فرضت الولايات المتحدة الخميس عقوبات على القطاع المالي الإيراني في محاولة لإخضاع طهران عبر استكمال خنق اقتصادها في إطار “حملة الضغوط القصوى” التي لم تسمح للرئيس دونالد ترامب حتى الآن بالحصول على “اتفاق أفضل” يأمل فيه مع إيران.
وقبل أقل من أربعة أسابيع على الانتخابات التي يسعى ترامب إلى الفوز فيها بولاية ثانية، أعلن الرئيس الأمريكي عن إجراء يدفع باتجاهه “الصقور” المعادين لإيران لقطع القطاع المالي الإيراني نهائيا عن العالم.
وقال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين في بيان إن “إجراءات اليوم لإدراج القطاع المالي الإيراني على اللائحة السوداء ومعاقبة 18 من المصارف الإيرانية الكبرى، تظهر التزامنا بوقف الحصول غير القانوني على الدولار الأمريكي”.
من جهته، صرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن “حملتنا للضغوط الاقتصادية القصوى ستستمر ما لم تقبل إيران بإجراء مفاوضات شاملة تتناول السلوك الضار للنظام”، موضحا أن هذه العقوبات ستدخل حيز التنفيذ خلال 45 يوما، أي بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر، لكن قبل تولي الفائز فيها مهامه في 20 كانون الثاني/ يناير.
ورأى بهنام بن طالب من مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، التي تدعو إلى تبني خطّ متشدّد تجاه إيران، أنه “لا تزال توجد نقاط اتصال عدّة بين القطاع المالي الإيراني والنظام المالي الدولي” وحان وقت قطعها.
وأضاف بن طالب: “هذه العقوبات دليل أيضاً على أنه لا تزال توجد أهداف يمكن ضربها، لزيادة الضغط الاقتصادي على طهران”.
“أمريكا أقل أمانا”
ورأت بربارا سالفين من مركز “المجلس الأطلسي” أن “هذه العقوبات ساديّة مغلّفة بسياسة خارجية”. وأضافت أنها “لن تُركّع الحكومة الإيرانية، بل ستضعف الناس العاديين وتعزّز السوق السوداء وتقوّض على المدى الطويل العقوبات التي تدور حول الدولار”.
ويخشى مراقبون كثر وكذلك دبلوماسيون أوروبيون، من أن تؤدي هذه العقوبات الجديدة إلى تقليص قدرة إيران على الحصول على سلع تُعتبر “إنسانيّة” (أدوية وغذاء) رغم تأكيد وزارة الخزانة الأمريكية أن تلك المواد تخضع لإعفاءات.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية نفسها عبرت الأربعاء عن قلقها من المستويات القياسية الجديدة لعدد الوفيات الناجمة عن وباء كوفيد-19 في إيران وعرضت على عدوتها اللدودة “مساعدة”.
وكتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تغريدة على تويتر: “في خضمّ جائحة كوفيد-19، يسعى النظام الأمريكي إلى تدمير آخر قنواتنا لدفعِ (ثمن) الغذاء والأدوية”، مؤكدا أن “الإيرانيّين سيتجاوزون هذه الوحشية، لكنّ التآمر لتجويع شعب هو جريمة ضد الإنسانية”.
وانسحبت الولايات المتحدة في 2018 بشكل أحادي من الاتفاق النووي الدولي الذي أبرم مع إيران، إذ اعتبر ترامب أنه غير كافٍ لمنع طهران من الحصول على قنبلة نووية، ووضع حد لسلوكها “المزعزع للاستقرار” في الشرق الأوسط. وأعاد بعد ذلك فرض كل العقوبات الأمريكية التي رُفِعت عام 2015 مع تشديدها.
وتضيّق هذه الإجراءات العقابية الخناق على الاقتصاد الإيراني؛ لأنها مرفقة بما يسمى عقوبات “ثانوية” تعني أن أي دولة أو شركة تواصل التجارة مع إيران يمكن أن تمنع من الوصول إلى السوق والقطاع المالي الأمريكيين الواسعين.
واصطدمت محاولة لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة بقرار أمريكي أحادي أيضا، بمقاومة القوى الكبرى الأخرى.
وكانت إدارة ترامب أعلنت أن هدفها هو إضعاف الجمهورية الإسلامية حتى “تغيّر موقفها” في المنطقة وتتفاوض على “صفقة أفضل”. لكن مع اقتراب نهاية الولاية الأولى للملياردير الجمهوري، لم تحقق إدارة ترامب أي تقدم على أي من الجبهتين.
ويؤكد الرئيس الجمهوري الآن أن السلطات الإيرانية ستوافق على التفاوض لكن بعد الانتخابات الأمريكية التي ينافسه فيها الديموقراطي جو بايدن.
ويشدد بايدن باستمرار على الأسس السلمية للاتفاق الذي أبرم في 2015 عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما وعلى أن الحلفاء الأوروبيين لواشنطن يدافعون عنه.
ورأت المرشحة لمنصب نائب الرئيس الديموقراطي كامالا هاريس خلال مناظرة الأربعاء مع نائب الرئيس الحالي الجمهوري مايك بنس، أن الانسحاب من الاتفاق سمح لإيران بامتلاك “ما يمكن أن يؤدي إلى ترسانة نووية كبيرة”.
وقالت هاريس: “بسبب المعالجة الدبلوماسية الأحادية لدونالد ترامب ونزعته الانعزالية، أخرجنا (من الاتفاق) وجعل أمريكا أقل أمانا”.
القدس العربي