لم يكشف تصاعد القتال في إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان انعدام رؤية واضحة لدى روسيا لمن تسانده في هذه المواجهة فحسب، بل أثار أيضاً تساؤلات حول قابلية استمرار سياسات الكرملين الرامية لتزويد طرفي الأزمة بسلاح بقيمة مليارات الدولارات، بالإضافة إلى ضعف منظومات الدفاع الجوي السوفييتية المنشأ في التصدي للطائرات الضاربة التركية بلا طيار. وبحسب أرقام معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن حصة روسيا من مجموع الواردات الدفاعية الأذرية تبلغ نحو 22 في المائة، بينما تكاد تكون جميع مشتريات الأسلحة في أرمينيا روسية المنشأ على مدى السنوات الخمس الماضية. وزاد هذا الأمر في الظروف الراهنة من الترجيحات بأن مثل هذه الإمدادات تؤدي إلى التصعيد بدلاً من الردع المتبادل.
حصة روسيا من مجموع الواردات الدفاعية الأذرية تبلغ نحو 22%
ومع ذلك، يؤكد رئيس قسم العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة “بليخانوف” الاقتصادية الروسية بموسكو، أندريه كوشكين، أن توريد الأسلحة الروسية إلى أرمينيا وأذربيجان في آن معاً لم يكن بهدف استخدامها في أعمال القتال، لافتاً إلى أن جميع الدول المتقدمة تتنافس على حصتها بسوق الأسلحة العالمية وليس روسيا فقط. ويضيف في حديث لـ”العربي الجديد”: “تقترب النفقات الدفاعية حول العالم من رقم تريليوني دولار سنوياً، وسوق الأسلحة فيها حضور لجميع اللاعبين القادرين على تقديم منتجات وفق معادلة تناسب أسعارها مع جودتها. وهنا كانت أرمينيا وأذربيجان تتقدمان بطلبات شراء الأسلحة الروسية، وموسكو تلبي احتياجاتهما”.
ويقلل الباحث الروسي من أهمية الادعاءات بأن السلاح الروسي أدى إلى اشتعال الوضع في ناغورنو كاراباخ، معتبراً أن “مثل هذه المزاعم تصدر من خبراء يمثلون الغرب الجماعي. لكن في الواقع، كانت الإمدادات الروسية تهدف إلى ضمان الاستقرار في المنطقة. كما أن هذه سوق تجارية تتصارع جميع الدولة المتقدمة، بما فيها الغربية منها، على الصفقات وحصتها بها”.
من جانب آخر، اعتبرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية أن أعمال القتال في ناغورنو كاراباخ أوصلت رسالة هامة للمشترين المحتملين للأسلحة الروسية، وهي أن الطائرات الضاربة التركية بلا طيار أظهرت دقة عالية في إصابة المدرعات ووسائل النقل. ورأت الصحيفة في مقال بعنوان “خبرة القتال في ناغورنو كاراباخ تغير صادرات الأسلحة الروسية”، نشر في وقت سابق من الأسبوع الحالي، أنه لن يكون من السهل على موسكو استئناف إمدادات الأسلحة إلى أرمينيا وأذربيجان في آن معاً بعد أن كانت تبررها سابقاً بهدف الردع ومنع النزاع، مرجحة أن مثل هذه الإمدادات لن تكون ممكنة خلال المرحلة الساخنة من الحرب.
ونقلت “نيزافيسيمايا غازيتا” عن الخبير العسكري ألكسندر غولتس قوله: “قبل اندلاع أعمال القتال، كان باستطاعة روسيا تسليح طرفي المواجهة بهدف تحقيق توازن القوى. كان يتم تبرير بيع السلاح الروسي لباكو ويريفان بإجراءات الردع المتبادل ومنع نشوب حرب كبرى. على الأرجح لن تفلح مثل هذه البراهين اليوم”. ولفت إلى أن أذربيجان كانت زبوناً مجدياً للغاية لصادرات الأسلحة الروسية، كون باكو كانت تشتري الأسلحة الروسية نقداً لا على حساب القروض الروسية مثلما هو حال يريفان.
توقع مراقبون ارتفاع الطلب على الطائرات التركية بلا طيار
كما كشفت الحرب في ناغورنو كاراباخ نقطة ضعف أخرى لأنواع الأسلحة ونظم الدفاع الجوي الروسية التي طورت في عهد الاتحاد السوفييتي، وهي الفاعلية العالية للطائرات بلا طيار والتي لم يكن يتم وضعها في الحسبان وقت تصميم المنظومات السوفييتية. وعلق غولتس على ذلك بالقول: “سيبدي المشترون الأجانب اهتماماً بالمنظومات المطورة والحديثة للدفاع الجوي والقادرة فعلاً على التصدي للطائرات بلا طيار. بالإضافة إلى ذلك، سيحتاج المشترون المحتملون إلى وسائل دفاع جوي ذات مديين قصير ومتوسط”. وتوقع طلباً كبيراً على الطائرات التركية بلا طيار التي لا يتوفر لدى روسيا مثيل لها.
من جهته، أرجع مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا، رسلان بوخوف، نجاحات الجيش الأذري إلى استخدامه أحدث نظم الاستطلاع وتحديد الأهداف، مشيراً إلى أن روسيا قد تصدّر بعض الأنواع مثل هذه المعدات، ولكن الطائرات الضاربة بلا طيار ليست منها. وبحسب أرقام مركز تحليل التجارة العالمية بالسلاح في موسكو في عام 2019، فإن روسيا تأتي في المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة في مجال تصدير الأسلحة، متفوقة على فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية. وبلغت قيمة صادرات الأسلحة الروسية نحو 14 مليار دولار أو حوالي 15 في المائة من إجمالي الإمدادات العالمية السنوية التي قدرت بـ92 مليار دولار.
رامي القليوبي
العربي الجديد