أنهى مجلس الأمن الدولي أمس الجمعة، برفض مقترح الولايات المتحدة تمديد حظر السلاح المفروض على إيران الذي تنتهي صلاحيته في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، معركة دبلوماسية أميركية امتدت لأشهر، على خلفية معارضة روسية وصينية وامتناع 11 دولة أخرى عن التصويت، منها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
وكان المبعوث الأميركي الخاص لإيران سابقاً بريان هوك، أوضح أن مشروع القرار المعدل الذي وزّعته الولايات المتحدة على أعضاء مجلس الأمن، يحتوي على أربع فقرات فقط بدلاً من مشروع القانون الأصلي الذي يحتوي على سبع صفحات، وينصّ على تمديد لحظر الأسلحة على إيران لمدة 13 عاماً حتى يقرّر مجلس الأمن خلاف ذلك.
وتنصّ مسودة القرار على “وقف جميع مبيعات الأسلحة من إيران وإليها والامتناع عن تقديم أي تدريب تقني أو موارد أو خدمات مالية أو مشورة أو أي خدمات أخرى مساعدة، تتعلّق بتوريد الأسلحة أو بيعها أو نقلها أو صيانتها لإيران”.
وسيسمح انتهاء الحظر لطهران بشراء طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية ودبابات وغواصات وصواريخ يصل مداها إلى أكثر من 300 كيلومتر، وسط تحذيرات أميركية لحلفائها الأوروبيين، من مخاطر وصول السلاح إلى إيران ووكلائها في المنطقة، ومطالب مجلس التعاون الخليجي بوضع إجراءات جديدة لمنع انتشار الأسلحة.
وبعد فشل مشروع قرار تمديد حظر السلاح على طهران في الحصول على تسعة أصوات مؤيدة، انتفت حاجة روسيا والصين لاستخدام حقّ النقض “الفيتو” الذي لوحّتا به، وسادت خيبة أمل واسعة في أوساط السياسة الأميركية، التي يتجه كبار مسؤوليها إلى النظر في خيارات أخرى لإيقاف تدفّق السلاح للنظام الإيراني، فما هي وهل تكون مجدية؟
تشير المعطيات إلى أن الولايات المتحدة لم تكن واثقة من تمرير المشروع، إذ إنّها سارعت إلى التأكيد مراراً على حقها باستخدام آلية “سناب باك”، التي تقضي بإعادة فرض العقوبات بشكل تلقائي وحظر مبيعات النفط والاتفاقات المصرفية. ومن الناحية النظرية، سيتعيّن على جميع أعضاء الأمم المتحدة الالتزام بهذه العقوبات.
وتتوعّد أميركا بإعادة فرض العقوبات الدولية تلقائياً بموجب المبدأ المحدّد في القرار 2231، الذي ينصّ على تحريك جميع العقوبات الدولية على إيران، في حال انتهكت خطة العمل الشاملة المشتركة وتجاوزت القيود المفروضة على برنامجها النووي. وأثار الإجراء المحتمل مخاوف الأطراف الملتزمة بالاتفاق النووي من أنه قد يعني نهاية الاتفاقية التي انسحبت منها إدارة ترمب قبل عامين.
وكشف المبعوث الأميركي الخاص لإيران الأسبق، أمس الجمعة في مؤتمر صحافي، عن أن بلاده وزّعت مسودة من ستّ ورقات حول قانونية خطوة تفعيل آلية “سناب باك”، صاغها قسم الإدارة القانونية في الخارجية الأميركية، لتوضيح قانونية وقوة موقف الولايات المتحدة وحقها في استخدام هذه الآلية التي لا تغيّر من الحقوق والالتزامات الأميركية وفقاً للقرار 2231، بخاصة أنه في فقرته الأولى يوضح أن مجلس الأمن يريد الاتفاق النووي الإيراني، لكنه لا يجعله ملزماً قانوناً”.
وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت في بيان أمس الجمعة، إن “بلادها لها كل الحق في الشروع في إعادة سريان أحكام قرارات مجلس الأمن السابقة في الأيام المقبلة”، مؤكدةً أن واشنطن ستفي بهذا الوعد.
يأتي ذلك بعدما عارضت روسيا والصين المقترح الأميركي، فيما امتنعت ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وثماني دول أخرى عن التصويت، ولم تلقَ الولايات المتحدة دعماً للاقتراح سوى من جمهورية الدومينيكان.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في بيان يوم أمس، إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمكلف بتحقيق السلم والأمن الدوليَّيْن، فشل في الحفاظ على مهمته الأساسية.
تشكيك بالقدرة على فرض عقوبات تلقائية
وبينما يؤكد مسؤولو الإدارة الأميركية أن الولايات المتحدة لديها الحق في إعادة فرض العقوبات على إيران بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، من المرجَّح أن يحتج المعارضون بأن الولايات المتحدة لا تستطيع الاعتماد على مبدأ “سناب باك”، كونها انسحبت من الاتفاق النووي، وهذا الإجراء خاص بأطراف خطة العمل المشتركة.
ويحذّر خبراء من أنه إذا طُبّقت جميع عقوبات الأمم المتحدة مرة أخرى على إيران، فقد يؤدي ذلك إلى إنهاء الاتفاق النووي ومفاقمة التوترات الإقليمية، في وقت قلّلت طهران التزامها بالاتفاق، قائلةً إنها ستعود إلى الامتثال إليه بمجرد عودة الولايات المتحدة إلى المعاهدة ورفع عقوباتها.
