أعلنت وزارة الدفاع السويدية، في بيان رسمي مساء أمس الاثنين، “تعزيز الحضور والتأهب العسكري في بحر البلطيق، بعد تدهور الوضع الأمني فيه، بما يذكر بفترة الحرب الباردة”.
وأكدت استوكهولم أنها ستباشر في زيادة جهود مراقبة الأجزاء الجنوبية الشرقية والوسطى للبلطيق “بعد ملاحظة تردي الوضع الأمني في المنطقة”. وتشير السويد بذلك إلى زيادة الأنشطة العسكرية الروسية، والتي تزايدت منذ توتر علاقتها بالغرب بعد ضم شبه جزيرة القرم في 2014، ووصلت في بعض الأحيان إلى الاقتراب والدخول في عمق المياه الإقليمية للبلد، من خلال ما كان يُطلق عليه “الغواصات الشبح”، بالإضافة إلى إرسال طائرات حربية مرئية للاسكندينافيين، الذين تصدوا مرات عدة لها.
وتشير “الدفاع” السويدية في بيانها إلى أن النشاط العسكري في البلطيق أخيراً “يستعيد نشاط فترة الحرب الباردة”. ويذكر مدير جهود الدفاع السويدي، يان ثورنكفيست، أن المتغيرات في البيئة الأمنية الدولية “والأنشطة العسكرية في إقليم بحر البلطيق، من الجانب الروسي والغربي، لم نشهد لها مثيلاً منذ انتهاء الحرب الباردة (1945-1992)”.
وتشاطر السويد شواطئ البلطيق مع فنلندا ودول البلطيق الثلاث (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا) وبولندا والدنمارك وألمانيا، بالإضافة إلى جيب كالينينغراد الروسي، إذ تنطلق من الأخير معظم تحركات موسكو العسكرية. وعززت روسيا أنشطتها العسكرية في البلطيق منذ 2014، وشهدت المنطقة تبادل اتهامات عن خروقات بحرية وجوية في المنطقة، ما دفع استوكهولم، العضو في الاتحاد الأوروبي وليس في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، إلى الاستعانة بالطرفين لصد اختراق الطيران الحربي الروسي لأجواء جزيرة “غوتلاند” السويدية. ودخلت كوبنهاغن واستوكهولم في تعاون عسكري يسمح للطائرات الحربية من الجانبين بالتصدي للسوخوي الروسي فوق البلدين. واعتبر الجانبان أن تهديد موسكو اللفظي في أكثر من مناسبة، وخصوصاً في ما يتعلق بجزيرتي بورنهولم الدنماركية وغوتلاند السويدية، بنشر المزيد من الصواريخ والطائرات في كالينينغراد، وإجراء مناورات تحاكي تدميرهما، أمر مقلق للبلدين، احتجت كوبنهاغن عليه سابقاً.
عززت موسكو خلال الأشهر القليلة الماضية وجودها العسكري البحري بحجة مرافقة القطع البحرية لسفن بناء خط أنابيب “نورد ستيرم 2” للغاز نحو ألمانيا، والذي رفضت الدنمارك مروره في المياه الإقليمية لجزيرة بورنهولم
واعتبرت وزارة الدفاع السويدية أن الأنشطة الروسية، بمناورات لم تكن بهذه الكثافة في السابق، في البلطيق “تعقّد الوضع أكثر”. وأضافت الوزارة السويدية في تبريرها حالة التأهب وتعزيز الحضور العسكري، إلى “مناورات روسية مستمرة بمشاركة الطيران والقطع البحرية، والاقتراب أكثر من حدودنا”، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء السويدية، “تي تي”، صباح اليوم الثلاثاء، عن يان ثورنكفيست. ولا تخفي السويد أنها بصدد تعزيز المراقبة والحضور العسكري في “غوتلاند” (مقابل جيب كالينينغراد) التي لم تكن تشهد سابقاً عسكرة سويدية لها، وهو ذات الأمر الذي عادت إليه الدنمارك في بورنهولم، التي شكلت في الحرب الباردة قاعدة متقدمة لحلف شمالي الأطلسي، لناحية التجسس ونشر قنابل وصواريخ أميركية وغربية.
وعلى الرغم من محاولة السويد الإيحاء بأنها لا تقوم بتعزيز عسكرتها لغوتلاند كتهديد لروسيا، إلا أن قول الدفاع إنها “مهتمة بالتطورات الأخيرة في المنطقة انطلاقاً من حقنا في الدفاع عن أراضينا وسيادة بلدنا”، يقصد به التحركات الروسية التي زادت في الفترة الأخيرة، وخصوصاً في أجواء البلطيق، والانطلاق المتكرر لطائراتها وطائرات كوبنهاغن “أف 35” كلما اقتربت الطائرات الروسية من أجواء البلدين، ما يشير إلى التوترات المتزايدة في المنطقة. وتذهب وزارة الدفاع السويدية إلى القول إنها ستعزز حضورها الجوي والبحري والبري لمراقبة ما يجري في البلطيق.
وعلى الرغم من أن استوكهولم ليست عضواً في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، إلا أن جارتيها الاسكندينافيتين، كوبنهاغن وأوسلو، عضوان في الحلف، وعززت استوكهولم تعاونها مع البلدين منذ 2015، هذا بالإضافة إلى تعزيز علاقتها بقوى غربية من الحلف تحت مسمى “الشرطة الجوية” لحماية دول البلطيق الثلاث، والتي تشهد توتراً في علاقتها مع موسكو منذ فترة، فضلاً عن التوتر بين ليتوانيا وبيلاروسيا أخيراً على خلفية لجوء زعيمة المعارضة ومنافسة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، سفيتلانا تخانوفسكايا. وهو أيضاً ما ربطه ثورنكفيست، بحسب وكالة الأنباء السويدية، حين تحدث عن “التطورات الحاصلة في بيلاروسيا من الأمور التي يجب أخذها بالاعتبار والتي تسهم في تعقيد الوضع، مع زيادة القلق وغياب اليقين على الصعيد الدولي، بوجود اضطرابات وصراعات لا يمكن التنبؤ بمجرياتها، وبشكل خاص مع زيادة ملحوظة للتدريبات والمناورات الروسية التي لم نشهدها سابقاً”. وتؤكد وزارة الدفاع السويدية أنها “تعمل على مدار الساعة وتجري تقييماً يومياً، وبعض العمليات منها مرئية وأخرى سرية لا يمكن ملاحظتها في البلطيق. وعلى الرغم من أن مخاطر الحرب ضد السويد منخفضة إلا أن غياب اليقين والوضع الأمني المتشنج في المنطقة يتطلبان منا الاستعداد للتكيف واختيار الوسائل الكفيلة بمواجهة التحديات”.
والجدير بالذكر أن موسكو عززت خلال الأشهر القليلة الماضية وجودها العسكري البحري بحجة مرافقة القطع البحرية لسفن بناء خط أنابيب “نورد ستيرم 2″(سيل الشمال 2) للغاز نحو ألمانيا، والذي رفضت الدنمارك مروره في المياه الإقليمية لجزيرة بورنهولم.
ناصر السهلي
العربي الجديد