الانهيار الكبير في رحلة السقوط الحر للبلاد

الانهيار الكبير في رحلة السقوط الحر للبلاد

“الانهيار الكبير، بيروت مدينة منكوبة، إنها بيروت يا عرب ” هكذا عنونت بعض الصحف اللبنانية، الصادرة اليوم الأربعاء، مقالاتها تعليقا على حادثة انفجار المرفأ المدمرة.

وعبر تغطية واسعة رصدت مختلف الجوانب الخاصة بالانفجار من خلال الصور والفيديوهات ونقل التصريحات الحصرية، ألقت الصحف والمواقع الإخبارية المحلية الضوء على الانفجار العنيف.

وبمرارة وحزن عميقين علّق كتاب وصحفيون على الأحداث، في حين اكتست الصفحات الأولى والرئيسية بمشاهد النيران والحطام.

وتحت عنوان “الانهيار الكبير” قال رئيس تحرير صحيفة الأخبار إبراهيم الأمين إن صورة الانفجار بدت مستعادة من أفلام الحروب العالمية، فهي كما الأفلام التي ترسم مشهد نهاية الكون.

ووصف الأمين المشهد بالغيمة التي تلوّنت سريعاً من حمراء إلى سوداء إلى رماد سام، وقال إن المدينة تحوّلت إلى كومة ركام بعدما دُمّرت بعبثية مجانين، الصراخ علا كل أطرافها، ووصل صدى الصوت إلى أنحاء البلاد، هزة أرضية فعصف ثم غبار يخفي، للحظات، حجم الكارثة، قبل أن يجد الناس أنفسهم، فجأة، أمام الصورة كاملة “صورة الانهيار الكبير الذي أصاب مركز البلاد، لتنتشر شظاياه في أجساد الجميع، ولكن، وللأسف، من دون أن توحّدهم”.

انهيار جماعي
رئيس تحرير “الأخبار” اعتبر أن هذا الانفجار أتى ليكشف عما أسماه الانهيار الكبير المتعلق بانهيار منظومة كاملة من طريقة تفكير وتصرّف وإدارة وطريقة تعامل مع الأزمات.

هذا الانهيار الجماعي صار -بحسب الأمين- حجّة إضافية لمزيد من العبث والمكابرة والإنكار، وهو انهيار أخلاقي أصاب كل منظومة القيم.

وعنه يقول: انهيار على شكل مأساة، لكنها لم تمنع جهات ومجموعات وأفراداً من السعي إلى استغلاله من أجل مكاسبهم التافهة. انهيار دلنا على أن بلادنا لم يعد فيها من يحظى بثقة الناس، سواء أكان مؤسسة أم جهة أم شخصاً. انهيار سيمنع غدا حزنا جامعا على من سقط في هذه الكارثة الكبيرة. انهيار كشف لنا، في ساعات قليلة، أن مأساة كبيرة تنتظرنا خلف الأبواب.

وفي الصحيفة ذاتها، وتحت عنوان “حرب نووية وقعت في بيروت” قالت الصحيفة ذاتها إن ما جرى كان أشبه بانفجار قنبلة نووية صغيرة. ونقلت تصريحات بعض الأجهزة الأمنية التي تحدّثت عن وجود براميل من النفايات السامة، منذ تسعينيات القرن الماضي، قرب العنبر الذي شهد الانفجار.

واعتبرت “الأخبار” أن ما جرى أكبر من أن يوصَف ومن أن يُحاط به. هو الارتطام الأول، والأكبر، في رحلة “السقوط الحر” للبلاد.

وذكرت أيضا أن ما وقع أمس يعد حربا إلا أنها حرب تكثّفت زمنيا فلم تطل سوى ثوان معدودة. مدة كانت كافية لجعل المدينة الساحلية، ومعها كل لبنان، بلادا منكوبة.

صحيفة أخرى هي “الديار” نشرت مقالا بعنوان “بيروت مدينة منكوبة” للكاتبة نور نعمة، فتقول إن بيروت منكوبة كادت أن تتحول إلى “هيروشيما” ثانية بعد حريق تلاه تفجير لمواد كيميائية شديدة الانفجار والاشتعال.

وأفادت “الديار” أن الانفجار الذي تسبب بدمار كبير في المرفأ، وأضرار لن يكون من السهل إصلاحها بفترة قصيرة، قد يتسبب أيضا بأزمة لم تكن في الحسبان، ستفاقم الأزمة الاقتصادية وتتحول إلى كارثة ما لم يبادر العالم للتحرك ومساعدة لبنان.

صحيفة اللواء: بيروت الثكلى تنادي الأشقاء العرب (الأناضول)
مشهد وبشاعة
وفي مقال بعنوان “وحشية مشهد المرفأ.. مصائب اللبنانيين لا تأتي فرادى!” قالت صحيفة اللواء: وكأنه لم يكف اللبنانيين مصائب ومآس لكي تجتمع عليهم لعنة الأقدار وآخرها الأمنية بعد الكوارث الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية”.

واعتبرت الصحيفة -التي وصفت بشاعة المشهد ووقع ذلك على اللبنانيين- أن ما يحدث هو الجنون بعينه، ومما يزيده غموضا عدم القدرة على الجزم بالطابع الأمني أو السياسي.

وفي افتتاحيتها بعنوان “إنها بيروت يا عرب” بقلم الكاتب صلاح سلام قالت “اللواء”: إن بيروت الثكلى تُنادي الأشقاء العرب بالوقوف إلى جانبها في المحنة المدمرة.

واعتبر الكاتب أن “بيروت، التي تحولت أمس إلى هيروشيما العرب، نُكبت مرتين: الأولى بهذا الانفجار المريع والمُلتبس، والثانية بسلطة قاصرة عن مواكبة الكارثة، وتتمسك بكراسيها عنوة، رغم عجزها الفادح عن معالجة نتائج الفاجعة، ومواجهة الحقيقة المرّة في جلاء ملابسات هذا الزلزال الرهيب”.

قصة السفينة
وفي سياق بعيد عن التحليلات الصحفية ومقالات الرأي، نشر موقع “ليبانون فايلز” قصة السفينة التي نقلت نترات الأمونيوم الى مرفأ بيروت.

وقال الموقع نفسه إنه في 23 سبتمبر/أيلول 2013 أبحرت سفينة الشحن Rhosus الرافعة لعلم مولدوفا من جورجيا، وعلى متنها 2750 طنا من نترات الأمونيوم لتنقلها الى شركة في موزمبيق.

وفي طريقها واجهت السفينة عطلا فنيا وهي قريبة من المياه الإقليمية اللبنانية، لإصلاحه في مرفأ بيروت، وبمجرد تفتيشها تم منعها من مواصلة رحلتها، ومنع طاقمها من مغادرتها، كما يقول “ليبانون فايلز”.

وبحسب الموقع فإن أصحب السفينة تخلوا عنها وعن حمولتها وتركوها، فاضطرت السلطات اللبنانية إلى نقل حمولة “الأمونيوم” عام 2014 الى العنبر 12 للاحتفاظ به فيه، ومنذ ذلك الوقت ظلت الحمولة الخطرة في ذلك العنبر.

وبيّن أن إدارة الجمارك طلبت من قاضي الأمور المستعجلة عام 2015 و2016 تحديد مصير هذه الكمية من الأمونيوم، ووجهت أكثر من كتاب لحسم هذا الموضوع، إلا أنه كما يبدو لم يتم ذلك، إلى أن حدثت كارثة أمس.

إيمان المهذب

الجزيرة