ما الذي سيتغير في علاقات بكين وواشنطن، وما الذي سيحدث للحرب التجارية المدمرة التي أشعلها الرئيس دونالد ترامب في حال فوز مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن بانتخابات رئاسة الولايات المتحدة التي ستجرى في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني؟
حتى الآن، أدخلت أسواق المال العالمية في حساباتها احتمال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالدورة الرئاسية المقبلة في أميركا، ولكن استفتاءات الرأي ربما لا تكون صادقة مثلما حدث في الانتخابات الرئاسية الماضية، التي رجحت فوز هيلاري كلينتون وانتهت بفوز ترامب في العام 2016.
لكن على أي حال، ما يهم المستثمرين هو كيفية إدارة الرئيس الأميركي القادم العلاقات مع الصين وترتيبات النظام العالمي الجديد ما بعد كورونا، لأن ذلك سيحدد مسار استثماراتهم في المستقبل.
ورغم أن المرشح جو بايدن لم يعلن حتى الأسبوع الماضي سياسة تفصيلية حول علاقاته مع الصين، ولكنه انتقد الزعيم الصيني شي جين بينغ في أكثر من مناسبة وهاجم سجله القمعي وتعامله مع هونغ كونغ التي لا تزال من الناحية الدستورية تتمتع بحكم ذاتي.
على الصعيد الاستراتيجي، يرى العديد من خبراء الاستراتيجيات الدولية والاستثمار أن قطار العلاقات بين واشنطن وبكين قد غادر محطة الود والصفاء إلى غير رجعة، ولكن ربما تكون هنالك عقلانية في العداء تحكم العلاقات بين العملاقين في حال حدوث تغيير في الإدارة الأميركية خلال السنوات المقبلة، إذ إن بكين لم تعد تخفي رغبتها في بناء “نظام عالمي” جديد يقوض نفوذ واشنطن، كما أن أميركا لا تخفي رغبتها في كبح جماح النفوذ الصيني العالمي.
في هذا الصدد، تشير نتائج استفتاء أجرته جامعة هارفرد مع مؤسسة هاريس للتحليل المالي، إلى أن المواطن الأميركي بات معبأ تماماً ضد بكين وينظر بسلبية شديدة للصين، إذ قال 53% من الذين شملهم الاستفتاء إن “الصين عدو للولايات المتحدة وليست صديقا”، كما أجاب 60% عن سؤال حول ماذا كانت الصين مسؤولة عن تفشي جائحة كورونا بـ”نعم”.
وبالتالي يرى العديد من المحللين أن نظرة واشنطن للصين كمنافس شرس للولايات المتحدة على النفوذ العالمي والهيمنة الاقتصادية والتقنية لن تتغير في حال فوز جو بايدن، ولكن ربما ستتغير الآليات التي ستستخدمها إدارة بايدن في تقليص وكبح التمدد التجاري والاقتصادي والتقني الصيني.
بن سلمان فؤجئ بتهديد ترامب عبر الهاتف (فرانس برس)
اقتصاد دولي
مخاوف في الأسواق من استئناف الحرب التجارية
وبينما تركز هجوم الرئيس دونالد ترامب على الصين في مجالات التجارة والتجسس الصناعي والملكية الفكرية واتهام بكين بنشر جائحة كورونا، واستخدم فرض الرسوم المرتفعة على البضائع الصينية والحظر المشدد على شركات التقنية كأدوات لكبح النفوذ والتمدد التجاري الصيني، فإن بايدن ربما سيركز هجومه على بكين في مجالات خرقها لحقوق الإنسان والقوانين الأمنية في هونغ كونغ، وربما سيستخدمها كأدوات في عزل الصين عن المحيط العالمي خلال سنوات حكمه في حال فوزه بالرئاسة الأميركية.
في هذا الشأن، ترى وحدة دراسات “إيكونومست إنتيلجينس يونت” البريطانية أن “إدارة بايدن ستخفض الرسوم على البضائع الصينية التي تصعب الاستعاضة عنها بمنتجات أميركية محلية في أميركا”.
كما تعتقد وحدة الدراسات البريطانية أن إدارة بايدن “ستواصل مراقبة الاستثمارات الصينية في أميركا وفحصها، خاصة في مجالات التقنية الرفيعة، كما ستشدد الإجراءات التي تمنع تصدير التقنية الأميركية إلى الصين”. وتتوقع “إيكونومست إنتيلجينس يونت” أن يعمل بايدن “على زيادة التنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة في آسيا وأوروبا وتشجيعهم على تشديد الرقابة على الشركات الصينية واستثماراتها”.
من جانبه، يرى رئيس مؤسسة “بريتون وودز” الأميركية، فلاديمير ساينوريلي، أن الصين “ستواصل التوسع الاقتصادي مستفيدة من رأس المال الأميركي في حال فوز بايدن”، فيما يقول كبير الاقتصاديين بمجموعة “دي بي أس” للأبحاث الأميركية، تيمور بيج، إن “التوتر التقني بين بكين وواشنطن سيستمر ولكنه سيكون محكوماً بمنطق القانون الدولي”.
وقال بيج: “لا أعتقد أن نتيجة الانتخابات الأميركية ستجعل العلاقات الأميركية أفضل مع الصين، ولكن الاضطراب في العلاقات سيقل”.
أما المستشار بصندوق ميركس الاستثماري الأميركي، آندي ميركس، فلا يتوقع تغيرا في علاقة بكين وواشنطن التجارية، قائلا إن “فوز بايدن لن ينهي الحرب التجارية”.
ورغم أن بايدن يعارض سياسة ترامب تجاه الصين، إلا أنه يرى أن الرسوم الجمركية أدت إلى خسائر تكبدتها الأعمال التجارية الأميركية والمواطن الأميركي، ولذلك ربما سيكون انتقائياً وعقلانياً في ضغطه التجاري على بكين مقارنة بالمزاجية والعشوائية التي حكمت سلوك ترامب.في هذا الصدد، ترى مديرة الاستثمارات في شركة ” فيدلتي إنترناشونال”، كاثرين يونغ، أن “الصين وضعت أهدافاً واضحة لتصبح قوة اقتصادية مهيمنة في العالم، وأن هذه الأهداف ترفع من حدة المنافسة مع أميركا”.
وربما سيساهم فوز بايدن في بناء استراتيجية أكثر فاعلية في عزل الصين، إذ إنه سيعمل على تحسين العلاقات مع الحلفاء في أوروبا وآسيا التي شابها الاضطراب بسبب سياسات ترامب العدائية. وتنظر دول الاتحاد الأوروبي للصين كـ”منافس استراتيجي” ولا تخفي نيتها تعزيز علاقاتها مع اليابان وكوريا الجنوبية وباقي الديمقراطيات في آسيا على حساب الصين.
ويلاحظ ان الظروف التي جعلت الولايات المتحدة تسمح للصين بالاندماج في الاقتصاد العالمي في السبعينيات من القرن الماضي تغيرت كثيراً. وقتها، كانت أميركا تخوض حرباً باردة مع المعسكر الشيوعي الذي تقوده موسكو، كما أن الصين كانت دولة متخلفة تقنياً، وبالتالي استغلت الشركات الأميركية هذا التخلف والقوى العاملة الرخيصة للإنتاج بأقل كلفة وتحقيق أعلى الأرباح.
أما الآن، فجاء دور كبح التمدد الصيني بعد التقدم الهائل في مجالات التقنية والنمو الاقتصادي والعسكري، حسب مراقبين.
موسى مهدي
العربي الجديد