تُثار تساؤلات عدة حول زيارة محافظ البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، في 12 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إلى بغداد واجتماعه مع نظيره العراقي مصطفى غالب مخيف، خصوصاً مع حديث وسائل إعلام إيرانية عن أن هدف الزيارة هو الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة في العراق.
وكانت وكالة “إرنا” الرسمية الإيرانية نقلت في 14 أكتوبر تصريحات لمحافظ البنك المركزي الإيراني قال فيها إن “طهران تواصل المفاوضات مع الدول التي تضم أرصدة إيرانية مجمدة في بنوكها، وأن زيارته الأخيرة للعراق كانت في هذا الإطار وأن النتائج كانت إيجابية”، معرباً عن أمله بـ”استعادة أرصدة إيران البالغة خمسة مليارات دولار في بنوك العراق”.
وكان محافظ البنك المركزي الإيراني أكد في 12 أكتوبر، في تصريح لوكالة “إرنا”، أنه تم خلال الاجتماع الثلاثي بينه ومحافظ المصرف المركزي العراقي ورئيس البنك التجاري العراقي سالم جواد عبدالهادی الجلبي، التوصل إلى اتفاق حول الإفراج عن أصول إيران المالية ليتسنى شراء البضائع الأساسية للبلاد.
وأشار إلى أنه استعرض خلال هذا الاجتماع الثلاثي مجالات التبادل التجاري بين البلدين. وأضاف أن رئيس الوزراء العراقي أعرب عن ترحيبه وارتياحه لهذا الاتفاق، كما وعد بمتابعة عملية تنفيذه أسبوعياً”.
في غضون ذلك يتحدث مراقبون عن أن المطالبات الإيرانية تلك، تأتي ضمن إطار محاولة لتنفيذ بنود “هدنة” إيقاف قصف الجماعات المسلحة الموالية لإيران، للمصالح الأميركية في العراق.
“مصارف مراسلة”
وتتزامن تلك الزيارة، مع إدراج 18 مصرفاً إيرانياً ضمن عقوبات جديدة أصدرتها واشنطن نهاية الأسبوع الماضي، في ظل الانهيار المستمر للاقتصاد الإيراني والسقوط الحاد لعملتها المحلية.
ويقول أستاذ الاقتصاد السياسي عبد الرحمن المشهداني إن توقيت الزيارة “يثير تساؤلات عدة”، تتعدى مسألة الديون، خصوصاً في ظل تزامنها مع إدراج 18 مصرفاً إيرانياً مسؤولاً عن تمويل تجارتها الخارجية ضمن قائمة العقوبات.
ويشير المشهداني إلى أن الهدف الرئيس من الزيارة ربما يرتبط بمحاولة خلق “مصارف عراقية مراسِلة للبنوك الإيرانية، تتكفل بعمليات تمويل الاستيرادات التجارية الإيرانية”، لافتاً إلى أن أي تفاهمات من هذا النوع مع طهران في الوقت الحالي، قد يتسبب بـ”حرج للحكومة العراقية، خصوصاً كون العديد من المصارف في الداخل العراقي متهمة بإدارة عمليات غسيل أموال”.
وعبر المشهداني عن استغرابه من مطالبة إيران بـ”4 مليارات دولار، خصوصاً أن حجم استيراد الطاقة يصل إلى ملياري دولار سنوياً ويسدد بشكل دوري”.
وتباينت التقديرات لحجم تلك الأموال، ففي حين قال همتي إنها تبلغ 5 مليارات دولار، أشارت تقارير صحافية إلى أنها تصل إلى حدود 10 مليارات دولار. ويرجح مراقبون أن يكون الحديث عن قبول العراق بإطلاق أموال إيرانية مجمدة في بنوكه، “تحقيقاً لجزء من بنود الهدنة” بموافقة أميركية.
ويعتقد مستشار المركز العربي للدراسات الإستراتيجية يحيى الكبيسي أن “الحديث عن محاولات إطلاق أموال إيرانية مجمدة في العراق، لا يمكن أن يتم دون ضوء أخضر أميركي، خصوصاً مع خشية العراق من احتمالية تعرضه لغضب أو عقوبات أميركية في حال الموافقة على دفع تلك المبالغ”.
