من الطعن في “رأس العين” الذي تبين لاحقاً كعملية وطنية، ثم قتل الحاخام أوحايون في مفترق سيجولا، إلى عملية أمس في مفترق تفوح – في غضون أقل من شهر، ثلاث عمليات بينها كثير من الفروقات، من حيث مزايا المخربين الذين نفذوا العمليات وخلفياتهم، ولكن بينهم قاسماً مشتركاً واحداً: كلهم خرجوا لتنفيذ العملية بإرادتهم الخاصة، دون أن يحتاجوا إلى مساعدة شبكة إرهاب. وهذه الميزة هي التي تحول التحدي لاعتقال المخربين الأفراد قبل أن ينفذوا عملياتهم المعقدة على نحو خاص.
من السابق لأوانه رؤية موجة تصعيد وإرهاب مقتربة من يهودا والسامرة بعد ثلاثة أحداث ليست بينها علاقة مباشرة. ولعل هذا يكون معطى شاذاً نسبياً لأن جهاز الأمن يقوم بصد معظم العمليات وهي في مراحل التخطيط. ولكن هذا الجهاز يتذكر حجوم الإرهاب العالية والأكثر خطراً بكثير.
الحقيقة هي أن عمليات الأفراد تقلق الجيش الإسرائيلي، ولكن في نظرة أكثر اتساعاً، فإن ما يقلق جهاز الأمن اليوم أكثر هو انهيار محتمل لحكم السلطة الفلسطينية، في ضوء استمرار القطيعة وانعدام التنسيق مع إسرائيل. هذا هو السيناريو الأخطر الذي تصفه إسرائيل كعامل دراماتيكي قد يؤثر على الاستقرار الأمني وعلى حجوم الإرهاب في يهودا والسامرة وخارجها. قد يكون الوضع الداخلي في السلطة هو الأسوأ والأصعب منذ نشأتها؛ فهي تجد صعوبة في فرض النظام والقانون. وحجم صفقات المخدرات والسلاح داخل السلطة في ارتفاع دراماتيكي، والوضع الاقتصادي صعب، وكورونا يقلق الصورة فيجعلها أكثر تعقيباً وبعثاً على اليأس.
بعد سنوات طويلة تعاطت فيها إسرائيل مع تهديدات رئيس السلطة أبو مازن لوضع المفاتيح وحل السلطة كتهديدات فارغة من المضمون، ففي إسرائيل محافل مهنية تتحدث عنه كسيناريو معقول، مع أو بدون إبقاء أجهزة الأمن على حالها. ومع أن إسرائيل تخلت بحكم الأمر الواقع عن الضم، إلا أن أبو مازن غير مستعد للنزول عن الشجرة. فقد استأنف العلاقة مع الأمريكيين، ولكن ليس مع إسرائيل. وسواء دار الحديث عن شؤون الكرامة والعزة أم عن عدم الثقة بينه وبين حكومة نتنياهو، تواصل محافل الأمن والممثلون الإسرائيليون الرسميون عقد اللقاءات مع محافل فلسطينية مهمة، بعضها مقرب من أبو مازن، في محاولة لاستئناف العلاقة أو على الأقل التنسيق الأمني. الإحساس الإسرائيلي هو أن أبو مازن يقترب من مفترق قرار، وأن الوضع الصعب في السلطة سيتطلب منه حسماً شخصياً ودراماتيكياً. وفي هذه الأثناء، كما أسلفنا، تجتهد أوساط جهاز الأمن لاستئناف التنسيق الأمني بين الطرفين، ولكن دون نجاح حتى الآن.
سينهي أبو مازن دوره، بطبيعة الحال، في وقت ما. السؤال هو: كيف سيحصل هذا؟ إن خطوة دراماتيكية من جهته ستؤثر بشكل فوري على الاستقرار الأمني، وهذا ما نجد جهاز الأمن الإسرائيلي معنياً جداً بمنعه. واللغم المتشكل في خطة الضم، وإن كانت قد شطبت عن جدول الأعمال في هذه المرحلة على الأقل، إلا أن مجال المقاطعة في رام الله يبدو كسور منيع لا يمكن اقتحامه.
القدس العربي