نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعده مراسلها في القدس ميهول سيرفيستافا عن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها السلطة الوطنية الفلسطينية بسبب تداعيات كوفيد- 19. وقال فيه إن غياب الأدوات الاقتصادية التقليدية للدولة وضع السلطات أمام تحد للرد على وباء فيروس كورونا.
وأضافت أنه في الوقت الذي عاث به الفيروس فسادا في اقتصاديات العالم، راقب عزام الشوا بنوع من الحسد البنوك المركزية حول العالم وهي تقوم باستخدام كل ما لديها من وسائل لدعم شعوبها كي تعبر الأزمة. إلا أن الشوا، كرئيس لسلطة النقد الفلسطينية، لم يكن أمامه إلا خيارات قليلة، فالسلطة الوطنية في الضفة الغربية المحتلة لا تسيطر على عملتها، ويعمل الاقتصاد بناء على مزيج من العملات، الشيكل الإسرائيلي، الدينار الأردني، الدولار الأمريكي واليورو. ولا تملك السلطة الكثير من احتياطات العملة الأجنبية ولا تستطيع الاقتراض من الأسواق الدولية. وكل ما كان لدى الشوا هو 300 مليون دولار تقدم كقروض للأعمال التي تأثرت من الفيروس وبفائدة أقل من معدلات السوق.
وطلب من البنوك أن تمنح المقترضين عطلة أربعة أشهر عن دفع الأقساط والسماح لبعض الفلسطينيين سحب حساباتهم، ولكن هذه الذخيرة التي توفرت في البداية نفذت. وقال الشوا في مقابلة معه برام الله، عاصمة السلطة الفعلية: “معظم المصارف المركزية تستطيع ضخ سيولة نقدية في بلادها ولكننا لا نملك هذا الخيار”، وأضاف: “الشيء الوحيد الذي لدينا هو الاحتياطات ولهذا نقوم باستخدامها لتخفيف الضغط عن المصارف لكي تخفف الضغط عن الرأي العام”.
الاقتصاد الذي يعتمد على إسرائيل والضعيف بسبب عقود من الاحتلال كان من الصعب الدفاع عنه
وتؤكد المتاعب التي يواجهها الشوا التحديات التي تواجه السلطة الفلسطينية مع اقتصاد منهك، وكذا التحدي الذي تواجهه وهي تحاول السيطرة ومنع انتشار فيروس كورونا. ولأنها لا تسيطر على الحدود، فقد انتظرت السلطة الفلسطينية لحين إغلاق إسرائيل حدودها. وفرضت إغلاقا شل الحياة بعد زيارة حجاج يونانيين كانوا يحملون الفيروس إلى بيت لحم في شهر آذار/مارس. وتم وضع عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعبرون الحواجز كل يوم في مهاجم بالدولة العبرية لتخفيف مخاطر نقل الفيروس. ومع زيادة الحالات في داخل إسرائيل تم إرسالهم إلى الضفة الغربية. ولكن الاقتصاد الذي يعتمد على إسرائيل والضعيف بسبب عقود من الاحتلال كان من الصعب الدفاع عنه. ودخلت سلطة النقد الأزمة باحتياط بـ 1.2 مليار دولار، ومع الشلل الذي أحدثه الإغلاق العام في الضفة الغربية، وافق المقرضون على 15 مليون دولار في قروض جديدة “لا يمكنك الضغط على الزر وترى شيئا يحدث”.
ويضم الاقتصاد الفلسطيني غزة التي تسيطر عليها حماس ولا يتجاوز مجمل الناتج القومي العام عن 15 مليار دولار، وربما كان أعلى لأن القطاع الخاص غير الرسمي لا يشمل بشكل كامل. وبالمقارنة يتوقع أن يكون مجمل الناتج المحلي العام لإسرائيل عام 2020 نحو 400 مليار دولار. وتشير الصحيفة إلى أن الوضع تفاقم بسبب تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضم أجزاء من الضفة الغربية. وتقوم إسرائيل بجمع ضرائب التصدير نيابة عن السلطة الفلسطينية، إلا أن قطع العلاقات مع الدولة العبرية بسبب تهديدات الضم يهدد بتفكيك نظام الجمارك الموحد الذي عمل على دمج الاقتصاد الفلسطيني مع الإسرائيلي.
وتحتجز إسرائيل ما بين 550 – 650 مليون دولار كضرائب للفلسطينيين، خاصة أن اللقاءات الشهرية التي يراجع فيها كل طرف دفاتر الحسابات قد توقفت. ونتيجة لهذا بات عشرات الآلاف من الفلسطينيين يحصلون على أقل من نصف رواتبهم الشهرية. وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في حزيران/يونيو: “يقول الإسرائيليون إنك لو أردت الحصول على مالك فعليك القدوم والحديث معنا”، مضيفا: “ينسون أننا لا نقايض المال بالسياسة، والمال مالنا وعندما نطلبه فهو حقنا”.
ويقول رجا خالدي، مدير معهد أبحاث السياسة الاقتصادية، إن السلطة بدون ضرائب فهي “من منظور الحسابات المجردة، مفلسة”. وكانت خسارة الموارد المالية والتي تمثل ثلثي ميزانية السلطة تعني أن رواتب موظفي القطاع العام متأخرة، فيما تم إعفاء موظفي القطاع الخاص. وقال خالدي إن السلطة الوطنية وإسرائيل قد تتفقان على إجراءات لحفظ ماء الوجه مثل موافقة إسرائيل على دفع المال بهدوء أو موافقة السلطة على اقتطاع جزء منه مما يسمح بعودة الرواتب. إلا أن هذا لن يكون كافيا لإخراج الاقتصاد من ركود فيروس كورونا.
وتشير الصحيفة إلى أسامة عمرو، مدير شركة أبعاد للتصميم والإنشاءات والذي عبر عن مخاوفه من انهيار الاقتصاد وأعفى 100 من العاملين في الشركة. وقال: “هذا أسوأ ما رأيته ويزداد سوءا كل شهر”. وأضاف عمرو الذي يترأس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين: “حاولت كل الحكومات حول العالم دعم السكان وطالما بقينا تحت الاحتلال فلن تستطيع الحكومة الفلسطينية عمل أي شيء”. ويتخيل عدة سيناريوهات مخيفة ويقول: “أنا خائف لأنك لا تستطيع السيطرة على الجماهير” و”قبل عشرة أشهر، كنت رجلا متفائلا أما الآن فأنا متشائم”. وهو نفس المزاج الذي لدى الشوا: “أشعر بالضغط” و”لكني أخبر فريقي أننا اخترنا العيش في فلسطين وعلينا مواجهة التحديات الاستثنائية”.
القدس العربي