فَتْح ملف الخلاف الحدودي القديم بين الكويت والعراق في هذا الظرف بالذات، حيث تتّجه بغداد بقوة وبدفع من واشنطن صوب عواصم الخليج بحثا عن مساعدات عاجلة لتجاوز الأزمة المالية الحادّة، لا يمكن أن يكون الهدف منه تغيير الوضع الحدودي القائم والمفروض بإرادة دولية صارمة، بقدر ما هو تعبير عن موقف سلبي من حكومة مصطفى الكاظمي وعن رفض لمساعدتها لمجرّد الاستجابة لإدارة أميركية مُسقطة.
الكويت – اتّهمت “مصادر” كويتية حكومة العراق بمحاولة “ابتزاز” الكويت باستخدام ملف الخلافات حول الحدود البحرية، وذلك في مؤشّر على عودة السجال بشأن هذا الملفّ الإشكالي القديم الذي يعاد فتحه في كلّ مرّة من قبل هذا الطرف أو ذاك على سبيل المناكفة السياسية بشأن خلافات أخرى خفية ولا علاقة مباشرة لها بقضية الحدود التي تضبطها قرارات أممية من الصعب على أي من الطرفين العراقي والكويتي مخالفتها أو الخروج عمّا نصت عليه بوضوح.
ونقلت صحيفة القبس الكويتية الجمعة عن “مصادر كويتية رفيعة” قولها إنّ الحكومة العراقية طلبت قبل نحو شهرين من الكويت المشاركة في مفاوضات الحدود البحرية الثلاثية بين الكويت والسعودية وإيران، الأمر الذي جعل الكويت ترد على الرسالة العراقية برسالة حاسمة، مفادها أنّه “لا يحق لكم المشاركة في هذه المفاوضات”.
وقالت الصحيفة إنّها “حصلت على عدد من المراسلات والمحاضر الرسمية التي أظهرت جليا تعرُّض الكويت لابتزاز سياسي من قبل بغداد، من أجل الحصول على مساعدات مالية نقدية، أو على شكل استثمارات لمساعدة الحكومة العراقية في الأزمة الاقتصادية الطاحنة نتيجة انهيار أسعار النفط، التي تفاقمت أكثر مع تفشي جائحة كورونا”.
ولم تكشف الصحيفة عن مصادرها ما جعل ملاحظين يتوّقّعون أنّ ما نشرته يعبّر عن موقف دوائر كويتية، وربّما خليجية، غير راضية عن سياسة الحكومة العراقية الحالية بقيادة مصطفى الكاظمي الذي وعد بإحداث توازن في العلاقات الإقليمية لبلاده باتجاه الحدّ من علاقة التبعية التي تجمعها بإيران، لكنّه بدا عاجزا عن تنفيذ ذلك عمليا، بدليل زيارته الأخيرة لطهران.
وقال مصدر دبلوماسي خليجي سبق له العمل في العراق، إنّ دوائر سياسية خليجية غير مرحّبة بجعل الجانب المالي والاقتصادي هو البوابة الوحيدة لتمتين العلاقات مع العراق، تنفيذا للرغبة الأميركية التي تريد من بلدان الخليج التعجيل في مساعدة بغداد على تجاوز أزمتها الراهنة، مؤكّدا أن الخليجيين ينظرون إلى العلاقة مع العراق كحزمة واحدة اقتصادية وأمنية وسياسية، ومن ضمن مطالبهم من حكومة الكاظمي الإقدام على مراجعة جذرية وشجاعة للعلاقة غير السوية بين بغداد وطهران.
والأسبوع الماضي دفعت الولايات المتّحدة بقوة باتجاه إنجاز ربط كهربائي بين العراق ودول الخليج، وذلك في سياق محاولات واشنطن إنهاء تبعية بغداد لطهران في مجال الطاقّة وهي تبعية تجني منها إيران فوائد مالية من خلال بيعها الغاز والكهرباء للعراق.
الخليجيون غير مرحّبين بجعل الجانب المالي هو البوابة الوحيدة لتمتين العلاقات مع العراق تنفيذا للرغبة الأميركية
وكانت جلسة مناقشات ثلاثية عبر الفيديو جمعت مُمثّلين عن حُكُومتي العراق والولايات المتحدة الأميركية وممثلين عن مجلس التعاون الخليجي، قد عقدت في السادس عشر من الشهر الجاري لمناقشة موضوع مشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج.
