معركة استقطاب العشائر تستعر في الجزيرة السورية

معركة استقطاب العشائر تستعر في الجزيرة السورية

تمثل العشائر العربية رقما صعبا في المعادلة القائمة في الجزيرة السورية، وقد فشلت قوات سوريا الديمقراطية في استمالة هذا المكون نتيجة سياساتها الإقصائية، وهو ما فتح المجال لقوى أخرى للدخول بقوة على الخط. ولئن تبدو الأسبقية في كسب ود أبناء العشائر حتى الآن للنظام السوري، فإن هناك أسئلة تفرض نفسها بقوة، فإلى أيّ مدى سيكون الأخير قادرا على السير في هذا المسار؟ وهل يملك جرأة تسليحهم وتحمّل ردود الفعل الأميركية الناتجة عن ذلك؟

دمشق – تتركز الأنظار في سوريا بالفترة الأخيرة على منطقة الجزيرة التي تضم كلا من محافظات الحسكة ودير الزور والرقة، في ظل حرب استقطاب مستعرة للعشائر العربية من قبل قوى محلية وإقليمية ودولية لها أجندات متضادة.

وعرّت الاحتجاجات التي اندلعت قبل أسابيع قليلة في المنطقة لاسيما شرقي دير الزور وتخللتها أعمال عنف ومواجهات بين العشائر وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا، حجم الغضب الذي يعتمل في صدور أبناء العشائر حيال ما يعتبرونه عملية إقصاء ممنهجة لهم، ومحاولة فرض الإرادة الكردية عليهم.

وشهدت تلك المظاهرات دعوات إلى طرد القوات الأميركية التي يتهمونها بالانحياز للأكراد. هذه التطورات شكلت حافزا قويا لعدة قوى على غرار النظام السوري وحليفته روسيا إلى جانب تركيا للتحرك ومحاولة استقطاب العشائر الثائرة.

وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردي على الجزء الأكبر من منطقة الجزيرة حيث تبسط نفوذها على كامل محافظة الحسكة، وجزء مهم من الرقة ودير الزور اللتين تضمان غالبية عربية.

ويقول متابعون إن عملية استقطاب العشائر شرق وشمال شرق سوريا ليست جديدة في ظل المكانة التي يحظى بها هذا المكون، وقد سعى النظام السوري وحليفتيه روسيا وإيران على مدى سنوات إلى التقرب منه وكسب ولائه، كذلك الحال بالنسبة لتركيا التي تسعى لفرض نفسها لاعبا أساسيا في المنطقة الشرقية لأهداف عدة بينها محاصرة النفوذ الكردي وضرب مشروع الإدارة الذاتية وأيضا تكريس حضورها في صياغة مستقبل هذا البلد.

واحتضنت مدينة حلب التي استعادها النظام السوري في العام 2016 الأسبوع الجاري مؤتمرا لأبناء العشائر في عموم البلاد شارك فيه أكثر من 50 ممثلا عشائريا، وركز المؤتمر في نسخته الثالثة على ما أسموه بـ”دعم انتفاضة أبناء قبائل منطقة الجزيرة السورية في وجه الاحتلال الأميركي وعملائه”، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردي.

وأصدر المشاركون بيانا أكدوا من خلاله رفضهم للوجود الأميركي شرق الفرات وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. ودعا البيان إلى ضرورة “دعم نشوء المقاومة الشعبية شرق الفرات”، وتضمن مناشدة للرئيس السوري بشار الأسد “بتشكيل مجلس للعشائر يكون رديفا للجيش السوري في تحرير الأرض من الاحتلالين الأميركي والتركي وأعوانهما”.

وكان شيخ قبيلة “البكارة” نواف البشير استبق المؤتمر بالمطالبة بتكوين قوات وهيئة سياسية للعشائر، مجهزة بالسلاح بالتعاون مع النظام السوري لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة.

