منذ عام 2004 على الأقل، كان المرشحون للرئاسة الأمريكية يخشون من كيفية تأثير هجوم إرهابي على حملاتهم الانتخابية، لا سيما في المراحل اللاحقة. ومع اقتراب يوم الانتخابات الأمريكية المتوقعة في أقل من أسبوعين، لا يزال من الممكن وقوع أي حادثة، ولكن يبدو أن تنظيم «الدولة الإسلامية» أقل قدرة بكثير على تنفيذ “مفاجأة في تشرين الأول/أكتوبر” مما كان عليه في الفترة التي سبقت انتخابات عام 2016. ففي ذلك الحين، سيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» على منبج والرقة في سوريا، وكان بإمكانه استخدام الحدود السورية التركية بحرية، حيث شن منها (1) هجمات إرهابية مثل تفجير اسطنبول في كانون الثاني/يناير 2016 و (2) الهجمات الموجهة في أوروبا مثل تفجيرات بروكسل في آذار/مارس 2016.
عمليات تنظيم «الدولة الإسلامية» اليوم
تواصل الجماعة الجهادية تهديداتها الشفهية للولايات المتحدة وحلفائها بتنفيذ هجمات ضدها. فخلال الشهر الجاري فقط، دعا متحدث باسم تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى شن هجمات على أنابيب النفط السعودية رداً على دعم البلاد المزعوم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي تموز/يوليو، نشر مركز “الحياة” للإعلام، الجناح الدعائي الخاص بالتنظيم، فيديو بعنوان “وحرض المؤمنين” حث فيه أتباعه على إشعال الحرائق في غابات في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وفي آذار/مارس، شجعت نشرة “النبأ الإخبارية” التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» أنصار التنظيم على استغلال قدرة الخدمات الأمنية المنخفضة وسط جائحة “كوفيد -19” لتنفيذ هجمات.
وقد يرغب تنظيم «الدولة الإسلامية» بشن هجمات ضد الولايات المتحدة وأوروبا لعدة أسباب منطقية:
القيام بذلك من شأنه [أن يؤكد] أن التنظيم لا يزال حاضراً في المشهد. في الوقت الذي يسلّط فيه المسؤولون الأمنيون الأمريكيون الضوء على التهديد المتمثل في العنف المحلي للعنصريين البيض والتدخل في الانتخابات من قبل جهات أجنبية مثل روسيا، فقد تكون عملية ينفذها تنظيم «الدولة الإسلامية» اعتداءاً جانبياً غير متوقع. وقد يستخدم التنظيم مثل هذه العملية من أجل (1) إثبات أنه لا يزال يشكّل تهديداً خطيراً على الولايات المتحدة و (2) كشف نقاط الضعف الأمريكية للهجوم.
الهجوم من شأنه إحراج الرئيس ترامب. لطالما ادّعت إدارة ترامب أن التدابير التي اتخذتها أدت إلى “هزيمة” تنظيم «الدولة الإسلامية». وبالتالي فإن أي هجوم كبير يشنه التنظيم قد يحرج ترامب من خلال دحض هذا الادّعاء.
الهجوم قد يعيق العملية الانتخابية. لطالما نفذ تنظيم «الدولة الإسلامية» هجمات تعيق الانتخابات في مناطق عملياته، لنزع الشرعية عن خصومه في الحكومة.
أمام التنظيم أربعة خيارات لشن هجوم:
الحث على تنفيذ عمل إرهابي على الأراضي الأمريكية على غرار إطلاق النار في “المركز الإقليمي الداخلي” في سان برناردينو، كاليفورنيا عام 2015، أو إطلاق النار في ملهى بولس الليلي في أورلاندو، فلوريدا عام 2016.
• توجيه هجوم بواسطة خلايا إرهابية في أوروبا، كما فعل تنظيم «الدولة الإسلامية» في هجمات باريس عام 2015 وتفجيرات بروكسل عام 2016.
مهاجمة مدنيين أمريكيين داخل مناطق عمليات التنظيم، كما فعل سلف تنظيم «الدولة الإسلامية» في عام 2002 باغتيال الدبلوماسي الأمريكي لورانس فولي في الأردن، وبعد ذلك بسنوات باختطاف الصحفيَيْن الأمريكيَيْن جيمس فولي وستيفن سوتلوف وقطع رأسيهما في سوريا.
• تنفيذ ضربة تقليدية على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، كما فعل مرات عديدة ضد الجهات الفاعلة الأخرى منذ عام 2014.
وبدلاً من ذلك، يمكن أن يختار تنظيم «الدولة الإسلامية» زيادة هجماته بشكل عام حيثما أمكنه لتحدي الفكرة أنه قد تم هزيمته. وستسمح هذه المقاربة للتنظيم بالاستفادة القصوى من قدراته وقدرات الجماعات التابعة له أيضاً. ونظراً للعقبات الملازمة لجميع الخيارات الأخرى، فإن اختيار تنظيم «الدولة الإسلامية» لنهج أكثر عمومية قد يكون أسهل طريقة لتأكيد أهميته.
تعطيل مواقع الإطلاق التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية»
إن تراجع قوة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتهديده حالياً يُعقّد تنفيذ جميع الخيارات المحتملة. فبعد أن تمّ إبعاد التنظيم نحو الصحراء في كل من العراق وسوريا، أصبح أضعف بكثير مما كان عليه في عام 2016، عندما سيطر على مدن عراقية وسورية كبيرة وخَطَّط لشن هجمات إرهابية تُكبّد خسائر كبيرة في أوروبا. وبالتالي فإن احتمال حدوث مفاجأة في تشرين الأول/أكتوبر أقل صعوبة بكثير.