وجاءت الجلسة بتنظيم ودعم من الحُكُومة الأميركية التي علّقت خارجيتها على ذلك بالقول إنّ “الولايات المتحدة ملتزمة بتسهيل هذا المشروع، وتوفير الدعم حيثما تكن الحاجة”، بينما قال مراقبون إنّ جهود واشنطن تحمل ملامح التسرّع والعجلة بدافع الرغبة في تضييق الخناق الاقتصادي على إيران، متوقّعة أن الخليجيين لن يشاركوا في مشروع مُسقط لا يراعي مصالحهم ورؤاهم بشأن العلاقة مع العراق.
ويمثّل فتح ملف الخلافات الحدودية العراقية الكويتية في مثل هذه الأجواء مؤشّرا على عدم رضا دوائر خليجية على حكومة الكاظمي. ونقلت الصحيفة عن المصادر قولها “إن الكويت خاطبت السعودية مستفسرة عما إذا كانت الرياض قد تلقت رسالة عراقية مماثلة بشأن المشاركة في المفاوضات” بشأن الحدود البحرية، مضيفة أن “الحكومة العراقية تستغل عددا من الملفات العالقة مع الكويت، منها ترسيم الحدود البحرية وتعميق خور عبدالله، للضغط على الكويت، بهدف تحقيق بعض المكاسب التي تسهم في تجاوز العراق أزمته الاقتصادية الداخلية”.
ووفقا لذات المصادر فإنّ “ورقة الضغط العراقية على الكويت تأتي في سياق فشل محاولات الحصول على مساعدات مالية جديدة، كانت تتصدر أجندة وزير المالية العراقي علي علاوي لدى زيارته الكويت أواخر مايو الماضي”.
وأشارت المصادر إلى أنّ “ردّ الكويت كان واضحا بأنها تعهّدت بتقديم مليارَي دولار خلال مؤتمر إعادة إعمار العراق، الذي استضافته عام 2018، لتمويل مشاريع تنموية، إلاّ أن الجانب العراقي منذ ذلك الوقت لم يَرُدَّ ولم يحدد تلك المشاريع، كما يمارس أسلوب المماطلة في عقد اللجنة المشتركة الكويتية العراقية، التي على أجندتها العديد من الملفات التي تريد الكويت الانتهاء منها”.
وأوضحت المصادر أنّ “محاولات بغداد للضغط من أجل الحصول على دعم مالي تأتي على خلفية رغبة الولايات المتحدة في انتزاع العراق من الحضن الإيراني بما يسهم في زيادة الحصار الاقتصادي على طهران”، لافتة إلى أن “الجانب الأميركي في إطار سعيه لتطبيق العقوبات الاقتصادية على إيران يدعم مشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي، بما يدفع باتجاه تخلي بغداد عن شراء الكهرباء والغاز من طهران لوقف تمتّعها بهذا المورد المالي”.
واعتاد المراقبون على تسجيل عودة الخلافات الحدودية بين الكويت والعراق إلى الواجهة في منعطفات سياسية معينة تخص العلاقة بين البلدين أحيانا، والوضع السياسي داخل كلّ بلد أحيانا أخرى كأن تتّخذ جهة ما الملف وسيلة للضغط على خصومها خصوصا من هم في سدّة الحكم وموقع اتّخاذ القرار.
وتشكو العديد من الجهات العراقية ما تعتبره “حيفا” تمّ تسليطه على العراق بضغط أميركي وجعل منفذه على مياه الخليج لا يتجاوز مسافة بطول 50 كيلومترا في مقابل 500 كيلومتر للكويت.
وجاء ترسيم الحدود بين الكويت والعراق وفق القرار 833 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 1993 بعد غزو العراق للكويت عام 1990. وفي 2012 وقّعت حكومتا البلدين اتفاقية خور عبدالله بغرض “التعاون في تنظيم الملاحة والمحافظة على البيئة البحرية في الممر الملاحي”، والخور المذكور هو عبارة عن مساحة مائية ممتدة بين العراق والكويت مُنحت أجزاء منها للأخيرة بمقتضى القرار الأممي ما ضيق المنفذ العراقي على مياه الخليج بشكل كبير.
العرب