تقلبات سياسية تهدد التحالف الإستراتيجي بين السعودية وباكستان

تقلبات سياسية تهدد التحالف الإستراتيجي بين السعودية وباكستان

إسلام أباد – يتعرض التحالف بين باكستان والسعودية إلى اهتزازات سياسية، بسبب اقتراب إسلام أباد من تركيا وقطر وإيران بحثا عن دعم مالي سخي بدا أن الرياض لم تعد متحمسة له في ظل تراخي باكستان في الاستجابة لمطالب سعودية، بينها الاشتراك في تحالف إسلامي واسع مدعوم أميركيا ضد التمدد الإيراني وخطره على الأمن القومي السعودي، وقبل ذلك تراجع تحمّس باكستان لإرسال قوات إلى اليمن.

وكان وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي اشتكى من عدم دعم منظمة التعاون الإسلامي لباكستان في نزاعها مع الهند حول كشمير، واقترح قريشي أن تسعى بلاده لحشد الدعم خارج نطاق السعودية.

ومن خلال القيام بذلك، كان قريشي يوجه استفزازا للسعودية في الوقت الذي تسعى فيه المملكة لتثبيت هيمنتها الدينية والإقليمية، مواجهة مساعي الهيمنة التركية والإيرانية.

وتعد العلاقة بين البلدين منذ البداية اتفاقية أمنية مقرونة بالروابط الدينية وعقود من المساعدات المالية السعودية التي دونها لم يكن بوسع باكستان أن تنجو من عجزها المالي وممارسات الحكم الفاسدة.

وفي الآونة الأخيرة كان هناك الكثير من الضجيج في وسائل الإعلام الدولية والدوائر السياسية والفكرية الباكستانية حول النهاية المفترضة للعلاقات السعودية الباكستانية. لكنّ مساعي حثيثة من قبل قائد الجيش الباكستاني، الجنرال قمر باجوا، نجحت في إعادة الحياة إلى هذه العلاقة في ظل رغبة قوية من القيادة السعودية.

وذكرت تسريبات إعلامية في إسلام أباد أن السعودية طالبت بسداد قرض مُنح لباكستان، وذلك نظرا لانخفاض أسعار النفط بشكل عام والقيود الاقتصادية التي اضطرت الرياض إلى تقليص إنفاقها الخارجي.

ويقول عصام حامد، الرئيس التنفيذي السابق للاستثمار في شركة التنمية الاقتصادية السعودية، “سداد القرض ليس مهما في العلاقات السعودية الباكستانية بشكل عام. المبلغ ضئيل؛ ما يريده السعوديون هو استثمار مالي يساعد أيضا الاقتصاد السعودي، هذا هو نموذج ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان”.

وتزامنت قصة القرض مع ضغوط داخلية على الحكومة الباكستانية لحل مأزق كشمير، في أعقاب قرار الهند إلغاء الحكم المستقل للإقليم.

وقال وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، في بيان صريح إنه إذا لم يدع شركاء باكستان الخليجيون إلى عقد اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي من أجل مناقشة مسألة كشمير، فإن باكستان ستذهب إلى مكان آخر للحصول على الدعم.

وفي الوقت نفسه لم يمر النفوذ التركي والماليزي المتزايد على رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مرور الكرام في الرياض، لاسيما بعد أن كرر أكثر من مرة أن أبطاله السياسيين هم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد.

ويقود خان مبادرات دبلوماسية بالتنسيق مع قادة تركيا وماليزيا. وفي قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي قرر الزعماء الثلاثة إطلاق منصة إسلامية مشتركة لمواجهة الإسلاموفوبيا.

ونتجت عن ذلك قمة مثيرة للجدل في كوالالمبور كانت أول مؤتمر إسلامي كبير خارج إطار منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ من السعودية مقرّا لها. كما أفضى وجود الرئيس الإيراني حسن روحاني وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في تلك القمة إلى إزعاج السعوديين الذين اعتبروا قمة ماليزيا تهديدا لقيادتهم أكثر من كونها منتدى إسلاميا.

ولا يعترض السعوديون على العلاقات الثنائية بين باكستان وتركيا وماليزيا، ومع ذلك لا يريدون لباكستان أن تكون جزءا من تدخل أردوغان الإقليمي في الشؤون العربية.

وتتعلق مخاوف السعودية إلى حد كبير بمخاوف من إقامة تحالف إقليمي محتمل بين قطر وإيران وتركيا. ولا يبدو أن باكستان تقدّر حساسية الرياض تجاه المشاعر المعادية للسعودية في تركيا وقطر.

ويقول جيمس دورسي، الخبير في قضايا الشرق الأوسط، إن الخلاف مع باكستان يطرح تحديات خطيرة تعترض سعي السعودية إلى قيادة جيوسياسية ودينية للعالم الإسلامي.

ولفت دورسي إلى أن ما يزيد الطين بلةً تطورُ الخلاف الباكستاني السعودي، حيث كانت المملكة تتعرض لضغوط كي تتّبع خطى الإمارات في الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية.

ويرى محمد السلامي، رئيس معهد الرصانة، الذي يزور باكستان بانتظام للقاء كبار الجنرالات، أن “السياسة السعودية تجاه باكستان لا تزال كما هي، فهي داعمة للغاية على جميع المستويات. لكني أعتقد أن بعض السياسيين في باكستان يحاولون الإضرار بالعلاقات بين الرياض وإسلام أباد لصالح طرف ثالث هو تركيا وقطر”.

وقاد قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا العلاقة المؤسسية بعيدا عن الشخصنة والعروض الفردية. وقد فعل ولي العهد السعودي الشيء نفسه، وهذا يعني أن التعاون العسكري الوثيق قد تطور إلى علاقة أوسع على أساس أكثر إنصافًا، بدلاً من أن يتسم بمد يد المساعدة.

وكان باجوا قد أصلح في وقت سابق أيضا علاقة باكستان بالإمارات، والتي توقفت منذ أن رفضت باكستان مساعدة الإمارات في العمليات العسكرية الجارية في اليمن. وقبل زيارة باجوا إلى الإمارات كان هناك تجميد لجميع الأنشطة الدبلوماسية الإماراتية الباكستانية.

وزار باجوا الرياض وأكد للسعوديين أنه لا يوجد خطر من المشاركة الباكستانية في القمة المناوئة للسعودية. كما أوضح السعوديون لباكستان أنه بينما تدعم الرياض موقف باكستان من كشمير تبقى الهند شريكا اقتصاديا مهما، وأن السعوديين مستعدون للتوسط بدلاً من الضغط على الهند.

ودعا كمال علم المحلل السياسي، والزميل الزائر في المعهد الملكي للدفاع والدراسات الأمنية في بريطانيا، كلا الدولتين إلى تبني منظور واقعي حول أولوياتهما والتهديدات الأمنية التي تواجهانها.

وقال إنه “لا يمكن أن يكون هذا طريقا ذا اتجاه واحد، وخاصة أن مصر قد حلت الآن محل باكستان كضامن رئيسي للسعودية للأمن الداخلي والإقليمي. فقد كان الجيش المصري بقيادة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هو الذي دعم السعوديين في المنطقة دون الحاجة إلى انتشار تكتيكي في ساحة المعركة”.

العرب