطهران في هذا المجال الحيوي والحسّاس وهو الوضع الذي لم تجرؤ الحكومات المتعاقبة على تغييره، وقد واجهت بغداد الإشكالية بحدّة غير مسبوقة عندما فرضت الولايات المتحدّة عقوبات شديدة على إيران طالت قطاع النفط وتطالب واشنطن مختلف الدول بما فيها العراق بتطبيقها والالتزام بها، الأمر الذي تسبّب في ورطة للسلطات العراقية غير القادرة على إيجاد مصادر بديلة بشكل سريع للغاز والكهرباء الإيرانيين في حال قرّرت الإدارة الأميركية بشكل قاطع أن تنهي الاستثناء الظرفي الممنوح للعراق لمواصلة استيراد مواد الطاقة من إيران.

وبدأت واشنطن تقوم بدور أكبر لتشجيع بغداد على البحث عن بدائل للكهرباء الإيرانية، في مؤشّر على أن إدارة ترامب تنوي في الفترة المتبقية لها في الحكم إجبار العراق بشكل حاسم على الالتزام بتطبيق العقوبات على إيران.

وقال بيان الخارجية العراقية إنّ “حكومة العراق ومجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة تتطلّع لتعاون متزايد ووثيق في المجالات الاقتصاديّة، والطاقة بين الولايات المتحدة والعراق ودول مجلس التعاون، ليكون أساسا للسلام والتنمية والازدهار في المنطقة”.

كما دعا الأطراف الثلاثة إلى التنفيذ السريع والكامل للتعهدات التي صدرت عام 2018 من قبل المجتمع الدولي في مؤتمر الكويت الدولي لإعادة الإعمار في العراق.

وكانت جلسة مناقشات ثلاثية عبر الفيديو جمعت ممثلين عن حكومتي العراق والولايات المتحدة الأميركيّة وممثلين عن مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة، قد عقدت الخميس لمناقشة موضوع مشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج.

وجاءت الجلسة بتنظيم ودعم من حكومة الولايات المتحدة بهدف العمل على إيجاد طريقة فعّالة لتنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول مجلس التعاون، علاوة على المضي قدما في تشجيع التعاون الاقتصادي بين الجانبين العراقي والخليجي.

وتظلّ أزمة الكهرباء في العراق حاملة لمفارقة صادمة وعنوانا للفساد والهدر وسوء إدارة الموارد، إذ ليس من المعقول بإجماع المراقبين أن يعاني بلد بمثل هذا الثراء بالنفط من أزمة طاقة.

ولم تشهد شبكة إنتاج ونقل الكهرباء في العراق منذ سنة 2003 أي تطوّر يذكر، ما اضطرّ حكومات بغداد إلى الاستيراد من الخارج وتحديدا من إيران، سواء للكهرباء أو للغاز المستعمل في توليدها رغم أن العراق يهدر كميّات ضخمة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط وذلك بحرقه بدل معالجته واستخدامه.

وغير بعيد عن الاهتمام الأميركي بملف الكهرباء في العراق، كجزء من جهود إبعاد العراق عن دائرة النفوذ الإيراني، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا سلّطت فيه الضوء على سوء التصرّف بالموارد والذي حوّل الملف إلى قضية مزمنة، وهو ما يتجلّى في إحراق نصف الغاز الطبيعي المصاحب لإنتاج النفط في الحقول العراقية، وبدلا من تحويل ذلك الغاز إلى طاقة كهربائية يتم تحويله إلى دخان ملوّث للهواء ومتسبب في أمراض كثيرة منها الربو وارتفاع ضغط الدم وبعض أنواع السرطان.

ويقدّر البنك الدولي ما يتمّ إحراقه سنويا في العراق من غاز مصاحب بـ18 مليار متر مكعب وهي كمية كافية لإنتاج مقدار هام من الكهرباء.

العرب