كشفت مصادر حكومية عراقية، وأخرى مقربة من مليشيات مسلحة في بغداد، وتتمتع كذلك بحضورٍ في سورية، لـ”العربي الجديد”، عن تشكيل مجلس تنسيقي جديد للفصائل العراقية المسلحة التي تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري، أطلق عليه اسم “مركز عمليات المقاومة الإسلامية”. ويأتي تشكيل المجلس كأحد مخرجات زيارتين سابقتين لزعيم “فيلق القدس” الإيراني إسماعيل قاآني إلى سورية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فضلاً عن زيارة له إلى بغداد دامت أياماً عدة، والتقى خلالها قيادات وزعامات الفصائل العراقية المسلحة.
الواجهة الجديدة، بحسب المصادر ذاتها، جاءت بسبب تكرار مشاكل تتعلق بتعدد مصادر القرار وتداخل المهام وتعثّر وصول التموين، لا سيما إلى محاور سورية عدة، أبرزها شرقي البلاد على الحدود مع العراق، وأعقبت اغتيال زعيم “فيلق القدس” قاسم سليماني، مطلع العام الحالي، قرب مطار بغداد الدولي بغارة أميركية، مع نائب رئيس “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس. وكان الأخير يتولى عملياً الإشراف على الفصائل المسلحة العراقية في سورية والتنسيق في ما بينها، ونجح في عام 2016 في اعتبار عناصرها مقاتلين ضمن “الحشد الشعبي”، بما يضمن حصولهم على رواتب شهرية من الحكومة العراقية، أسوةً بغيرهم من عناصر “الحشد”، الذين يقاتلون داخل العراق.
وأوضح مسؤول عراقي بارز في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، أن الواجهة الجديدة (مركز عمليات المقاومة الإسلامية) بمثابة لجنة تنسيقية داخلية ترتبط بقاآني، بعد مشاكل وارتباك اتسمت به الفترة الأخيرة بين فصائل عدة في دير الزور والتنف وريف إدلب. وبحسب المصدر، سيكون القائم على المركز عراقياً، لكن لم يتم اختياره لغاية الآن، فيما يضم المركز ممثلين عن جميع الفصائل التي تتواجد داخل سورية في الوقت الحالي.
قسم من الفصائل لم يقاتل يوماً داخل العراق، لكن عناصره يتقاضون رواتب من بغداد
ولفت المسؤول إلى أن عدد المقاتلين العراقيين المتواجدين في سورية حالياً قد يصل إلى أكثر من خمسة آلاف عنصر، جميعهم يتقاضون رواتب من “الحشد”، بإجمالي يتجاوز المليونين ونصف المليون دولار شهرياً. وبيّن المصدر أن قسماً منهم لم يقاتل يوماً واحداً داخل العراق، ما شكّل أحد أسباب الخلافات الحادة بين رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ونائب رئيس “الحشد” الراحل أبو مهدي المهندس وقيادات سياسية أخرى.
ومن أبرز الفصائل التي تقاتل في سورية إلى جانب قوات النظام السوري، “كتائب حزب الله”، “لواء كفيل زينب”، “الطفوف”، “أبو الفضل العباس”، “العصائب”، “النجباء”، “البدلاء”، “سيد الشهداء”، “عاشوراء”، “الإمام علي”، “الخراساني”، “جيش المؤمل”، “بدر/ الجناح العسكري”، بالإضافة إلى “سيد الشهداء”، “سرايا الجهاد”، ومليشيات أخرى مختلفة تتفاوت في عدد عناصرها وتنتشر في مواقع عدة داخل سورية. بعض هذه الفصائل يعمل بشكل مستقل داخل سورية، فيما تعمل أخرى إلى جانب قوات النظام، لكنها غير ثابتة، إذ عادة ما تغير مواقعها بحسب متطلبات الوضع. لكن بشكل عام، تتمركز هذه الفصائل في مناطق معسكر الطلائع في حمص ومعسكر المزة قرب دمشق وموقع الفرقة الرابعة في قاسيون. كما يتمركز بعضها قرب بلدة الكسوة، وفي منطقة السيدة زينب في دمشق، والقلمون وريف حلب، وريف إدلب والبوكمال ودير الزور، وداريا والحجيرة، ومزة الجبل، والهري على الحدود مع العراق. والمنطقة الأخيرة تحديداً تعرضت لقصف جوي خلال الفترة الماضية تتضارب المعلومات حول هوية الجهة المنفذة له، بين أنها مقاتلات أميركية أو إسرائيلية.
