الاستمرار في ربط العملات الخليجية بالدولار يستنزف الاحتياطات النقدية

الاستمرار في ربط العملات الخليجية بالدولار يستنزف الاحتياطات النقدية

يجمع المحللون على أن الإبقاء على ربط معظم العملات الخليجية بالدولار الأميركي، بات يشكل عبئا ثقيلا على الأوضاع المالية في بلدان المنطقة، في ظل انحدار أسعار النفط العالمية والتداعيات التي لحقت بها جراء قيود الإغلاق والضبابية التي لا تزال تخيم على نمو الاقتصاد العالمي.

دبي – يقر محللو أسواق المال بأن دول الخليج لا تزال قادرة على تجاوز أزماتها الراهنة بمساعدة احتياطاتها المالية الكبيرة، وخاصة بعد الإجراءات المتواترة في السنوات الأخيرة لترشيد الإنفاق وخفض الدعم الحكومي وزيادة إيرادات الموازنة.

وهذا الانطباع مقرون باستمرار حكومات الخليج، ما عدا الكويت، في ربط عملاتها بالدولار الأميركي، ولكن الإبقاء على ذلك قد يستنزف المزيد من احتياطاتها النقدية في ظل أزمة فايروس كورونا الذي أصاب معظم القطاعات الحيوية بالركود.

وأدى التراجع الحاد في أسعار النفط الخام إلى تزايد الاعتقاد بأن دول الخليج، وخاصة السعودية، قد تضطر إلى التخلي عن ربط الريال بالدولار، بعد أن حافظت على تلك السياسة لعقود طويلة.

ودفعت التداعيات الاقتصادية للوباء حكومات الخليج، التي تعتمد على مبيعات النفط بالأساس في تحصيل العملات الأجنبية، إلى قضم جزء من تلك الاحتياطات لدعم القطاع الخاص والمواطنين.

واستبعد خبراء وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية في تقرير حديث أن تخفض دول الخليج، التي يتفاقم العجز المالي لديها في ظل انخفاض أسعار النفط، قيمة عملاتها، رغم أن الاستمرار في ربطها بالدولار قد يؤدي إلى استنزاف الأصول الأجنبية وتراكم الديون.

ومن الناحية الفنية، يعني ربط العملة في مقابل عملة أخرى تثبيت قيمتها وعدم تركها للعرض والطلب في السوق كما يحصل مع بعض الدول عندما تقوم بعملية تعويم العملة.

يؤكد محللون أن احتياطيات أي من البنوك المركزية في دول الخليج ضرورية لصيانة سعر الربط والحفاظ عليه عند المستوى المرغوب حتى لا يتزعزع الاقتصاد أو يتأثر بالصدمات الخارجية كما هو عليه الحال في الوقت الراهن.

ولطالما قال صناع السياسات في المنطقة المصدرة للبترول إن ربط العملة بالدولار في صالح اقتصاداتهم شديدة الاعتماد على النفط والغاز، لكن نزول أسعار الخام هذا العام زاد الضغوط على عدد من العملات المربوطة.

وقالت فيتش في تقريرها “لا نتوقع أي تغيير في أنظمة أسعار الصرف المربوطة بدول مجلس التعاون الخليجي على المدى المتوسط”. لكنها أضافت أن الاستمرار في الربط “سيستتبع استنزافا كبيرا للأصول الأجنبية أو تراكم الديون”.

وأكدت الوكالة أن لدى السعودية والإمارات وقطر موارد كافية للإبقاء على أنظمة الربط لديها، بينما ما زال الدعم الخارجي هاما بالنسبة للبحرين، التي تعهد حلفاؤها الخليجيون الأكثر ثراء بعشرة مليارات دولار لها في 2018 لتفادي أزمة ائتمان.

وفي حالة سلطنة عُمان، التي تملك احتياطيات أجنبية أكبر من البحرين، تتبدد المصدات سريعا، وربما تقوض مدفوعات الديون الكبيرة المقبلة الثقة في الربط.

وتراجعت احتياطات السعودية في أبريل الماضي نحو 20 مليار دولار، إذ انخفض صافي الأصول الأجنبية لمؤسسة النقد السعودية (البنك المركزي) إلى 443.7 مليار دولار، مقارنة مع شهر مارس.

أما الإمارات، التي تأتي في المركز الثاني بين دول الخليج، فبلغت احتياطاتها الأجنبية 110 مليارات دولار تشمل النقد والأصول، مقارنة بحوالي 125 مليارا في سبتمبر الماضي.

وتعتبر بقية دول الخليج في وضعية قابلة للتصدر فقطر تملك احتياطات نقدية بنحو 56.3 مليار دولار، والكويت لديها مخزون لا يتجاوز 39 مليار دولار.

أما احتياطيات عُمان من النقد الأجنبي والذهب فتقدر بنحو 16.6 مليار دولار، وأخيرا البحرين التي سجلت احتياطيا نقديا قدره 3.5 مليار دولار بنهاية فبراير الماضي، دون احتساب احتياطيها لدى صندوق النقد الدولي أو حقوق السحب الخاصة.

وخفضت دول الخليج الإنفاق هذا العام وأعادت ترتيب أولوياته، وزادت السعودية، أكبر اقتصادات المنطقة، ضريبة القيمة المضافة لتعزيز الإيرادات.

وأكد خبراء فيتش أن بنية الاقتصادات الخليجية يلائمها ضبط مالياتها من خلال ترشيد الإنفاق لا خفض قيمة عملاتها.

وقالت الوكالة “لن يعود خفض قيمة العملة إلا بالقليل من المزايا التنافسية على دول مجلس التعاون الخليجي نظرا لطبيعة اقتصاداتها غير متنوعة الموارد”.

ومن المرجح أيضا أن تكون المخاوف الاجتماعية سببا في إحجام الحكومات عن خفض قيمة العملات، إذ ربما تؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة.

وقالت فيتش “رد الفعل الاجتماعي العنيف المحتمل مبعث خطر لكل من خفض قيمة العملة والترشيد المالي، لكن السياسة المالية قد يلائمها على نحو أفضل ضبط تدريجي بدرجة أكبر”.

العرب