“غض طرف” أميركي
ويربط الكبيسي بين زيارة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جنين- هينيس بلاسخارت إلى رئيس أركان “هيئة الحشد الشعبي” عبد العزيز المحمداوي “أبو فدك”، وغض الحكومة العراقية النظر عن بعض الجوانب المتعلقة بالزيارة، والهدوء الذي حصل تجاه قضية خروج القوات الأميركية، بأنه يأتي ضمن “صفقة ما”، بين تلك الأطراف.
ويعتقد الكبيسي أن حديث محافظ البنك المركزي الإيراني عن إمكانية الحصول على أموال مجمدة في العراق، “يأتي كجزء من إتمام صفقة الهدنة”، مبيناً أن “واشنطن ترغب بهدنة تمتد إلى الانتخابات الأميركية، حتى لا يدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إشكال مع الناخبين”.
ويشير إلى أن “غض الطرف من قبل واشنطن عن التجارة العراقية مع إيران والتي تصل إلى حدود 7 مليارات دولار، والاكتفاء بالحديث عن استثناءات الطاقة، يعطي تصوّرات عن طبيعة المعضلة العراقية بالنسبة لأميركا”، مبيناً أن “واشنطن واعية لكونها غير قادرة على إجبار العراق على قطع علاقته الاقتصادية بإيران، مما دفعهم للقبول بشراكة إيرانية في العراق بحدود معينة”.
ويتحدث البعض عن أن الميليشيات بدأت تعصى إيران لكونها غير قادرة على توفير موارد مالية كافية لها، إلا أن الكبيسي ينفي وجود إرادة مستقلة لتلك الفصائل، مبيناً أن “إيران هي الطرف الرئيس في هذا الاتفاق”.
ويختم الكبيسي، “ليس هناك قرار جدي من إيران أو حلفائها في العراق بسحب القوات الأميركية”، مشيراً إلى أن “أي انسحاب أميركي سيفضي إلى عقوبات تجاه العراق ويؤدي إلى خسارة إيران المورد الثاني للعملة الصعبة”.
خريف مالي وانتخابات قريبة
وتمثل المرحلة الحالية، بالنسبة للفصائل المسلحة الموالية لإيران، خريفاً مالياً خانقاً بعد ربيع نفوذها في فترة حكم رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.
وأدار رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي جولات عدة للحد من الفساد وملاحقة الموارد المالية للفصائل المسلحة، واعتقال مسؤولين بارزين بتهم فساد، فضلاً عن محاولات السيطرة على المنافذ الحدودية، التي تُعد واحدة من أبرز المشغلات المالية لتلك الجماعات.
ولعل هذا الأمر دفع الجماعات المسلحة الموالية لإيران، إلى البحث عن مصادر تمويل جديدة، قد تسهم، إلى حد ما، في كسر ضائقتها الشديدة قبيل الانتخابات المرتقبة في يونيو (حزيران) المقبل.
ويرى مراقبون أنه مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة، باتت تلك الفصائل، التي تنوي معظمها المشاركة فيها، عاجزة عن الحصول على تمويل يكفي لإدارة حملات الدعاية والترويج، الأمر الذي قد يدفعها إلى تقديم تنازلات، أو إدارة أشكال متعددة من الهدنة، سواء مع الحكومة العراقية أو مع واشنطن نفسها.
وفيما تعيش طهران حصاراً مالياً هائلاً يمنعها من توفير أي دعم مالي لتلك الجماعات، يشير الصحافي محمد حبيب إلى احتمال قد يمكّنها من اللعب على قضايا مالية عالقة بينها وبين بغداد، من خلال “الاستعانة بتلك الجماعات وإعطائها حصصاً تمكنها ولو نسبياً من إدارة حملاتها الانتخابية”.
ويقول حبيب، إن التقارير المتواترة عن ارتباط “الهدنة” بتحرير أموال إيرانية مجمدة في العراق، “قد يدفع طهران إلى مكافأة تلك الجماعات بإعطائها حصة من تلك الأموال لإخراجها من إشكالاتها المالية”.
صفاء ناصر
اندبندت عربي