يتوقع سياسيون عراقيون أن تتعرض قوات الحشد الشعبي إلى انقسام خلال المرحلة المقبلة، في ظل الجدل المستمر الذي تثيره الميليشيات المنتمية لتلك القوات، والخلافات بشأن تحوّلها إلى أداة تخريبية إيرانية.
وخلال الأسبوع الجاري وجدت هيئة الحشد الشعبي التي يترأسها فالح الفياض نفسها متورطة في انتهاكين كبيرين، الأول هو عملية اختطاف وقتل 8 أشخاص من الطائفة السنية في قرية تابعة لقضاء بلد في محافظة صلاح الدين، والثاني اقتحام وسرقة وحرق مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه الزعيم الكردي المخضرم مسعود البارزاني في بغداد، ما وضعها تحت ضغط هائل.
والحشد الشعبي هو عبارة عن كيان جديد نشأ بسبب الحرب على تنظيم داعش العام 2014، قبل أن يكتسب الصفة القانونية في 2016.
ويضم الحشد جميع المتطوعين لمواجهة تنظيم داعش استجابة لفتوى أصدرها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، لكنه يضم فصائل مسلحة تحرّكها إيران، كانت موجودة قبل العام 2014 بذريعة حماية المذهب الشيعي من “التطرف السني” ومواجهة الاحتلال الأميركي.
ويدور نقاش بين ساسة عراقيين في الكواليس بشأن حقيقة سيطرة الفياض على جميع قوات الحشد الشعبي. ويعتقد العديد من الساسة الشيعة والسنة والأكراد في العراق أن سيطرة الفياض على العديد من فصائل الحشد الشعبي شكلية إلى حد كبير.
وعندما تشكلت قيادة هيئة الحشد الشعبي في 2016، وأصر العبادي على تكليف الفياض، حليفه الانتخابي آنذاك، برئاستها، أصر حلفاء إيران على تكليف أبومهدي المهندس بمنصب نائب رئيس هيئة الحشد. وعندما اندلع خلاف بين الفياض والمهندس بعد ذلك بنحو عامين بشأن وظيفة الحشد وإمكانية أن يلعب دورا سياسيا، غيّر حلفاء إيران صفة المهندس من نائب لرئيس هيئة الحشد إلى رئيس أركان هيئة الحشد، ليكون مسؤولا فعليا عن جميع تحركات القوات التابعة للهيئة.
لكن الود عاد بين الفياض والإيرانيين سريعا عندما اندلعت التظاهرات العراقية في أكتوبر 2019، حيث كُلفت فصائل ضمن الحشد الشعبي بالكثير من “الأعمال القذرة” ضد المحتجين، وفقا لمصادر مطلعة.
وتقول المصادر إن “الأمور ربما ليست على ما يرام بين فالح الفياض والإيرانيين وأتباعهم في العراق”. وتضيف المصادر أن الفياض غاضب من زج الحشد الشعبي في نزاع قومي مع الأكراد وطائفي مع السنة، مؤكدة أنه سجّل اعتراضه لدى الإيرانيين على هذه التطورات.
وتشير كواليس سياسية إلى أنّ الفياض مؤمن بأن مشروع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لديه فرصة أن يتطور بخلاف المشروع الإيراني في العراق، الذي يقوم على المواجهة المستمرة ورفع السلاح في وجه الجميع وتكديس الخصومات ومراكمة النزاعات.
ولم يتردد الفياض في التعبير عن خيبة أمله وهو يشاهد علم الحشد الشعبي يرفرف فوق حشود غاضبة تسرق وتحرق مقر حزب كردي في بغداد. وقال الفياض “شعرنا بالخجل لرفع علم الحشد فوق مبنى الحزب”، مؤكدا أن “حرق مقر الحزب الديمقراطي في بغداد أمر مؤسف”. وأضاف أن “القوات الأمنية ألقت القبض على 18 شخصا متهما بالحرق”.
لكن الفياض حاول أن يقلل من الأضرار والتبعات الناجمة عن توريط الحشد الشعبي في تصفية الخصومات السياسية، مشيرا إلى أن “هيئة الحشد غير مسؤولة عن رفع بعض الجهات شعارا بأنها من أنصار الحشد”.
وتطرق الفياض إلى عملية التطهير الطائفي التي تنفذها حركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي في قرية الفرحاتية التابعة لقضاء بلد في محافظة صلاح الدين، مؤكدا أن “الحشد الشعبي أكثر المعنيين بالكشف عن الجناة بجريمة الفرحاتية”، في إشارة واضحة إلى سعيه نحو تبرئة اسمه، بعدما التصقت به التهمة.
وقال إن “ما حصل في الفرحاتية هو جريمة قتل لمواطنين أبرياء خارج إطار القانون”. ولم يستخدم الفياض مصطلح “إرهابية” في وصف الجريمة، ليؤكد أن المتورطين فيها هم مسلحون شيعة وليس تنظيم داعش كما حاولت عصائب أهل الحق أن توحي.وأضاف الفياض “سنتخذ جميع الإجراءات من أجل الوصول إلى الجناة”، مؤكدا أنه “إذا تطلب تبديل القطعات العسكرية الموجودة في الفرحاتية سنقوم بذلك”. كما حرص على القول إن “آمر لواء 42 التابع للحشد (الخاص بعصائب أهل الحق) مستعد لتقديم المساعدة للكشف عن الجناة”، في إشارة صريحة إلى تورط ميليشيا الخزعلي في هذه الجريمة.
وفي موقف آخر أقرب إلى الموقف الرسمي للدولة العراقية اتّهم الفياض، الثلاثاء، ما سماها “جهات مخالفة خارجة عن القانون” باستهداف البعثات الدبلوماسية في العراق.
ومنذ أشهر تتعرض المنطقة الخضراء، التي تضم مقرات حكومية وبعثات سفارات أجنبية في بغداد، إلى جانب قواعد عسكرية تستضيف قوات التحالف الدولي، وأرتال تنقل معدات لوجستية، لقصف صاروخي وهجمات بعبوات ناسفة.
وقال الفياض، في تصريح للتلفزيون العراقي الحكومي “إنّ الحشد الشعبي هو هيئة رسمية ضمن مؤسسات الدولة، ومن يقوم باستهداف البعثات الدبلوماسية جهات مخالفة خارجة عن القانون”.
ويعتقد مراقبون أن تصريحات الفياض في هذا التوقيت تعدّ خروجا عن المألوف واقترابا واضحا من نهج حكومة الكاظمي. ويرى الفياض أن “الكاظمي جاء وفقا لأغلبية نيابية واضحة وليس لديه عداء مع الحشد”، مؤكدا أن “رئيس الوزراء داعم للحشد ويقوده عسكريا”.
ويرى الكثير من الساسة في بغداد أن هذه التصريحات قد تكون مقدمة لانقسام في قيادة الحشد الشعبي، ما يقود نحو فرز قوتين مختلفتين؛ الأولى التي تضم أغلبية من أتباع المرجع السيستاني، وهؤلاء لا يمانعون الانصياع للدولة والارتباط بالكاظمي، والثانية التي تضم الفصائل التابعة لإيران، حيث ترتبط عقائديا بالمرشد علي خامنئي وعسكريا بالحرس الثوري.
ويرى مراقبون أن التطورات الأخيرة قد تسرع وتيرة الفرز داخل الحشد الشعبي، في ظل الرغبة التي يبديها الفياض في الاقتراب من مشروع الكاظمي.
صحيفة العرب