خطوات سريعة لعودة العراق إلى محيطه العربي تواجهها عقبات

خطوات سريعة لعودة العراق إلى محيطه العربي تواجهها عقبات

يشهد العراق تحركات عربية ولقاءات مرتقبة، تعكس اهتماماً عربياً سيرسم ملامح مرحلة جديدة من العلاقات مع محيطه العربي.
ويسير التحرك نحو العالم العربي بخطى كبيرة، إذ أثمرت القمة العراقية – المصرية – الأردنية التي عُقدت في عمّان يوم 25 أغسطس (آب) الماضي، إعادة طرح فكرة مشروع “الشام الجديد” الذي يربط العراق ومصر عبر الأردن. ويركز المشروع على التعاون الاقتصادي، وتعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية بين البلدان الثلاثة. كما ستشهد الأيام المقبلة زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى المملكة العربية السعودية، بعد الزيارة الرسمية التي أجراها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى بغداد في 27 أغسطس الماضي.

القبضة الإيرانية

تحركات ديبلوماسية وزيارات رسمية عدّ بعض المحللين أنها ستخلص العراق من قبضة إيران، وتخلق مشاريع تنموية تعود بالفائدة على العراق والدول العربية على حد سواء، في حين اعتبر آخرون أنها لا تعدو سوى كونها مجرد تحركات ديبلوماسية، لن تصب في مصلحة العراق الذي يحتاج إلى استعادة دوره السيادي أولاً، ومن ثم الانتقال إلى بناء علاقات خارجية متوزانة. كما نظر قسم آخر من المراقبين بعين الشك إلى تلك التحركات، مطالبين بألا “تفتح هذه العلاقات الباب أمام الدول العربية للتدخل في شؤون العراق”.

إبعاد العراق عن محيطه العربي

ورأى الصحافي العراقي عثمان المختار أن “المساعي العربية لانتشال العراق من حال الانغلاق غالباً ما كانت تصطدم بالفاعل الإيراني القوي على الأرض العراقية، والأحزاب والميليشيات المرتبطة به، فإيران ومن خلال أذرعها في العراق عملت على الوقوف ضد كل محاولة عربية لاستعادة العراق وضعه الطبيعي، مثلما يحدث الآن من محاولات لإعاقة إعادة فتح معبر عرعر بطرق مختلفة”.
كما اعتبر الكاتب العراقي وقاص القاضي أن “الأحزاب الحاكمة غالباً ما تروج عبر ماكيناتها الإعلامية ومؤسساتها الدينية للأفكار التي تقف ضد أي تقارب عربي، فخطابها يتجه غالباً نحو شيطنة دول الجوار العربي، ووصفها بأنها منبع الإرهاب”، وبالتالي لم ترغب دول عربية عدة بالتقدم نحو العراق بسبب الهيمنة الإيرانية.
في السياق ذاته، صرح المدون علي عادل بأن “العراق يعيش تحت هيمنة الكتل السياسية التي تصر على إبعاده عن محيطه العربي”.

التخلي عن العراق

في المقابل، اعتبر النائب عن “تحالف الفتح” نعيم العبودي في تصريح إلى “اندبندنت عربية” أن “الدول العربية هي من ابتعدت عن العراق بعد التغيير الذي حصل عام 2003”. وعزا العبودي ابتعاد الدول العربية عن العراق إلى “السبب الطائفي”، بعدما أفرزت الانتخابات “غالبية لا تتوافق مع بعض الدول العربية”.

وأشار إلى أنه “حتى وقت قريب، لم يكن هناك تمثيل ديبلوماسي عربي على مستوى السفراء، ما يشير إلى عدم رغبة الدول العربية في بناء علاقات متينة مع العراق”.
من جانب آخر، رأى السياسي العراقي المستقل صلاح العرباوي أن “الدول العربية أخطأت عندما لم تساند التغيير الذي حدث في العراق عام 2003″، مضيفاً أن السياسة لا تؤمّن بالفراغ “فعندما ترك العرب فراغاً عربياً شغلته غيرهم من دول الجوار”.

مهمة وإن تأخرت

في سياق متصل، أكد الصحافي إياد الدليمي أن “أي انفتاح عربي مع العراق وإن كان متأخراً فهو لمصلحة الجميع، ولابد للدول العربية أن تعلم أن وجود عراق متعاف إلى جوارها أفضل من عراق مضطرب”. وأوضح الدليمي أن “عملية الدعم العربي يجب أن تكون مشروطة باعتماد إصلاحات حقيقية، قادرة على تلبية طموحات الشعب العراقي، بخاصة مع وجود رغبة أميركية وأوروبية خلف هذا الدعم”.
ولم يبتعد الكاتب العراقي حسين رشيد عن هذا الرأي، إذ شدد على أن “عودة العراق ‏إلى محيطه العربي مطلوبة من الطرفين، فكلاهما يضيف قوة إلى الآخر”، موضحاً أنه “بعدما تخلت الدول العربية عن العراق عام 2003، أيقنت الآن أهمية عودة الأمور إلى نصابها، فالعراق بلد كبير وغني وقوي، ويمكن أن يكون له تأثير كبير في القضايا العربية”.

