تحذيرات من مبالغة الحكومات الأوروبية في دعم الوظائف

تحذيرات من مبالغة الحكومات الأوروبية في دعم الوظائف

تصاعدت تحذيرات الخبراء للحكومات الأوروبية من المبالغة في إجراءات تحفيز ودعم الوظائف، نظرا للتكلفة العالية على الخزانة العامة واستنزاف مواردها في وقت تشهد محركات النمو تعطلا قد يطول أكثر خصوصا مع ظهور مؤشرات موجة وبائية ثانية.

برلين – حذر خبراء اقتصاد الحكومات الأوروبية من خطر ارتباك التوازنات المالية الذي قد ينجر عن المبالغة في إجراءات دعم الوظائف عن طريق منح البطالة وتحفيز الشركات، نظرا لأن مخاوف إغلاق اقتصادي جديد قد تكبل قدرتها المالية وتدفعها لتقليص برامج دعم الأجور في ظل بداية نوبات عدوى جديدة بفايروس كورونا.

ويأمل القادة الأوروبيون في أن يساعد صندوق التعافي البالغ حجمه 750 مليار يورو (857.33 مليار دولار) والميزانية المرتبطة به البالغ حجمها 1.1 تريليون يورو لأعوام 2021-2027 في إصلاح أكبر ركود للقارة منذ الحرب العالمية الثانية جراء الوباء. وطرحت جائحة فايروس كورونا المستجد على الحكومات الأوروبية الكثير من الأسئلة الصعبة، بدءا من السؤال عن ضرورة غلق المدارس وحتى السؤال عن الشركات التي يجب التدخل لإنقاذها.

ومع استمرار إعادة فتح الاقتصادات والتخلي عن إجراءات الإغلاق التي سبق فرضها للحد من انتشار الفايروس، يواجه الساسة سؤالا صعبا جديدا، وهو هل يجب الإبقاء على برامج دعم أجور العاملين في الشركات الخاصة؟

ويرى خبراء أن هذه البرامج ساعدت العمال في الاحتفاظ من الناحية النظرية بوظائفهم ولم يتم تسريحهم في ذروة إجراءات الإغلاق، ولكن تكلفة هذه البرامج على الخزانة العامة كانت باهظة، إلا أن إلغاء هذه البرامج تدريجيا سوف يسفر عن بطالة جماعية.

وبرى فرديناندو جوليانو المحلل الاقتصادي في وكالة بلومبرغ للأنباء أن “التعامل مع هذه المشكلة يحتاج إلى مزيج من القبضة الحديدية والقفاز المخملي”، مضيفا أنه لا يجب أن تتوهم الحكومات قدرتها على حماية كل الوظائف في اقتصاداتها فبعض الشركات وبخاصة في مجالات تجارة التجزئة والترفيه عرضة لمخاطر التغير في عادات المستهلكين، حتى قبل جائحة فايروس كورونا.

ولكن على صناع السياسات في أوروبا توفير الوسائل اللازمة لمساعدة العاطلين الجدد، في ظل معدلات البطالة العالية المتوقعة.

كما تحتاج الحكومات إلى التأكد من قدرتها على التراجع عن قرارات تقليص برامج دعم أجور عمال الشركات إذا تقرر إغلاق الاقتصادات مجددا بسبب موجة ثانية من العدوى بالفايروس.

ويرى جوليانو في تحليله بوكالة بلومبرغ للأنباء أن “أسواق العمل في أوروبا تمر بمرحلة حرجة للغاية ففي بريطانيا على سبيل المثال ظل معدل البطالة خلال الربع الثاني من العام الحالي عند مستوى 3.9 في المئة فقط، وذلك لأن الشركات احتفظت بعمالها بفضل الدعم الحكومي السخي للأجور، كما أن الأشخاص الذين لا يعملون قد لا يبحثون عن وظيفة وبالتالي لا يتم اعتبارهم ضمن العاطلين،

ولكن الصورة الحقيقية لسوق العمل في بريطانيا تبدو أسوأ من ذلك بكثير إذا نظرنا إلى عدد البريطانيين الذين يعملون بالفعل. فقد انخفض عدد العاملين فعلا في بريطانيا خلال الربع الثاني من العام الحالي بمقدار 220 ألف شخص مقارنة بالربع الأول من العام، وهو أكبر تراجع من نوعه منذ الأزمة المالية السابقة التي تفجرت في عام 2008”.
وفي منطقة اليورو ارتفع معدل البطالة بالكاد إلى 7.8 في المئة خلال يونيو الماضي مقابل 7.7 في المئة خلال الشهر السابق، حيث تحملت برامج الدعم الحكومي للأجور الجزء الأكبر من عبء إبقاء العمال في وظائفهم. ورغم ذلك تظهر الشقوق واضحة في الصورة.

ففي إسبانيا ارتفع معدل البطالة بمقدار نقطة مئوية كاملة إلى 15.3 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي، في الوقت الذي زاد فيه عدد غير العاملين بين من هم في سن العمل بالبلاد بمقدار مليون شخص إلى 17.6 مليون شخص.

في المقابل فإن النبأ الجيد هو ظهور مؤشرات على تحسن النشاط الاقتصادي في أوروبا، في حين نجحت الحكومات حتى الآن في الحد من انتشار الفايروس بصورة أفضل من دول أخرى مثل الولايات المتحدة.

7.8في المئة نسبة البطالة في منطقة اليورو خلال شهر يونيو مقارنة بـ7.7 في مايو

وفي الوقت نفسه فإن العودة البطيئة إلى الأوضاع الطبيعية للاقتصاد تدفع السياسيين بمن فيهم وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك إلى إعادة النظر في الدعم الاستثنائي الذي قدمته الحكومة للاقتصاد خلال النصف الأول من العام الحالي. فهذه البرامج إلى جانب التكلفة الباهظة التي تمثلها بالنسبة للخزانة العام، تعطي حوافز خطأ للشركات والعمال من خلال الإبقاء على شركات غير قابلة للبقاء وتشجيع الكسالى على عدم العودة إلى أعمالهم الفعلية.

في العالم المثالي يقوم السياسيون المهرة بسحب الدعم الحكومي من الشركات التي استعادت عافيتها وأصبحت قادرة على الوقوف على قدميها، وكذلك من الشركات التي لا تمتلك أي فرصة للبقاء ومواصلة نشاطها.

وبعد ذلك تتم إعادة توجيه الموارد المالية إلى تلك الشركات التي تحتاج للمزيد من الدعم المؤقت ولديها فرصة جيدة للبقاء والتعافي في ما بعد.

غير أنه من الصعب التمييز بين الشركات التي لا تمتلك فرصة للبقاء وتلك التي تمتلكها وبالتالي تستحق مواصلة دعمها.

فأغلب الشركات ستدعي أن الصعوبات التي تواجهها مؤقتة، حتى تلك التي تعمل في قطاعات منكوبة مثل الطيران والضيافة.

أخيرا على الحكومات الأوروبية أن تكون مستعدة لإعادة إغلاق اقتصاداتها مرة أخرى كما حدث في الربيع الماضي.

والدعم الحكومي في هذه الحالة قد يكون مكلفا وربما مرهقا لبعض الحكومات، لكنه يظل حيويا في مثل هذه الأزمة.

العرب