يرجح المتابعون السياسيون أن تستفيد إيران من الموقف الأوروبي – الروسي الساعي إلى إنقاذ الاتفاق النووي، وهو ما جعلها تلوح بورقة ضغط جديدة وهي التسليح، بعدما تمسكت الولايات المتحدة باستئناف العقوبات الغربية على طهران، دون أن يحظى مقترحها بموافقة جماعية في مجلس الأمن. والآن، ما أبعاد فشل استراتيجية الحظر الأميركي؟
تظهر كافة السياقات الجيوسياسية أن التركيز على المقاربات الإدراكية للإدارة الأميركية في التعامل مع إيران يأتي انطلاقا من افتراضات أساسية تتمحور حول تبني خيارات استراتيجية طويلة المدى. وهكذا جاء خيار العقوبات الاقتصادية كمدخل لخطة الردع الأميركي تجاه طهران في الساحة الإقليمية.
وفي الوقت الذي يبدو فيه الشرق الأوسط على بعد أيام من انتهاء الحظر المفروض على إيران، يحتاج المتتبعون للأحداث المتسارعة في المنطقة لفهم عميق لتقلص القيود الدولية عن هذا البلد، مع النظر بطريقة أخرى لتداعيات العقوبات التي أعاد فرضها الرئيس دونالد ترامب على طهران بعد انسحابه من الاتفاق النووي المبرم صيف 2015.
وقد فرضت الولايات المتحدة مطلع الأسبوع الجاري عقوبات إضافية على وزارة الدفاع الإيرانية وآخرين منخرطين في برنامج إيران النووي وبرنامجها للأسلحة، في تأكيد لإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على طهران، وهي الخطوة التي يرفضها حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون الرئيسيون وكذلك روسيا والصين.
والمؤكد أن ثمة قلق إزاء استغلال إيران الاتفاق النووي، واستمرار تجاوزاتها على مستوى خطة العمل الشاملة المشتركة حتى تدعم ترسانتها العسكرية. وقد أبدت روسيا استعدادها للتعاون الدفاعي مع الإيرانيين بعد انتهاء الحظر، فضلا عن عدم التزامها بتطبيق اتفاق الضمانات المبرم مع وكالة الطاقة الذرية وفق معاهدة عدم الانتشار.
سعي أميركي أكبر للحد من النفوذ الإيراني
سعي أميركي أكبر للحد من النفوذ الإيراني
وما يؤشر على أن من المحتمل ظهور صدام يتجاوز الخلافات المحتدمة بين الحليفين الأوروبي والأميركي، هو أن سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، أعطى بوضوح موقف موسكو من أي خطوة تقدم عليها واشنطن حين قال إن “العقوبات الجديدة لن تكون لها أي عواقب سياسية أو عملية على التعاون مع إيران”.
ويعتقد محللون عسكريون أن محددات التعاطي الأميركي مع إيران في ظل الاستراتيجيات المختلفة والمتقاطعة مع الفواعل الدولية والإقليمية الأخرى تمنح مجالا أكبر للحد من النفوذ الإيراني لما يشكله من تهديد للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، لاسيما في ظل دينامية الأحداث والاضطرابات التي تشهدها المنطقة.
وخلال السنوات العشر الأخيرة، دخلت العلاقات بين دول الشرق الأوسط وإيران مرحلة أكثر توترا وتعقيدا بعد أن تورطت استخبارات نظام المرشد آية الله علي خامنئ في مخططات مشبوهة لتوسيع نفوذ بلده وتنفيذ أجندتها لتهديد استقرار دول الجوار وذلك عبر دعم أذرعها بالمال والسلاح.
وذكر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في تقرير حديث أن الإيرانيين سيواصلون على الأرجح تهديد دول المنطقة عبر أذرعهم المنتشرة في كل من العراق سوريا ولبنان واليمن وقطاع غزة، وأيضا تهديد الملاحة البحرية في الخليج العربي.
وبينما تواصل طهران التحشيد العسكري لجماعة الحوثي في اليمن بإمدادها بالمستشارين العسكريين والتدريب والأسلحة كالصواريخ الباليستية بعيدة المدى والطائرات بدون طيار، تتبع في لبنان طرقا سرية لتقديم الدعم المادي واللوجستي لحزب الله اللبناني حتى يحصل على السلاح.
وتهدف إيران أيضا إلى إقامة منطقة نفوذ جيوسياسية في المنطقة، ودخلت استراتيجيتها مرحلة جديدة عبر استخدام القوة الناعمة ولا يبدو أنها تنوي بأي حال من الأحوال سحب قواتها من سوريا، في الوقت الذي تتجاهل فيه تحذيرات دول المنطقة بشأن أنشطتها في مياه الخليج حيث تمارس البحرية الإيرانية استراتيجية استفزازية.
وبالإضافة إلى ذلك، يريد النظام الإيراني أن يجعل من حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين خط دفاع أمامي له لتنفيذ أجندته الإقليمية واستخدامهما وفق مصالحه في المنطقة خاصة وأن استراتيجيته غير مقيدة بحدوده الجغرافية، وهذا ما يجعل من طريقة الردع الأميركي قد تبدو غير مجدية اليوم وتحتاج إلى إعادة تقييم.
صحيفة العرب