ممانعة أوروبية
في السياق ذاته، أكد وزير الخارجية الأميركي، وقوف بلاده مع حلفائها في المنطقة الذين توقّعوا المزيد من مجلس الأمن، قائلاً إن “إيران تمثل تهديداً حقيقياً لأوروبا”. وأضاف، “القرار الذي قدمناه هو ببساطة طلب تمديد حظر الأسلحة بشكل واضح ومباشر، ونعلم أن الأوروبيين يشاركوننا مخاوفنا بشأن امتلاك طهران للأسلحة”.
وبينما كان تصويت الجمعة يدور حول مدة حظر الأسلحة، فإنّ جوهر الخلاف بين الولايات المتحدة وخصومها في مجلس الأمن هو الاتفاق النووي، إذ إنّ المؤشرات تقول إن الأوروبيين متفقون على أن تدفّق الأسلحة من وإلى إيران يشكّل تهديداً، غير أنهم يستنكرون موقف واشنطن ورغبتها في تطبيق إحدى مواد الاتفاق النووي الذي عارضته مسبقاً.
وعلى الرغم من أن امتناع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا عن التصويت وتأكيدهم على الرغبة في إجراء مزيد من المفاوضات بشأن القيود المحتملة يشيران إلى قلق مماثل بشأن حرية إيران في عقد صفقات السلاح، فإنهم لم يقفوا إلى جانب المقترح الأميركي، ولمّحوا إلى أنه لم يكن ليمضي حتى مع دعمهم، نظراً إلى تلويح روسيا والصين باستخدام “الفيتو”. وأشار جوناثان ألين، الممثل الدائم لبريطانيا لدى الأمم المتحدة، في بيان بعد إعلان النتائج، إلى أن مشروع القرار “لن يسهم في تحسين الأمن والاستقرار في المنطقة”.
أما روسيا والصين، فتعترضان على مشروع تمديد حظر الأسلحة لأنه يفتقر إلى الأسس القانونية ويقوّض جهود المحافظة على الاتفاق النووي، بينما تتّهم إدارة ترمب موسكو وبكين بالاستفادة تجارياً وبمحاولة إبرام اتفاقات وصفقات سلاح مع طهران.
من جانبه، انتقد السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي، العقوبات المحتملة، قائلاً إن “بلاده ستواجه فرض أي عقوبات أو قيود عليها من قبل مجلس الأمن بشدّة وأن خياراتها ليست محدودة. وأضاف، “الولايات المتحدة وأي كيان قد يساعدها أو يرضخ لسلوكها غير القانوني، سيتحمّل المسؤولية الكاملة”.
وبعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، تحرّر الاقتصاد الإيراني بفضل رفع العقوبات مقابل موافقة طهران على وقف برنامجها النووي، واعتُبرت الصفقة إنجازاً دبلوماسياً مميّزاً للرئيس أوباما، وحظيت الولايات المتحدة حينها بدعم بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إضافةً إلى إشادة خصمَيْها الصين وروسيا، في حين انتقدت دول أخرى الاتفاق على رأسها السعودية، معتبرةً أنه لم يردع إيران عن ممارسة سلوكها العدائي.
وعندما دخل الرئيس ترمب البيت الأبيض تعهّد بتفكيك الاتفاق وأصرّ على قدرته في التوصل لصفقة أفضل. وعام 2018، أعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، ومنذ ذلك الحين، تجاوزت طهران حدود التخصيب النووي، وشنّت هجمات على أهداف عسكرية أميركية، فيما ردت الولايات المتحدة باستهداف قادة عسكريين إيرانيين، بمن فيهم الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
وأشارت وكالات الاستخبارات الغربية إلى جانب مسؤولي الأمم المتحدة إلى أن الصواريخ المستخدمة في هجوم على منشأة نفطية سعودية، العام الماضي، صُنعت في إيران، وكذلك الأسلحة التي اعترضتها البحرية الأميركية في طريقها إلى جماعة الحوثي في اليمن، في حين نفت طهران هذه المزاعم.
وقبل تصويت مجلس الأمن، يوم الجمعة، اتّهم وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، إدارة ترمب بإساءة استخدام مجلس الأمن لدفع أجندتها السياسية. واعتبر، في مقال مطوَّل نُشر هذا الأسبوع على موقع ميديوم، أن المجتمع الدولي يواجه قراراً مهماً: “هل نحافظ على احترام سيادة القانون، أم نعود إلى قانون الغاب؟”
قمة سباعية لتجنب التصعيد
وألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بثقله، داعياً إلى عقد قمة تهدف إلى منع المواجهة والتصعيد”. وقال بوتين في بيان إن القمة المقترحة يجب أن تتألف من قادة الدول الأعضاء في مجلس الأمن، إضافةً إلى رؤساء ألمانيا وإيران.
وأكد أن روسيا، حليفة إيران في الحرب السورية، ما زالت ملتزمة تماماً بالاتفاق النووي وأن الهدف من القمة سيكون “تحديد الخطوات التي ستسمح بتجنُّب المواجهة وتصعيد الموقف في مجلس الأمن”. وقال أيضاً إن القادة يمكن أن يناقشوا اتّخاذ إجراءات موثوقة للأمن وبناء الثقة، مضيفاً أن ذلك قد “يتحقّق إذا حشدنا الإرادة السياسية والنهج البنّاء لجميع دولنا ودول المنطقة”.
عيسى نهاري
اندبندت عربي