بينما لم يتبق على انتخابات الرئاسة الأميركية سوى أقل من ثلاثة أشهر، شارك الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إبرام اتفاق سلام “تاريخي” بين إسرائيل والإمارات، لتطبيع العلاقات بين البلدين، معرباً عن توقعه أن تحذو دول إسلامية أخرى حذو الإمارات.
وحسب البيان المشترك، الذي نشرته وكالة الأنباء الإماراتية، فإنه “ونتيجة لهذا الانفراج الدبلوماسي وبناء على طلب ترمب وبدعم من دولة الإمارات، ستتوقف إسرائيل عن خطة ضم أراضٍ فلسطينية وفقاً لخطة ترمب للسلام”.
ومن شأن اتفاق تاريخي كهذا أن يشكل إنجازاً كبيراً لإدارة ترمب التي طالما واجهت انتقادات حادة على صعيد السياسة الخارجية وإغضابها حلفاءها. وقال روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي الأميركي، إن الشرق الأوسط كان في “فوضى” عندما تولى ترمب منصبه، وهذه خطوة أخرى للإصلاح.
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) 2017، يتبع الرئيس الأميركي سياسات مُنفرة للحلفاء التقليديين لبلاده.
وخلال مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض هذا الأسبوع، وفيما قال ترمب إنه يفكر في تأجيل قمة “مجموعة السبع”، التي كان من المقرر للولايات المتحدة استضافتها في يونيو (حزيران) الماضي، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تنعقد في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أعرب عن ترحيبه بدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القمة، وهو الأمر الذي يشكل تحدياً لقادة المجموعة التي تم استبعاد روسيا منها بسبب استيلائها على شبه جزيرة القرم شرق أوكرانيا عام 2014.
وفي حين يواجه ساكن البيت الأبيض انتقادات شرسة لسياساته الخارجية والداخلية، يعتقد مراقبون أن ترمب يسير على مقولة السياسي البريطاني الشهير فيسكونت بالميرستون، “ليس لدينا حلفاء أبديون، وليس لدينا أعداء دائمون. مصالحنا أبدية ودائمة، وتلك المصالح من واجبنا اتباعها”، وهي نفسها التي استخدمها وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، الذي كتب “أميركا ليس لديها أصدقاء أو أعداء دائمين. فقط مصالح”.
إنجازات منسية
ويقول سالفاتور بابونيس، الباحث لدى مركز الدراسات المستقلة في سيدني وأستاذ مشارك بجامعة سيدني، إذا نظرنا إلى الوراء على مدى أربع سنوات من سياسة ترمب الخارجية، سيشير المنتقدون إلى عدد من الإخفاقات في الشرق الأوسط وكوريا الشمالية، لكن في خضم سيل الانتقادات غالباً ما تُنسى إنجازات الإدارة. فربما لم يشر أحد إلى أن ترمب أبعد الولايات المتحدة في الغالب عن حرب لا يمكن الانتصار فيها في سوريا، وتخلص من جون بولتون، مستشار الأمن القومي، قبل أن يتمكن من بدء حرب مع إيران، ونال استحساناً في إسرائيل لنقل السفارة الأميركية إلى القدس. وبالأخير، لم تُجر كوريا الشمالية أي تجربة نووية منذ عام 2017″.
يضيف بايونيس، في مقال بمجلة فورين بوليسي، على الرغم من استمرار اعتقاد الكثيرين بأن ترمب دمية في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن العقوبات الأميركية على روسيا أصبحت أكثر صرامة خلال السنوات الأربع الماضية. وبينما أحياناً ما يواجه ترمب انتقادات بسبب دعمه للرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، لكن الرئيس المثير للجدل يتمتع بتفويض ديمقراطي قوي، بعد أن تم انتخابه بنسبة 55 في المئة من الأصوات في عام 2018.
وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، أرغم ترمب حلفاءه على إعادة التفاوض بشأن عدد من الاتفاقات والأمور الأخرى. ففي أميركا الشمالية، دفع ترمب باتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي أغلقت ثغرات خطيرة في اتفاقية التجارة الحرة السابقة لأميركا الشمالية (نافتا)، وحسنت حماية العمال وضوابط تتعلق بالمنازعات بين المستثمرين والدول. وتضغط الولايات المتحدة على بريطانيا لحرمان شركة هواوي، عملاق الاتصالات الصيني، من المشاركة في البنية التحتية لشبكة الجيل الخامس داخل المملكة المتحدة، حيث يقوم تحالف استخباراتي يضم البلدين وكندا وأستراليا بفحص عمل الشركة الصينية داخل الدول الغربية بسبب مخاوف من التجسس.
وفي فبراير (شباط) 2019، رضخت كوريا الجنوبية لمطالب الإدارة الأميركية بزيادة مساهمتها في نفقات نشر عشرات آلاف الجنود الأميركيين على أراضيها، بنسبة 10 في المئة. وبينما يضغط ترمب منذ دخوله البيت الأبيض لزيادة الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) رافضاً تحمل بلاده الجزء الأكبر من الميزانية، استطاع خلال قمة عام 2018 الوصول لغايته، حيث تم إعلان زيادة مساهمات الدول الأخرى بنسبة تزيد على 2 في المئة سنوياً فى ميزانية الدفاع. على الرغم من أنه في الوقت نفسه يغضب برلين، بسبب فرضه عقوبات على خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي سيربط أوروبا الغربية بإمدادات الغاز الروسي.
وفي شرق آسيا، يتساءل الخبير الأميركي هل كان من الصواب السماح للصين بسرقة الملكية الفكرية وإجبار الشركات الأميركية على الدخول في مشروعات مشتركة وإقامة جدار حماية على الإنترنت؟ أم السماح لها بالاستيلاء على بحر الصين الجنوبي بأكمله وعسكرته؟.