بدورها، أكدت مصادر مقربة من “الحشد الشعبي”، لـ”العربي الجديد” انبثاق هذا المركز أو اللجنة التنسيقية، لكنها قالت إنها لا دخل لها بـ”الحشد”، لافتة إلى أن الواجهة الجديدة تتعلق بالفصائل الولائية التي تمتلك عناصر يقاتلون في سورية، لكنهم ضمن مظلة “الحشد” في العراق. وأضافت أنه “لأسباب واعتبارات سياسية تتعلق أغلبها بالعراق، لا يُتوقع أن تكون الواجهة أو المركز الجديد علنياً أو يتم إشهاره، وهو لغرض التنسيق وسد الفراغ الذي خلفه مقتل سليماني والمهندس.
تقارير عربية
تجريف القرى العراقية المتنازع عليها: نفي أربيل وتجاهُل بغداد
وكشفت المصادر أن من بين الشخصيات التي تمّت تسميتها للاضطلاع بدور في المركز الجديد هي كل من: سامي المسعودي، حامد ثجيل الشيباني الملقب بـ”أبي مصطفى الشيباني”، عبد الرزاق العبودي الملقب بـ”أبي خميني”، عدنان الشحماني، أمير الطائي، محمد نعمة الملقب بـ”أبي ذر”، ثامر إسماعيل الملقب بـ”أبي تراب”، أحمد الكناني، عدنان إبراهيم النجار الملقب بـ”أبي علي البصري البدري”، هاشم بنيان السراجي الملقب بـ”أبي آلاء الولائي”، أحمد المكصوصي، قاسم مصلح الملقب بـ”حجي قاسم”، عدي الخدران، فالح الخزعلي، عباس الزيدي، قيس الخزعلي، أحمد الأسدي، أكرم الكعبي، شبل الزيدي، علي الياسري، عبد الكريم الأنصاري، وعباس العامري. وبحسب المصادر، فإن الأسماء التي تم اختيارها أو إضافتها للمركز التنسيقي الذي أطلق عليه مبدئياً اسم “مركز عمليات المقاومة الإسلامية”، هم الذين تمتلك فصائلهم تمثيلاً في سورية على مستوى أجنحة عسكرية.
وتعليقاً على ذلك، اعتبر الخبير في الشأن العسكري والأمني العراقي حاتم الفلاحي، تشكيل اللجان والواجهات التنسيقية لإدارة الأنشطة الخارجية لإيران أحد التداعيات المستمرة لمقتل سليماني والمهندس على الصعيدين السياسي والأمني داخل العراق وسورية على وجه التحديد، بسبب الفراغ الكبير الذي تركه مقتل الرجلين بالنسبة لإيران.
تفرض تطورات عدة من قانون قيصر إلى الضغط الأميركي والإسرائيلي على إيران إعادة بناء منظومتها العسكرية في سورية
واعتبر الفلاحي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن من أسباب ولادة هذه الواجهة، تنامي الخلافات والإخفاق في إيجاد زعامة جديدة متفق عليها بين المليشيات التابعة لإيران، فضلاً عن تطورات الأحداث والتحديات الخطيرة التي تواجه النفوذ الإيراني في سورية، والتي تتمثل في استمرار الضربات الجوية الإسرائيلية على القوات الموالية لإيران، وطبيعة التنافس الإيراني مع النفوذ الروسي والتركي على الأرض. ويأتي ذلك، بحسب رأيه، مع دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ، وإصرار طهران على البقاء في سورية، ما يفرض واقعاً جديداً يتطلب إعادة بناء المنظومة العسكرية الإيرانية على الأراضي السورية بشكل يتلاءم مع تطورات الأحداث، لتثبيت نفوذها والمحافظة عليه.
ورأى الخبير العسكري العراقي أن “هذه التحديات تفرض على القيادة الإيرانية القيام بإجراءات عسكرية جديدة تواكب التغييرات في المشهدين العسكري والسياسي، لذا فقد يأتي تشكيل هذا المركز، كبداية لمرحلة جديدة لإنهاء الفوضى الداخلية بين المليشيات المتواجدة في سورية لتفعيلها من أجل مواجهة التحديات”. ولفت إلى أن الخطوة “قد تكون مهمة لتلافي نقاط الضعف وسدّ الثغرات التي يعاني منها القائد الجديد إسماعيل قاآني، بسبب قلة خبرته السياسية والعسكرية في المنطقة، وصعوبة إلمامه بشبكة العلاقات التي نسجها سلفه سليماني، بعدما ولّد مقتل الأخير فراغاً كبيراً في منظومة القيادة والسيطرة”. ورأى أخيراً أن التشكيل “هو رسالة بأنّ إيران لم تنكفئ على نفسها وستستمر في مشروعها”.
عثمان المختار
العربي الجديد