وقال البشير في لقاء مع صحيفة “الوطن” الموالية للنظام، إن العشائر “يمكن أن تقوم بمقاومة مسلحة ضد قسد والأميركان، إذا دعمت بالعتاد والسلاح وشكل مجلس قبائل لقيادتها”. ودعا إلى “حرب تحرير لمنطقة شرق الفرات، بالتنسيق ما بين القبائل والنظام، وبسط سيطرة هيئة سياسية للقبائل على المنطقة إلى حين دخول قوات النظام ورفع العلم فيها”.

ويرى محللون أن النظام وحلفاءه يدركون أن أي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة الشرقية ستكون لها عواقب وخيمة، وأن التوجه الأكثر واقعية هو خلق بيئة نافرة لهذا الوجود، وتشجيع أبناء المنطقة على الانتفاض ضده، وسبق وأن قال الأسد إن مواجهة الوجود الأميركي في شرق سوريا لا يكون إلا عبر “مقاومة شعبية”.

ويشير المحللون إلى أن تحركات النظام، وحشده للعشائر، تأتي بتنسيق واضح مع روسيا التي كثفت في الفترة الأخيرة اتصالاتها مع شيوخ ووجهاء في المنطقة، عبر ما يسمى بلجان المصالحات، بالتوازي مع تركيز الإعلام الروسي اللافت على هذا الملف.

ويبقى السؤال إلى أي مدى سيكون النظام السوري قادرا على السير في خيار دعم العشائر؟ وهل يستطيع فعلا الإقدام على خطوة تسليحها، وتحمّل ما سيترتب على ذلك من ردود فعل أميركية؟ ويقول متابعون إن مساعي تأليب المكون العشائري على الوجود الأميركي وقوات سوريا الديمقراطية، لا تنحصر فقط في النظام وروسيا بل هناك تركيا التي عمدت مؤخرا إلى احتضان مؤتمرات لشخصيات محسوبة على العشائر في خطوة المراد منها إظهار وجود تأثير قوي لها في ما يجري على هذه الرقعة الجغرافية.

إلى جانب ذلك هناك تنظيم الدولة الإسلامية الذي لا يزال يمتلك وجودا في المنطقة، رغم إعلان التحالف الدولي هزيمته. ويقول المتابعون إن عناصر التنظيم كثفت عملية تجنيد أبناء العشائر الثائرين والذين لديهم موقف حاد سواء من الأكراد أو النظام وحليفتيه روسيا وإيران.

وتبنّى تنظيم الدولة الإسلامية مساء الخميس هجوما بعبوة ناسفة استهدف الثلاثاء دورية للجيش الروسي قرب مدينة دير الزور في شرق سوريا وأسفر عن مقتل جنرال وإصابة عسكريين آخرين بحروح.

وقالت “وكالة أعماق” الناطقة باسم التنظيم في بيان تناقلته حسابات جهادية على موقع تلغرام إنّ “دورية للجيش الروسي وقعت في حقل ألغام زرعه مقاتلو الدولة الإسلامية شرق مدينة السخنة (في شرق سوريا) ما أسفر عن مقتل ضابط برتبة لواء وإصابة آخرين بانفجار عبوة ناسفة عليهم”.

وأضاف البيان أنّ عناصر التنظيم الجهادي استهدفت في نفس المنطقة قياديا في ميليشيا “الدفاع الوطني” الموالية لموسكو كان مع مرافقيه “عندما انفجرت عبوة ناسفة على آلية كانوا يستقلونها” مما أسفر عن “مقتله مع عدد من عناصر حمايته”.

وهناك مخاوف متزايدة من أن ينجح التنظيم الجهادي في استغلال غضب أبناء العشائر واستقطابهم، وهذا ما سيقوي شوكته، ويعيد بعثرة أوراق المتنافسين على المنطقة.

وفي ظل كثرة المتربصين تحاول قوات سوريا الديمقراطية تدارك أخطائها وتخفيف التوتر مع العشائر، واحتواء غضبها، قبل أن تجد نفسها محاصرة بنيرانها، وأعنلت قيادات في مجلس سوريا الديمقراطية الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية عن نية لعقد مؤتمر جامع لبحث النقاط الخلافية مع هذا المكون وسبل ومعالجتها.

العرب