وفي غرب آسيا، بينما لم تسفر خطة السلام العربية الإسرائيلية التي دفعها صهر ترمب، غاريد كوشنر عن أي شيء، يرى بابونيس أن في هذه القضية لم ينجح أي شخص آخر في إحراز إنجاز يذكر منذ 40 عاماً. ويتساءل، هل كان من الصواب الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، التي يحكمها نظام ملتزم بـ”محو إسرائيل”، وما زال يسمي الولايات المتحدة بـ”الشيطان الأكبر”؟ أم الاستمرار في دعم السلطة الفلسطينية الفاسدة للغاية وغير الديمقراطية تماماً؟، بحسب وصفه.
ترمب وبالمرستون
ويرى مراقبون أن هناك تشابهاً بين ترمب وبالمرستون عندما يتعلق الأمر بممارسة أقصى قدر من الضغط فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار، وهو ما فعله السياسي البريطاني ضد الصين لتحقيق أهداف التجارة البريطانية، إذ كان بالمرستون وزير الخارجية البريطاني الذي أطلق فعلياً حرب الأفيون الأولى في عام 1840. وبحسب مارتن وولف، الخبير الاقتصادي البريطاني والمعلق لدى صحيفة فايننشيال تايمز، فإن ترمب، على الرغم أنه ليس بالمرستون، فإنه بالمرستوني.
لكن من جانب آخر، يقول كريستوفر هيل، الأستاذ في جامعة دنفر ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشئون شرق آسيا بين عامي 2005 و2009، إنه عندما يغادر ترمب البيت الأبيض، سيكون قد ترك الولايات المتحدة محرومة من الأصدقاء والمعجبين بها خارج حدودها، باستثناء مجموعة من الشخصيات البغيضة التي تشارك الرئيس الأميركي في رؤيته البائسة. مضيفاً في مقال بمجلة فورين أفيرز، أن الأضرار التي أحدثها الرئيس الحالي بالبلاد تترك ندوباً على كل جبهة، محلية وأجنبية، وهو ما سيجعل مهمة من يخلفه صعبة للغاية.
فهم ضيق للمصالح
ويرى ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، مؤسسة بحثية في نيويورك، أن أكثر ما يقود ترمب في إدارته لعلاقات الولايات المتحدة مع الدول الأخرى هو تركيزه على المصالح الاقتصادية، وفهمه الضيق لما هي عليه وكيف ينبغي متابعتها. في حين اعتقد أسلافه أنه إذا ساعدت الولايات المتحدة في تشكيل الاقتصاد العالمي، باستخدام قوتها وقيادتها لتعزيز الاستقرار ووضع قواعد للتجارة والاستثمار، فإن الشركات والعمال والمستثمرين الأميركيين سوف تزدهر. ويشير إلى أن حرب الخليج، على سبيل المثال، لم يتم خوضها من أجل النفط، بمعنى خلق فرص للشركات الأميركية للسيطرة على الإمدادات، ولكن لضمان توفر النفط لتغذية الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي.
ويضيف، إن ترمب مهووس بالموازين التجارية الثنائية، وزيادة الصادرات الأميركية وخفض الواردات على الرغم من أن العجز مهم بقدر ضئيل ما دامت البلدان الأخرى تتصرف وفقاً للقواعد ويمكن للولايات المتحدة الاقتراض لتغطية العجز. فجميع البلدان تتمتع بمزايا نسبية، ومعدلات مختلفة للادخار والإنفاق، تؤدي إلى عجز مع البعض وفوائض مع البعض الآخر. وفي المفاوضات التجارية مع الصين، كان يهتم أكثر بجعل بكين تلتزم بمشتريات محددة من المنتجات الزراعية الأميركية أكثر من معالجة القضايا الهيكلية الأكبر، على الرغم من أن معالجة هذه الأخيرة ستكون أكثر فائدة للشركات الأميركية والاقتصاد الأميركي ككل.
وفي المقابل، يضيف الخبير الأميركي، أظهر ترمب القليل من الاهتمام بالدفاع عن حقوق الإنسان، أو النهوض بالديمقراطية، أو تخفيف المصاعب الإنسانية، أو مواجهة التحديات العالمية مثل الهجرة، أو تغير المناخ، أو الأمراض المعدية، وكان متردداً في الرد على التدخل العسكري الروسي في سوريا. ويشير إلى أن التناقض بين ترمب والرؤساء السابقين لا يقل وضوحاً عندما يتعلق الأمر بوسائل السياسة الخارجية. فلقد كان الرئيسان الجمهوريان والرئيسان الديمقراطيان السابقين له يؤمنون على نطاق واسع بالتعددية، سواء من خلال التحالفات أو المعاهدات أو المؤسسات.
ولا يعني هذا أنهم تجنبوا اتخاذ إجراء أحادية الجانب تماماً، لكنهم جميعاً أدركوا أنه في معظم الحالات، فإن الترتيبات المتعددة الأطراف تضخم نفوذ الولايات المتحدة، وتضفي المعاهدات درجة من القدرة على التنبؤ في العلاقات الدولية. تعمل تعددية الأطراف أيضاً على تجميع الموارد لمواجهة التحديات المشتركة بطريقة لا يمكن لأي جهد وطني فردي أن يضاهيها. ويخلص بالقول إن فهم ترمب الضيق وغير الكافي لمصالح الولايات المتحدة وأفضل الوسائل لمتابعتها، قد شكل وفي معظم الحالات أعاق نهج الإدارة تجاه القضايا الأخرى.
إنجي مجدي
اندبدنت عربي