توجهات لن تصب في مصلحة العراق

من ناحية ثانية، اعتبر الصحافي وقاص القاضي أن الكاظمي اختار التعاقد مع مصر والأردن، وروج لهذا المشروع على أنه بذرة اتحاد عربي، فيما الواقع يقول إن العراق هو الخاسر من هذا المشروع، حين قدّم تنازلاً لتزويد هذه الدول بالنفط بسعر يقل عن ثمنه بـ 16 دولاراً”. وأضاف القاضي أن “العراق الذي يعاني شبابه البطالة ليس بحاجة إلى الكتلة البشرية في مصر، ولا هو بحاجة إلى ممر الأردن، فموقعه الاستراتيجي يغنيه عن أن تكون الأردن ممراً له”.

تقارب مشروط

الكاتب يحيى الخفاف قال إن “التقارب العراقي مرهون بتوافقات وسياسات ترتبط بقوى إقليمية ودولية، وليس للعراق كدولة يد في بناء أو هدم التقارب مع أي نظام سياسي، كما أن أي تحرك تجاه العراق قد يأتي بدافع رغبات المجتمع الدولي، وليس بناء على رغبات حقيقية”.

الفرصة متاحة لبدء العلاقات

أما رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري فاعتبر أن “هناك عوامل ساعدت في عودة بناء العلاقات العراقية مع الدول العربية، أبرزها وجود حكومة تتمتع بنوع من الاستقلالية، ورئيس وزراء بعيد من الأحزاب التقليدية، يدفع الحكومة إلى تبني طروحات جديدة للعلاقات الدولية، ومحاولة تثبيت العراق على منصة الاعتدال”.

وأضاف الشمري أن “رغبة بغداد في الانفتاح على الدول العربية قابلتها رغبة من الدول العربية في زيادة التبادل الاقتصادي، ومحاولة استثمار الأرض العراقية، ويضاف إلى ذلك وجود توجه من الدول العربية نحو وقف النفوذ الإيراني. هذه العوامل كلها أسهمت في إعادة ترميم العلاقات بين العراق ومحيطه العربي”.

مواجهة بالرفض

مع إعلان الحكومة العراقية رسمياً رغبتها في عودة العلاقات مع الدول العربية، رأى بعضهم أن هذه الدعوة ستُجابه بالرفض والمقاومة من بعض الجهات.

وقال إحسان الشمري إن “عودة العلاقات لا ترتبط بالجهود الحكومية فقط، بل تتوقف على الإرادة السياسية، إذ هناك جهات غير راغبة بتوسع العلاقات مع المحيط العربي، ولذا ستقف ضدها”. وأشار إلى وجود “أطراف تنظر إلى بعض الدول العربية كمصدر تهديد لقوتها”.
أما المستشار السابق لـ “التحالف الدولي ضد داعش” كاظم الوائلي فصرح أن “التحدي الذي سيجابه الحكومة العراقية يتمثل في قدرتها على ضبط الإيقاع الأمني في العراق، ولا بُد لحكومة الكاظمي أن تؤكد أنها حاضنة للعرب، فليس من المعقول فتح سفارات لدول عربية، ثم تحرق من قبل رافضي الوجود العربي على أرض العراق”.
وتابع الوائلي القول “إن بعض القوى ستعرقل هذه الخطوات، لأنها تريد عزل العراق، وبالذات المناطق الغنية بالنفط في الجنوب عن المحيط العربي، كونها تمثل الأجندة الإيرانية، وأفرادها هم سفراء إيران على الأرض العراقية. هذه القوى ستعرقل أي تحرك اتجاه عودة العلاقات العراقية – العربية”.

أما النائب عن “تحالف القوى” ظافر العاني فأشار إلى أن “إيران تشعر بأنها ستفقد كثيراً من المزايا التي كانت تحتكرها، وتعتبر العراق أشبه بماكينة صراف آلي لتدفق العملة الصعبة إليها في مواجهة مضاعفات الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية، ما يجعل توجه العراق نحو محيطه العربي مليئاً بالعقبات، وستقف الجهات المؤيدة لإيران ضد أي تحرك من هذا القبيل”. وأضاف أن “عودة العراق إلى محيطه العربي ستشكل اختباراً حقيقياً لحكومة الكاظمي وقدرتها على رسم علاقات متوازنة تصب في مصلحة العراق، وتبعده عن هيمنة أي طرف إقليمي”.

غفران يونس

اندبندت عربي