وما تغيَّر هو أن تنظيم «الدولة الإسلامية» فقد معاقله الإقليمية الكبيرة في العراق وسوريا وليبيا. فقد شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها حملة عسكرية شرسة ضد التنظيم نجحت في حرمانه من أراضيه في الشرق الأوسط. وبدعم من الولايات المتحدة، طوّرت قوات الأمن العراقية و«قوات سوريا الديمقراطية» والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى القدرة على الاحتفاظ بأراضيها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد مكّنت هذه القدرة تلك الجهات الفاعلة من تطوير هياكل حوكمة يمكن أن توفر درجة من الاستقرار والأمن على المدى الطويل لسكان تلك المناطق، والذين بدورهم سيكونون أقل عرضة للتجنيد من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية».
وأدّت خسارة الأراضي هذه إلى انتقال تنظيم «الدولة الإسلامية» نحو التمرد، مما حد بشدة من قدرته على استقطاب مقاتلين أجانب وتدريب أعضائه وجمع الأموال وحتى الحث على شنّ هجمات إرهابية وتوجيهها في الغرب، كما ساهم ذلك أيضاً بتصفية العديد من أفضل قادته ومقاتليه المتمرسين. ولم تحدّ خسارة الأراضي من قدرة التنظيم على الترويج لنفسه على أنه ينفذ واجب إعادة إقامة دولة الخلافة فحسب، بل أن إغلاق الحدود التركية وزيادة إجراءات مكافحة الإرهاب شلّت أيضاً القدرات الخارجية للتنظيم. واليوم، إن تنظيم «الدولة الإسلامية» في طور التعافي ويُركز على الترويج للهجمات الناجحة والعمليات العسكرية من قبل الجماعات التابعة له لتعزيز صورته المحلية وعمليات التجنيد التي يقوم بها. ففي آب/أغسطس، استولت جماعة مرتبطة بالتنظيم في موزمبيق على المدينة الساحلية موسيمبوا دا برايا. وفي شباط/فبراير، افتتحت مجموعة إعلامية موالية لتنظيم «الدولة الإسلامية» مجلة شهرية جديدة باسم “صوت الهند”، تركز على تعزيز التجنيد في “ولاية الهند” التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في الهند وعلى تحريض أنصار التنظيم الهنود على مهاجمة قوات الأمن المحلية.
ومقابل الانتصارات العسكرية المحققة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، نفّذت الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة وأوروبا تدابير محلية لمكافحة الإرهاب من أجل مواجهة التهديد الذي يشكّله التنظيم. وتضمنت هذه الإجراءات مراقبة ومحاكمة وفرض حظر فعال على دخول الأفراد الذين سافروا إلى الخارج للانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، فضلاً عن جهود “تعزيز أمن الأهداف” مثل زيادة تواجد عناصر الأمن حول الأهداف المدنية “السهلة”.
وسيتطلب ضمان استمرار تقويض تنظيم «الدولة الإسلامية» جهوداً مستمرّة. وكانت “القوات الخاصة الأمريكية” و”القوات الجوية الأمريكية” فعالة بشكل خاص في إضعاف التنظيم. ومن شأن سحب القوات الأمريكية الآن من مواقع أمامية مثل “وادي نهر الفرات” والقواعد العسكرية في التنف والحرير والأسد، أن يمنح تنظيم «الدولة الإسلامية» متنفساً كافياً لإعادة رص صفوفه. وبالتالي، فإن التزام الولايات المتحدة بالبقاء في المنطقة ودعم قوات الأمن المحلية في العمليات والتدريب سيساعد في منع عودة تنظيم «الدولة الإسلامية». وحالياً، تبدو الانتخابات الأمريكية أكثر أماناً من هجوم قد ينفذه التنظيم بفضل استثمار البلاد المستمر بل المدروس في تدابير مكافحة الإرهاب المستهدفة. يجب أن تستمر هذه الجهود لمنع تنظيم «الدولة الإسلامية» من استعادة توازنه وعودته إلى العمليات الخارجية.
ومن جانبه، يبدو أن تنظيم «الدولة الإسلامية»، في حال ترقب وانتظار لتخفيف الولايات المتحدة من إجراءاتها واطمئنانها. ففي العراق وسوريا، ظل التنظيم متخفياً نسبياً على مدى الأشهر العديدة الماضية، مع تركيز دعايته على الفروع الخارجية. وقد يشير هذا التكتيك إلى أن التنظيم قد تعلَّم كيف أن تركيز جهوده في مسرح واحد بارز يجعله أكثر عرضة للتدخل الأمريكي والدولي. وفي الوقت نفسه، مّرت المكاسب الأخيرة التي حققها تنظيم «الدولة الإسلامية» في موزمبيق دون أن تحظى إلى حد كبير بالأهمية اللازمة من قبل المجتمع الدولي. وبالفعل، فإن مواصلة تجهيز خلايا في أفريقيا والهند وأماكن أخرى – مع الحفاظ على وجود منخفض المستوى في الأراضي السابقة والحث على شن هجمات في الخارج – يمكن أن تكون المرحلة الاستراتيجية المقبلة للتنظيم.
عيدو ليفي
معهد واشنطن